نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الطائفية منزلق خطير ساهم الاعلام فيه

تاريخ النشر :18 مارس  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

انه لامر مؤسف ان تنزلق البحرين الى مانحن فيه من حالة التوتر سواء كانت بفعل الانفلات الامني ام نتيجة تراكمات ناتجة من تصرفات رسمية او تصرفات المعارضة فالنتيجة هي ان البحرين تعيش حالة مؤلمة تجرعت مرارتها من خلال الحديث مع بعض الاصدقاء الوطنيين. ويبقى السؤال كيف الخروج من هذا المأزق السياسي الذي تحول الى مشكلة امنية؟

من متابعة الصحافة وتلفزيون البحرين لا نجد تحليلا سياسيا شموليا يوضح للمواطن لماذا وصلت الاحوال الى هذا الحد او يضع المسئولية في مكانها الصحيح. كان لدينا عشر سنوات من الوقت رددت خلالها جهات كثيرة بان الاصلاح يسير نحو التنمية والحربة ومحاربة الفساد باقصى ما يمكن في هذه المرحلة. رد عليها سمو ولي العهد الشيخ سلمان في يوم الجمعة (20 فبراير) برفض المزايدات والتخوين والاقرار “باننا تأخرنا في الاصلاح وهذا ما أوصلنا الى هذا الوضع”. وايا كانت الاسباب فان المجتمع وصل الى حالة من التأجيج والانقسام الطائفي بسبب استعدادا مذهلا لدى كثيرين لتصديق كل ما يرد من أجهزة الاعلام المحلية والاجنبية على انه حقيقة ثابته غير قابلة للنقاش.  

ان تكوين موقف بهذه الاهمية بناء على معلومات موجهة وناقصة ومن طرف واحد، سواء كان من الفضائيات الخارجية او الاعلام المحلي، له خطورته وقد يقود الى نتائج وتصرفات مؤسفة. ففي عام 1970 قدم “السير تشالز فكر Vicker” نظريته حول بناء المواقف في المنظومة الانسانية، فيقول بان تجارب الانسان تكسبه نظرة الى العالم يفسر من خلالها الاحداث والافكار التي تحدث ويصل الى نتائج بناء على تفاعل هذه الاحداث والافكار عبر الزمن. وكل انسان لديه مرشح (شبكة) خاصة به لانتقاء المعومات الصادرة من الحدث والفكرة والتي تتفق مع منظومته الادراكية (Appreciative System) التي تكونت عبر السنين والتجارب والثقافة والخلفية الاخلاقية للانسان. يستخدم الانسان هذ المرشح لانتقاء المعلومات التي يقبلها ورفض ما لا يقبلها ويكون على اساسها رأيه وقناعته.

لذلك فانه من الضروري ان يدرك الانسان بان فهمه للاحداث والافكار، وان الرأي المبني عليها والمواقف التي يتخذها هي في الواقع  مبنيىة على معلومات انتقائية من صورة اعلامية ترمي في الاصل الى توجيهه الى نتيجة مسبقة. وان اي قناعة او رأي مبنيا على هذه المعلومات انما هو وجهة نظر خاصة بالانسان نفسه ولا تمثل الحقيقة. كما عليه ان يعرف ان التعصب لهذا الرأي هو احد اكبر المشاكل التي عصفت بمجتمعنا خلال هذه المحنة وادت الى تصلب المواقف والاصطفاف الطائفي. وقد ساهم للاسف في تكوين هذه الصورة المشوهة التلفزيونات الاجنبية والمحلية والصحافة والاشاعات المغرضة او البريئة التي تتعمد عدم نشر الرأي الآخر واساءت بذلك الى شريحة كبيرة من المجتمع.

ان المنظومة الانسانية تقوم على فهم وادراك التفاعل بين الاحداث والافكار والمعتقدات والاراء، ومن هذا التفاعل يسعى المجتمع او القائمين عليه التوصل الى حلول تخلق حالة من التوازن في المجتمع وليس لتحقيق هدف معين قد يرى اهميته احد الاطراف دون آخر. فالرخاء والازدهار والامن والاستقرار والديمقراطية كلها قد تكون اهداف ولكنها قد لا تحقق ما يحتاجه المجتمع من التوازن. كما ان هناك قيم العدالة والنزاهة والمساواة التي يجب ان تحترم، وهناك تطلعات وآمال في الحرية والمشاركة يجب ان تصان مما يرجح القبول بان الحل يكون مزيجا من هذه الاهداف والقيم والتطلعات مع مراعات توازنات المصالح في دولة مدنية ديمقراطية.

ان الانطلاق من الخوف في تشخيص المشكلة وتحديد الحلول يحد من قدرة المجتمع على التوصل الى هذا التوازن العادل. كما ان الانطلاق من الجهل يوصل الى مواقف مبنية على بيانات ناقصة وصور انتقائية منفصلة عن سياقها العام وصورتها الشاملة، او بناءا على اخبار مبتورة، وآراء من وجهة نظر واحدة دون القدرة على تمحيصها، او بناءا على احداث حصلت في فترة زمنية محددة دون النظر الى المشكلة برمتها وتحليل اصولها الجذرية. ومع هذا القصور في المعلومات فان البعض يعتبر ما توصل اليه من استنتاجات على انها حقيقة لا تحتمل الخطأ حتى بنسبة واحد في المائة. على عكس الانسان الحكيم العالم الذي يعتبر ان ما توصل اليه من رأي وقناعة يحتمل الخطأ، وبالتالي لا يتعصب له ولا يدعي انه يملك الحقيقة وما سواه ضلالة وباطل.

وبسبب هذا الاسلوب في التفكير والبعد عن قيم الانصاف والعدالة وصل الوضع الى منعطف خطير يحتاج الى البحث عن بصيص امل في ايجاد مخرج من هذا المأزق. ان أخطر ما في الامر هو الاصطفاف الطائفي الذي بلغ مداه في مظاهر متعددة ساهمت فيه اجهزة الاعلام. والان فان ثقتنا كبيرة في عقلاء هذا الشعب في الوصول الى حل ديمقراطي يضمن حقوق المواطنين واملنا ان يكون ضمن هذا الحل النظر في تأسيس هيئة اعلام مستقلة تعمل على درء الصدع الذي اصاب المجتمع. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *