نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

الطائفية والتعصب الديني يعطلان الإصلاح

 تاريخ النشر :٩ أبريل ٢٠١٤ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي  

هل حل الجمعيات السياسية الدينية ينهي الاستقطاب الطائفي ام ان الطائفية نتيجة للعصبية المتغلغلة في الوعي العربي؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13165/article/16295.html

نستشعر جميعا خطورة العنف الطائفي الذي يجتاح منطقة الشرق الأوسطوبالذات الدول العربية وكيف استقطبت الدول بين أنصار هذا الفريق او ذاك. هذا الاستقطاب هو من أخطر الانقسامات على الامة كونه يخاطب العواطفواللاوعي الإنساني ويعتمد على قوة رجال الدين في التأثير المعنوي والوجدانيعلى المجتمعات. 

نتساءل كيف وصل الوضع إلى هذا الحد من الاستقطاب؟ الحالة السورية،وتغلغل الطائفية في العراق ولبنان على وجه الخصوص فَعَلا الكثير لرفع درجةالاستقطاب المذهبي في المنطقة. لكن هل خلقت الحالة السورية هذا الوضع امان الاستقطاب كان موجودا استغلته السلطة الحاكمة في سوريا لتصويرالوضع وكأنه صراع مذهبي بعد ان رفضت المطالب المشروعة التي رفعهاالثوار. الوضع العربي ومنذ صدر الإسلام إلى اليوم يعيش صراعا سياسياتحول إلى صراع ديني مذهبي. والسؤال هل يمكن للمسلمين التخلص من هذاالإرث الثقيل وتجاوز المحنة. وهل حظر الجمعيات السياسية الدينية هو الحل؟  

في مقال في جريدة لوفيجارو يرى الكاتب بان الوضع العربي المتفجر لا يمكناختزاله في هذا الصراع الطائفي، فظروف كل ثورة وكل انتفاضة واحتجاجيختلف عن الاخر لكن المحصلة هي أولا زيادة هشاشة الدول العربية منالفوضى التي ترافق المرحلة الانتقالية للثورات، وثانيا زيادة راديكالية التياراتالإسلامية. لكنه يرى بان الازمة الحالية وان بدت طائفية على السطح فإنهاتخفي صراعا اكثر عمقا كان حاضرا منذ تأسيس الدولة القومية العربية وهوالعصبية التي تحدث عنها ابن خلدون. فشلت الدول العربية في معالجة هذهالتناقضات والتصدعات الاصلية (العصبية) او الطائفية التي نجمت عنها. بلان القيادات العربية عزفت على الورقة الطائفية خصوصا عندما شعرتبالخطر، وهذا ما فعله حافظ الأسد ويفعله بشار اليوم وبعض الحكام. هذه«الاستراتيجية تمكنهم من حشد القوى اللازمة التي تمكنها من البقاءمستخدمين الماكينة الإعلامية والدينية» (اخبار الخليج 3 مارس 2014).  

من ناحية أخرى يرى الكاتب اللبناني الياس خوري باننا نعيش اسوأ مراحلتاريخنا العربي. الكراهية والعنف الطائفي بلغ مداه والصراع السياسي بينالتيارات العلمانية والتيارات الإسلامية في تصاعد وأصبحنا رهينة للأجنداتالإقليمية». والسؤال هل هناك مخرج؟ يرى الدكتور زياد حافظ (امين عامالمنتدى القومي العربي) بان تراجع المد القومي أبرز هذه الهويات الفرعية تحتضغط وتأثير البيوتات السياسية وأصحاب المصالح في تجذر الطائفيةوالهويات الفرعية وضعف الدولة. (السفير، 22 مارس 2014).  

هذا يعني ان هناك إمكانية تراجع الصراع المذهبي الديني متى ما وجدت فكرةجامعة للامة تمنحها إمكانية رؤية مستقبل أفضل من خلالها. في ستينياتوسبعينات القرن الماضي عندما كان المد القومي في أوجه تلاشت الهوياتالأخرى إلى حد لم يكن ذكر لتصنيفات اليوم، بل كان التصنيف وقتها بينشيوعي وبرجوازي ورجعي وتقدمي. فاين نجد هذه الفكرة ومن سيحمل لواءها؟وهل مفهوم المواطنة قادر على تخطي حواجز الطائفية والعصبية؟ وهل سيسمحأصحاب المصالح ببروز أي مفهوم بديل يفقدهم القدرة على استدعاء الهوياتالفرعية وبالذات الطائفية وقت ما يشاؤون؟  

ان خطورة الوضع بدأت تتضح للكثير من الخطباء وعقلاء القوم، فها هو الشيخعدنان القطان يحذر من التكفير وخطره على الامة، والتكفير ما هو الا مظهر منمظاهر التعصب الديني الذي لا يقبل الاختلاف ولا يقر تعددية الفهم للدين. يرىالشيخ عدنان ان أحد مقاصد الشريعة هي وحدة الكلمة ولا يمكن للوحدة انتقوم في رفض الآخر ورفض أي فهم مغاير للدين وعدم الإقرار بحق الاخر فيفهمه وتفسيره. في خطب أخرى لمشايخ اخرين ينادون بمواجهة التحريض علىالكراهية من المنابر كما تقف المعاهدات واتفاقيات حرية التعبير ضد التحريضوالكراهية. يطالب الخطباء بقوانين تجرم التحريض على الكراهية. فهل تنفعالقوانين؟ وهل يلتزمون هم أنفسهم برفض كل ما يؤدي إلى الكراهية والشحنالطائفي؟ 

في مساهمة لتخفيف هذا الاستقطاب الطائفي والتعصب وفهم دوافعه وخلفياتهالتاريخية اقام مركز الشيخ إبراهيم ندوة للمفكر هاشم صالح تحدت عنوان«عودة العقل إلى العالم العربي» تحدث فيها عن مرحلة التنوير الأوروبي وقالبانه لا يتوجب علينا ان نخوض نفس التجربة وندخل في معارك وندفع نفسالثمن قرونا من الحروب الاهلية والطائفية وملايين الضحايا، بل علينا «إعمالالعقل والاستفادة من الجهد الفلسفي والوصول إلى التنوير الذي نجد بذورهفي التراث الفكري» الإسلامي لكنه وقف عند ابن رشد.  

يرى هاشم بان الحل يكمن في المعرفة القائمة على المقارنة بين مختلف وجهاتالنظر ومواجهة الذات بإعادة النظر في التراث وفهمه فهما يتيح تعدد وجهاتالنظر والنقد العقلاني والتفسير التاريخي للنص. ويُحمِّل المثقفين والمفكرينمسؤولية حسم الصراع فكريا قبل استفحاله بدلا من المتاجرة به طلبا لمزاياومكاسب شخصية انية. فالإنسان الغربي استطاع تجاوز أزمته العقلية منخلال النقد التاريخي ومواجهة التعصب الديني ورفض احتكار التفسير إلى انوصل إلى مرحلة مواجهة الذات. ان التغلب على التعصب الديني «والعصبياتالأخرى» يمر من خلال الإيمان بأن معركة تحرر العقل الأوربي تُثْبِت للإنسانالعربي، عامة، والمثقف خاصة، أن النجاح في معركة تنوير العقول ممكن لانبذوره موجودة في القرآن. لكنها لن تنتصر «إلا بعد تفكيك العقلية القديمةواقتلاعها من جذورها عن طريق تبيان تاريخيتها ونزع القدسية عنها.» وثانيابوضع أسس للتعليم العقلاني للدين الإسلامي، الذي يمكن أن يحل تدريجيامحل التعليم السائد حاليا. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *