نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الطريق الى ترسيخ الوحدة الوطنية

تاريخ النشر : 16 اغسطس  2011 طباعة 9

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في المحور الحقوقي في الحوار الوطني كان هناك توافق على تشكيل “هيئة للعدالة والانصاف والمصحالة الوطنية” واعتقد ان هذه قد تكون اهم افرازات الحوار اذا ما تم تفعيلها وتشكيلها على غرار لجنة تقصي الحقائق، ولا يمنع ان تكون وطنية وليست اجنبية وان تقدم تقريرها الى جلالة الملك ليكون الحكم بين اطراف النزاع، ولكن نجاح هذه اللجنة يتطلب ان يكون هدفها التصدي للتصعيد الطائفي في المجتمع واعادة اللحمة الوطنية وان تبدأ بالمصارحة قبل المصالحة. بمعنى ان يقر كل طرف بما اقترفه من تجاوزات واخطاء وتاثيرها في المجتمع.

مناسبة هذه المقدمة هي انه في ندوة في مقر جمعية المنبر التقدمي بعنوان “دور الجمعيات السياسية في الوحدة الوطنية” قدمت جمعيات التيار الديمقراطي رؤيتها حول تحقيق الوحدة الوطنية واعادة اللحمة في المجتمع وبينت ان مطالبها كانت وطنية ومشروعة وقد وردت في مبادرة سمو ولي العهد. ونتساءل هل يكفي ان تقتنع الجمعيات السياسية بمشروعية المطالب ام يجب ان يقتنع المجتمع بانها مناسبة اليوم او بعد فترة من التهدئة؟ ان الاصرار على الاستمرار في المطالب قد لا يكون مناسبا الان كون المجتمع في هذه الظروف التي افرزتها الاحداث غير مستعد لتقلبل اصلاحات جذرية ، فهناك اولويات على رأسها اهمية العمل على ازالة اثار ما حدث في المجتمع من شرخ عميق يصعب تجاوزه من دون عملية مصارحة قبل المصالحة.

من الندوة ظهر ان المعارضة الى الان لم تدرك ان المشكلة ليست في المطالب بل في كيفية المطالبة وما نتج عنها من صدام في المجتمع نتيجة المغالاة في الشعارات المرفوعة التي مثلت تعديا على ثوابت المجتمع وبعثت فيه الخوف والفزع. التحدي الكبير الذي يواجه الجمعيات السياسية اليوم هو كفية معالجة هذا الخوف والتوجس وعدم الثقة الذي نتج عن الاحداث وعن التدخلات الخارجية والمغالات الداخلية التي اسهمت في رفض الكثير من المطالب الديمقراطية المشروعة التي وردت في مبادرة سمو ولي العهد.

من الجوانب الايجابية التي وردت في الندوة هو الاقرار باخطاء ارتكبت ونبرة تصالحية ايجابية صدرت عن المتحدثين تدل على وعي بان المشكلة التي يعانيها المجتمع اكبر من اي مصالح. كما يبدو ان هناك رغبة في ان يكون للجمعيات دور في احداث مثل هذه المصالحة بدليل انهم عقدوا مثل هذه الندوة. نتفق مع ماجاء في كثير من الاراء حول كيفية تخطي هذه المرحلة ولكن الذي لم يذكر هو اننا قبل المصالحة نحتاج الى مصارحة ومكاشفة وانتقاد الذات من الجميع.

للانصاف يجب ان تقر بان الجميع ارتكب اخطاء، وقد عبر عن ذلك سمو ولي العهد بقوله: ان التباطؤ في الاصلاح كان احد اسباب الاحداث ولكن لا يكفي ان نقر فقط بالاخطاء بشكل خاطف بل نحتاج الى ان تكون المكاشفة والحاسبة علنيتين ومؤسسيتين وان تبدأ من نقطة يرتضيها الجميع. ونرى ان يكون اول اعمال “هيئة المصالحة، هو ادارة مثل هذه المصارحة والحث عليها وتوجيهها بحيث تكون فاعلة في تخفيف حالة التوتر في المجتمع ومن ثم تضع خطة لمعالجة تاثير الاخطاء وانصاف المتضررين على هذا الاساس.

ان اولى خطوات العلاج هي الاقرار بوجود المرض الذي يتحمل مسئوليته جميع مكونات المجتمع، واول من ينحمل المسئولية هو الفئة الصامته الكبيرة التي صمتت وتقاعست طوال السنوات التي سبقت الاحداث، وسكتت عن تجاوزات كثيرة من جهات مسئولة ومن المعارضة ومن الجمعيات المحسوبة على الموالاة ورضيت بان تقف مواقف المتفرج او المناصر للاخطاء في بعض الحالات.

ثانيا الجمعيات السياسية (والمستقلون) التي دخلت المجلس الوطني منذ 2002 الى 2010، مسئوليتها في انها رضيت بان تحصل على مزايا خاصة ومكاسب مادية ومراكز في السلطة فسكنت عن الكثير من الذي ورد في تقارير هيئة الرقابة واهملت في متابعة تقارير اللجان التي شكلها المجلس للتحقيق في التامينات الاجتماعية واملاك الدولة وفي التجريف والدفن وعجزت عن تحقيق مكاسب دستورية بسيطة كان يمكن لو انها ادركت المخاطر التي قد تحدث نتيجة الاحتقان والمناكفة الطائفيين اللذين اذكتهما بوعي مرات ومن دون وعي مرات اخرى.

ثالثا : المعارضة تتحمل مسئولية فشلها في اقناع المجتمع بان مطالبها وطنية واصرارها المستمر على القاء سبب هذا الفشل على المجتمع وليس على اساليبها وسلوكياتها وتحالفاتها التي اقل ما يقال عنها انها لا تبعث على الطمأنة وزرع الثقة في المجتمع.

رابعا مسئولية الدولة تتمثل في اولا ان مشاكلنا السياسية لها علاقة بكيفية ادارة المؤسسات واجهزة الدولة من اسكان وصحة وتعليم ، ثانيا ان هذه المشاكل لعا علاقة بمفاهيم الحرية والمشاركة السياسية والتوزيع العادل للثروة. ثالثا ان جانبا كبيرا من المشاكل يتعلق بمفاهيم التنمية وبناء اقتصاد منتج يستوعب الشباب ويهئ لهم فرص عمل واعدة. في جميع هذه الميادين كانت هناك اخطاء وتجاوزات ينبغي ان نراجع انفسنا ونتدارس تاثيرها وعلاقتها بما حدث. نتج عن تقاعس الاطراف الاربعة انقسام طائفي والكثير من الضغائن والجروح العميقة التي تحتاج الى علاج والاقرار بالخطأ هو اولى خطواته.

المطلوب من كل جهة ان تنظر الى تاريخ ادائها وتحركها وتنظر بعين الناقد لمعرفة اين اخطأت وما هي نتيجة اخطائها. الشجاعة في المصارحة والبحث عن القواسم المشتركة مع الاخرين هما ما يتطلبهما الموقف الحالي من اجل المصالحة واعادة اللحمة اكثر من الدفاع عن المواقف. فالغالبية لم تختلف على الاصلاح ولكنها رأت ان يتم تاجيله الى ما بعد معالجة الجرح الغائر في المجتمع.

والان نتساءل: هل يمكن لتجمع الوحدة الوطنية (الفاتح) ، المولود الجديد من رحم الاحداث، العمل على جعل مسار المصارحة والمصالحة ممكنا ويكون بمثابة الميسر لعملية المصارحة والمصالحة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *