نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. العجز في الموازنة العامة والحاجة إلى نهج جديد!

  تاريخ النشر :٢٧ مايو ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- العقلية التي راكمت الدين العام وفشلت في تنويع مصادر الدخل وقزمت التعليم العام وراكمت طلبات الإسكان وقت الرخاء والوفرة المالية هل هي مناسبة لادارة الميزانية في انحسار الدخل؟ 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13578/article/24908.html

صدرت الموازنة العامة لعامي 2015 و2016 بعجز تجاوز ثلاثة مليارات دينار في السنتين. هذا يعني أن العجز في نهاية 2016 قد يصل إلى تسعة مليارات ونصف وتخطى حاجز 60% من الناتج المحلي بكثير، هذه نسبة خطيرة للبحرين كون الاقتصاد غير منتج نسبيا ويعتمد فقط على إيرادات النفط. وضعت الموازنة بناء على تقدير سعر النفط بـ 60 دولارا مما خفض الإيرادات بنسبة 44,6%. بلغت النفقات المتكررة في هذه الموازنة 87% تقريبا. تقول وزارة المالية إنها سوف تضع سياسات جديدة لتنويع مصادر الدخل وتقييم مصادر الدخل والإنفاق الحالية. أول ثمار هذا التقييم هو رفع الدعم عن اللحوم، أما النواب فإنهم يهددون بعدم تمرير قانون الدين العام إذا لم يتم التشاور معهم عند اتخاذ مثل هذه القرارات.

 من أهم القضايا التي تبرزها الموازنة هي قضية العجز وضرورة السيطرة عليه وتأثيره على الاقتصاد. القضية الثانية تتعلق بتنويع مصادر الدخل وتحسين الدخل بشكل عام، ورؤية الحكومة لمواجهة انخفاض أسعار النفط. القضية الثالثة تتعلق بالشفافية في اتخاذ القرار الاقتصادي وفي الإيرادات والإنفاق.

 فيما يتعلق بالدين العام فإن وصوله إلى ما يزيد على تسعة مليارات خلال السنتين القادمتين يمثل هاجسا ومصدر قلق في المجتمع. العجز سوف يؤثر بشكل مباشر على التصنيف الائتماني ويرفع سعر الفائدة على الحكومة والقطاع الخاص وأوجه الاستثمار في البلد، وقد يقلص الاستثمارات المحلية. فمثلا في مؤتمر الاستثمار الذي عقد في البحرين الأسبوع الماضي يرى رجال الأعمال أنه من الأفضل على الدولة الاستفادة من الاستثمار المحلي بدلا من جلب الاستثمار الأجنبي، زيادة الدين العام سوف يضر بالاثنين. 

إعلان

 والسؤال المتداول في المجتمع ويطرح في الندوات هو كيف سيتم تسديد هذه الديون المتراكمة؟ ولماذا يغفل قانون الميزانية أي ذكر لإيرادات شركات ممتلكات؟ أين تذهب هذه الأموال؟ إلى حد الآن لم تقدم إجابة واضحة على ذلك. يتحدث برنامج الحكومة في أحد أهدافه عن «السيطرة على الدين العام». فكيف ستكون هذه السيطرة؟ الخيارات الممكنة إما ترشيد الإنفاق وإما زيادة الدخل، وإما الاعتماد على الدعم الخليجي لإخراجنا من الدين.

 زيادة الدخل وتنويع مصادره هي القضية الثانية وهي طويلة الأمد ولم تبدأ الدولة بوضع خطوات جادة تجاهه بالرغم من كونه أحد مرتكزات برنامج الحكومة. كان من المفترض أن تستثمر الحكومة في هذا الاتجاه استمرارا لما بدأته في السبعينيات. لكن نرى، وفي ظل تراكم الدين، ميزانية المشاريع تنحسر، والبنية التحتية قد تتهالك وتحتاج إلى تطوير. مضى على الحديث عن تنويع مصادر الدخل عقود ولم نر سياسة تفصيلية معلنة مدعومة بخطة تمويل واضحة المصادر تسعى إلى خلق اقتصاد إنتاجي.

 يبدو أن الدولة اختارت أسهل الطرق وهي رفع الدعم لتقليل الإنفاق بمقدار 28 مليون دينار، فهل هذا المبلغ سيعالج المشكلة؟ لم تنشر أي دراسة تبين تأثير رفع الدعم على مستوى معيشة المواطن. وهل التعويض المعلن (خمسة دنانير للرجل وثلاثة ونصف للمرأة) سوف يغطي الارتفاع المتوقع في كُلفة الخدمات الأخرى التي سوف تتأثر لا محالة برفع الدعم عن الوافدين. رواتب الوافدين سوف تزيد بالضرورة، وتكلفة الخدمات سوف تزداد. فما تأثير ذلك على مستوى المعيشة؟ والسؤال: هل الحكومة ستقف عند رفع الدعم أم أنها ستتخلى تدريجيا عن مسئوليتها تجاه المجتمع في التعليم والصحة والإسكان؟

 القضية الثالثة التي تبرز من الموازنة هي غياب الشفافية. كما بينا أعلاه فإن هناك مبالغ فائضة من 2001 تراكمت بالإضافة إلى الفوائض في ميزانيات المشاريع، تحدث عنها النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو، وطرح تساؤلا حول حجم الاقتراض وأسبابه. هذه المبالغ لا تبرز في الموازنة العامة ولا تنقل إلى السنة اللاحقة بحسب عرض النواب. بالإضافة إلى ذلك هناك عدم وضوح في تكاليف إنتاج النفط أشار إليه النائب محمد العمادي في أكثر من مناسبة. بالرغم من هذا تتجه الدولة إلى أسهل السبل في تقليل الإنفاق بالتوجه إلى رفع الدعم عن المواطن وليس مثلا تقليل دعم الغاز على الشركات الكبرى. 

 الموازنة العامة للدولة تمثل خطة عمل الحكومة في إدارة الاقتصاد وتحفيز النمو، كما أنها تؤثر على الحياة الاجتماعية والسياسية في البلد.

 مازالت الموازنة تمول من إيرادات النفط ومساهمة الإيرادات غير النفطية لا تتجاوز 10,5% من الإيرادات النفطية لعام 2014. هذا يطرح السؤال الثالث: ما هو مدى قدرة مثل هذه الموازنة على تحقيق أهداف برنامج الحكومة؟ 

 هذا يدعو إلى نهج وعقلية جديدة لإدارة المالية العامة، تنسجم مع الحالة المالية الجديدة، وتقوم على الشفافية وتبدأ بمراجعة جميع أوجه الإنفاق، والإفصاح عن جميع الإيرادات، على أن تشمل المراجعة هذا الإصلاح السياسي الذي يمنح المجلس صلاحيات أكبر في المساءلة وحق الحصول على معلومات عن أوجه الإنفاق العديدة، وتأثير ذلك على الإنفاق الأمني كما ورد في تقرير البحرين حول الأهداف الإنمائية. على أن تشمل المراجعة وضع حد لارتفاع حجم السكان غير المنظم، وترشيد ارتفاع كلفة الوضع الأمني وسياسات تنويع مصادر الدخل.

 هذا الوضع المالي غير المريح وعدم وجود رؤية واضحة لكيفية الخروج من الدين وإجراءات لحماية الأجيال القادمة يصاحبه تصريحات من وزير العمل ورئيس مجلس التنمية الاقتصادية بعدم جدوى البحرنة وإمكانية تخلي الدولة عنها، وتصريح حول تحقيق أهداف الألفية الثالثة الذي هو في الأساس لا ينطبق على البحرين. هذا الوضع يصدق عليه قول أحمد أمين في كتابه ظهر الإسلام في وصفه للدولة العباسية «إذا اختلت الإدارة المالية اختل معها كل شيء».

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *