نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. العلم والإصلاح السياسي في العالم العربي

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :١ يونيو ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

التخلف العربي العلمي له اسباب سياسية تحجر على الفكر وليس بسبب قلة الانفاق على التعليم والبحث العلمي. 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13949/article/24121.html


في دراسة أعدتها مبادرة العلوم في العالم الإسلامي من باكستان تقول: ان الوضع العام للعلوم في الجامعات الإسلامية والعربية سيئ بالرغم من التحسينات الأخيرة والمشاركة الكبيرة من النساء في تخصصات العلوم. لم يخف المختصون غضبهم حول النتائج التي وصلت إليها الدراسة، ووجود نسبة كبيرة من النساء في الجامعات لا يخفف من فظاعة النتائج. وتقول إن تفوق النساء يعكس مدى الإحباط وعدم الاكتراث الدى الرجال أكثر مما يعكس قدرات النساء. فالدراسة التي تتلقاها النساء لا تمكنهم من بناء حياتهم باستقلالية. 
العالم العربي بشكل خاص، يشكل 5% من سكان العالم، ويسهم فقط بأقل من 1.3 في النشر العلمي العالمي وأقل من 0.01% في براءات الاختراع المسجلة عالميا. معظم الدول العربية تقدمت في مستوى التحاق النساء بالجامعات، وفي الإمارات نسبة النساء المسجلات في الجامعات أكثر من الرجال. وبحسب تقرير بيت الحرية فإن نسبة النساء تفوق الرجال بثلاثة أضعاف. والبحرين بضعفين (تقرير اليونسكو). هذه الأرقام تفوق مثيلاتها في الغرب لكن جودة التعليم التي يحصل عليها الطلبة (ذكور وإناث) هي موضع تساؤل.
التقرير يضع عدة أسباب لضعف تدريس العلوم في الجامعات الإسلامية. منها قلة الإنفاق على البحث العلمي، ضعف التعليم ما قبل الجامعة وخصوصا في الرياضيات والعلوم، والنطاق الضيق لمقررات العلوم التي تحرم الطالب من التفكير الحر النقدي وخصوصا خارج تخصصاتهم. بالنسبة إلى الإنفاق على البحث العلمي لا تكتفي الدول المتقدمة وغيرها بما تنفقه الجامعات فقط، فهذا لا يشكل عصب التقدم، وإنما تنفق المؤسسات والدولة على البحث العلمي. كذلك يصل التقرير إلى نتائج مفادها أن الرقابة الذاتية التي تمارسها الجامعات في مقرراتها تحدد ما يتم تدريسه، فمثلا نظرية التطور، لا يتم تدريسها كما هي. وغيرها من المواضيع في العلوم الاجتماعية التي تمس السياسة وأنظمة الحكم ومساوئ الاقتصاد الريعي. 
طرحت الدراسة معوقات أخرى للتعليم منها استخدام لغات أجنبية لتدريس العلوم بدلا من اللغات الأم بسبب ضعف المحتوى العلمي في هذه اللغات. بالإضافة إلى ان المدرسين لا يحصلون على التدريب الذي يمكنهم من مستجدات العلوم وآخر ما توصلت إليه في المواد المختارة من حيث المادة ومن حيث طرق التدريس، مثل أسلوب التحري في مناهج تعليم العلوم (inquiry-based science education)، والتعليم بالمشاركة الفاعلة (active-learning teaching methods). 
من الأمور الإيجابية ان اكثر الدول تمكنت من مضاعفة نشر ابحاثها خلال العشر سنوات المقبلة. أما مستوى استخدام الأوراق المنشورة كمراجع تستشهد بهم الدراسات الأخرى فمازال متدنيا.
مثل هذه التقارير قد توفر معلومات وإمكانية معالجة الوضع في ظل شح المعلومات المتوافرة في الدول المعنية. كما أنها تعطي فرصة للنظر في كيفية تحسين وضع التعليم العالي. كما ان التقرير ونتائجه ليس بالحدث الجديد، كثير من التقارير وصلت إلى نفس النتائج وغير مقتصرة على العالم الإسلامي والعربي فقط، فهناك دول كثيرة في إفريقيا تنطبق عليها مثل هذه النتائج.
في مواجهة التحديات في التعليم وفي العلوم يحدد التقرير عددا من القضايا المهمة أولها: تحديث مقررات العلوم ومناهجها وتغيير أو إصلاح طرق تدريسها. ثانيا: توسيع نطاق تعليم العلماء والمهندسين لتمكينهم من التعامل مع قضايا خارج تخصصاتهم. ثالثا: منح الجامعات صلاحيات واستقلالية في وضع مناهجها وطرق تدريسها وحرية تناولها للمواضيع العلمية، مع عدم التساهل بتاتا مع أي تجاوزات أكاديمية مثل الشهادات المشتراة والتنجيح والمحاباة وشراء الأبحاث، أو تأجير من يقوم بها نيابة عن الباحث. رابعا: ضرورة ربط مراكز الأبحاث والجامعات بالصناعة لإقامة صناعات في مجالات عالية التقنية. لذلك يرى التقرير ضرورة زيادة المخصصات لتدريس العلوم والتكنولوجيا وزيادة مخصصات التعليم والبحث العلمي بشكل عام.
بالرغم من تقدم بعض الجامعات العربية في الترتيب العالمي، غير ان التقرير يحذر من خطر الاهتمام الزائد بالترتيب على حساب الإصلاح الحقيقي. ويحث التقرير الجامعات العربية والإسلامية على الاشتراك في شبكة الجامعات المتميزة في العلوم (NEXUS) والذي سوف يدشن آخر ما توصلت إليه الجامعات من الممارسات في مثل هذه القضايا.
يؤكد المسؤولون في اليونسكو ان إدخال هذه الإصلاحات يحتاج إلى تمويل. غير ان الدول الإسلامية والعربية تستثمر اقل من 0.5% أو 0.3% من ناتجها المحلي في البحث العلمي، بينما المعدل العالمي يصل إلى 1.78%. (بحسب تقرير -MIT Technology Review Pan Arab Edition).
مثل هذه التقارير تقرع جرس الإنذار وعلى الدول العربية ان تتحمل مسؤوليتها في العمل على الاستفادة من توصياتها. لذلك فإن قرار مجلس التعليم العالي الأخير في البحرين والذي يجبر الجامعات على إنفاق 3% من ميزانيتها سيكون تأثيره محدودا جدا على جودة البحث العلمي، ولا مناص من دخول الدولة كعنصر فاعل في عملية البحث العلمي وربطه بالصناعة والخدمات.
وأخيرا فإن التوصية بمزيد من الإنفاق في البحث العلمي والتعليم لن يعالج مشكلة التخلف العربي، فهناك أزمات اكبر تعطل نجاح مثل هذه البرامج، أهمها النظم السياسية التي تحجر على الإنسان التفكير الحر، وتُجيِّر التعيينات في المراكز العليا في التعليم إلى الولاءات والمحسوبية وخدمة أهداف تلميع الأنظمة وحشوها بمواد لا تمت إلى المواطنة بصلة. فالمواطنة تتحقق عندما يشعر المواطن بأنه إنسان محترم وحقوقه مصونة ومشاركته مطلوبة واستفادته من موارد الدولة محمية وحرمة أموال الدولة وأملاكها مصونة. حركات الربيع العربي قامت لمعالجة بعض من هذه القضايا لكنها أُفشلت لحماية مصالح لا تمت إلى تقدم الأمة بصلة.

mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *