- العمل التطوعي يمثل قوة المجتمع المدني
تاريخ النشر :٢٤ ديسمبر ٢٠١٥
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
مقال الأسبوع-هيمنة الدولة على منظمات وجمعيات المجتمع اضعفت العمل التطوعي وافقدت المجتمع حيويته وقدرته على كبح جماح الدولة.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13789/article/59041.html
من بين دول الربيع العربي تمثل تونس النموذج الأكثر نجاحا واستقرارا. فهي تسير الآن على خطى نتمنى ان تصل بها إلى نظام ديمقراطي تعددي يحترم حقوق الانسان، ليبعث بصيص أمل للشعوب العربية المحبطة. أحد أسباب نجاح تونس في تحولها نحو الديمقراطية هو وجود مجتمع مدني منظم استطاع ان يفرض على القيادات السياسية الجلوس على طاولة الحوار ورفض العنف لتسوية الخلافات. والاهم من ذلك أنه قاد عملية الحوار والخروج بحلول عملية توافقية، ساعده في ذلك نضج بعض القيادات السياسية ورفض المجتمع للعنف. لذلك استحق «رباعي الحوار التونسي» بجدارة جائزة نوبل للسلام وتجنبت تونس الاقتتال الذي يحدث في عدد من الدول العربية.
يمكن ان نستخلص من النموذج التونسي نتيجة مهمة وهي ان قوة المجتمع المدني ومؤسساته هي مصلحة وطنية تجعل المجتمع فاعلا في حفظ الامن والاستقرار وقادرا على مواجهة العنف والتطرف، وفي نفس الوقت حام للحريات وضامن للعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وبذلك يكون الضامن لخلق توازن بين حاجة الحكومات ومؤسسات الدولة إلى السيطرة وبين حاجة المجتمع إلى الحرية والعدالة. التوازن بين هاتين الحاجتين هو الذي يؤدي إلى مجتمع مستقر وقادر على إدارة جهود التنمية والاستفادة منها. هذا يدعونا إلى المطالبة بتقوية منظمات المجتمع المدني وتركها تعمل على تنظيم نفسها ومنحها الاستقلالية اللازمة للنمو والنضج ورفع يد السلطات السياسية عنها بتقليل تدخل الأجهزة أو تكبيلها بقوانين وأنظمة تجعلها غير فاعلة، وتؤدي إلى هروب الكفاءات منها واعتزال الحياة العامة بدلا من المساهمة في بناء المجتمع.
بمناسبة اليوم الدولي للمتطوعين (5-7 ديسمبر الجاري)، أقيمت ندوات وأجريت مقابلات مع شخصيات فاعلة في العمل التطوعي. برز من هذه المقابلات والندوات قضايا تستحق النظر اليها لتقوية المجتمع المدني وتحقيق المصلحة الوطنية من العمل التطوعي الذي تقوم عليه هذه المنظمات. وفي مقابلة للأستاذة هدى المحمود تقول «بالرغم من وجود ما يقارب 600 جمعية اهلية الا ان العمل التطوعي في تراجع، ليس على مستوى البحرين ولكن في العالم العربي». وتواصل: إن الكثير من مؤسسات المجتمع المدني بدأ العمل بعد الانفتاح في 2001، ترى المحمود ان العمل التطوعي أصبح قطاعا ثالثا يؤدي خدمة كبيرة في تدريب الكوادر ويساهم في تخفيف الكثير من المعاناة للعديد من المواطنين المحتاجين في مختلف المجالات.
غير ان معظم هذه المؤسسات أصابها الضمور والخمول وتوقفت عن تقديم أي نشاط يذكر وأصبحت اسما في جداول وزارة «التنمية الاجتماعية» سابقا. لا تكاد تسلم أي من المنظمات الاهلية من داء الخمول والضمور وحصر نشاطها على مواسم، وحتى الجمعيات الخيرية تعاني من النقص كما يقول السيد على الجبل، فبالرغم من العدد الكبير من الجمعيات الاهلية الا ان مساهمتها في بناء المجتمع المدني الفاعل محدودة جدا. ونظرًا إلى هذه الأهمية فهو يحتاج إلى مراجعة شاملة تتم من خلال ورش عمل ونقاشات مجتمعية تحتضنها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والقيام من خلالها بمعالجة جذرية لوقف التدهور في هذا القطاع المهم. بالإضافة إلى رفع القيود في التمويل وتغيير بعض التشريعات المقيدة للعمل التطوعي.
وفي مقابلة سابقة في شهر مارس 2015 مع عدد من رؤساء الجمعيات النسائية اتضح ان انسحاب الشباب عن العمل التطوعي (الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي)، والنساء بشكل خاص له عدة أسباب منها ما يرى من عدم فاعلية هذه المنظمات وانحسار دورها في المجتمع وقلة المعلومات المتوافرة التي تمكنها من القيام بدراسات وبحوث. بالإضافة إلى ذلك فإنّ هذا الانحسار هو نتيجة مباشرة لقلة مواردها وحصرها في عمل إداري من دون ان يرى المجتمع مساهمة منها في وضع السياسات العامة التي قد تشجع الناس على الانخراط فيها. فمثلا نجد ان جمعية الاقتصاديين نادرا ما تدعى للمساهمة كجمعية في رسم السياسات الاقتصادية وكذلك الحال بالنسبة للمحامين والأطباء وغيرها من الجمعيات المهنية. دور هذه الجمعيات أصبح محصورا في إقامة الندوات والمحاضرات وبالتالي فإنّ أهميتها في المجتمع لم تعد ذا تأثير أو أهمية. كذلك قلة الموارد لهذه الجمعيات يجعلها تتجه نحو الأنشطة غير المكلفة مثل إقامة الندوات المحدودة.
تنشيط المجتمع المدني لن يتم من خلال حث الشباب على المشاركة. هذا يعني ان يرى الشباب نفسه مساهما في القرار وعنصرا فاعلا في إدارة شؤون حياته وتنمية مجتمعه. تشجيع الشباب يتطلب جعله شريكا في اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي واعتباره مستشارا معتمدا للدولة في وضع السياسات وفي خطط التنمية وفي التنفيذ. الدليل على ذلك الطفرة الكبيرة في انشاء الجمعيات بعد الانفتاح في عام 2000 والذي اعطى المجتمع والشباب أملا في القدرة على التغيير. هذا الزخم توقف وحل محله الإحباط من جهة ومن جهة أخرى استقطاب الكثير من الشباب والشابات في أنشطة دينية. عودة الحياة إلى الجمعيات يتطلب مبادرة من الدولة تعزز الثقة المتبادلة بينها وبين المجتمع المدني ومنظماته واعتبارها شريكا في التنمية. هذا التوجه سوف يبعث الروح في العمل التطوعي ويخلق نوعا من المنافسة على المناصب القيادية في الجمعيات ويجدد الدماء في مجالس إدارتها. رؤية فاعلية هذه الجمعيات على مستوى العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وانخراطها في العمل العام هو الذي يجعل المجتمع المدني حيويا ونشطا ومشاركا في بناء الدولة. هذا لن يتم طالما بقي الوضع السياسي من دون معالجة جذرية شاملة.mkuwaiti@batelco.com.bh