نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٦ مايو ٢٠٢١

مقال الاسبوع- تعتبر القضية الفلسطينة هي الاختبار الحقيقي للنظام العربي السياسي والقوة العربية، طالما بقيت الامة العربية في تناحر وتحكم بانظمة غير ديمقراطية دون احترام حقيقي لحقوق الانسان واحترام حق الاختلاف الفكري. يعبر الوضع العربي عن فشل في التاثير في السياسة العالمية بالرغم من الموارد الضخمة التي يمتلكها وهذا بسبب الخلاف بين الشعب والسلطات والصراعات فيما بيينها.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1251883

انتهت الهجمة الشرسة التي قادتها الصهيونية على الفلسطينيين وخلفت مئات من الضحايا المدنيين كثير منهم اطفال. انتهت هذه المغامرة الاسرائيلية بهزيمة سياسية وعسكرية واخلاقية للعدو الصهيوني وفتحت مجال للشعوب العربية والاسلامية ان تظهر تضامنها مع القضية الفلسطينية وعدالتها وشرعيتها. ساهمت الدول العربية في تحقيق النصر وفرض وقف الاعتداء الغاشم كما ساهم الرأي العام العربي والعالمي، وقدمت الفعاليات المجتمعية العربية الدعم المعنوي للقضية. هذا الوضع يطرح السؤال الى متى سيستمر الشعب الفلسطيني عرضة للاهواء الاسرائيلية والحسابات السياسية الداخلية والاطماع الصهيونية؟

الحديث عن القضية الفلسطينية يثير الكثير من العواطف نظرا الى ما لاقاه الفلسطينيون من اضطهاد على مر تاريخهم الحديث منذ النكبة الى اليوم. ارتكبت العصابات الصهيونية جرائم ضد الفلسطينيين ونظموا عمليات ارهابية باسم الدين وارض الميعاد، قتلوا وهجروا وسرقوا، وكل ذلك باسم الدين. يتعذر الصهاينة بما قامت به الاصوليات الدينية الغربية وما انتجته من اضطهاد في الوقت الذي كان المسلمون اكثر تقبلا وتسامحا وتعايشا مع الغير المختلف، وذلك بسبب تقدمهم العلمي والحضاري وانفتاحهم الديني مقارنة بالديانات الاخرى.

استغلت الصهيونية العالمية هذا الوضع وعملوا على السيطرة على المال والعلم. بعد الحرب العالمية الثانية ونتيجة ممارسات النظام النازي هاجرت اعداد كبيرة من مناطق القتال الى امريكا وكونوا ثروات اكسبتهم نفوذا سياسيا اكبر بكثير من حجمهم. سيطروا على مؤسسات المال والجامعات ومراكز الابحاث في مجتمع امريكي، فيه للمال سطوة كبيرة، هيمنوا على القرار السياسي الداخلي والخارجي بالضغط على الساسة الامريكان من خلال الدعم المالي الانتخابي؛ اي ان الصهيونية تمكنت من جعل دعم اسرائيل قضية امريكية داخلية تؤثر في آلية الانتخابات.

الوضع الاوروبي يختلف نسبيا عن امريكا فكثير من الاوروبيين يدركون ما يحدث ويقفون مع العدالة والانسانية والحق الفلسطيني في ارضه وفي حقه في تقرير مصيره. وحتى في امريكا لا يخلوا الامر من وجود اصوات عادلة تقف في وجه الدعاية الصهيونية والنفوذ الاسرائيلي وتسلطه على القرار، لكنه يحتاج الى استثمار عربي بادوات العصر والحجية العقلية والمرتكزات الاخلاقية والحقوقية.

من هذا العرض السريع نصل الى نقطة مفادها ان الهجمة على الفلسطينينن لن تتوقف وان معركتنا مع الصهيونية العالمية ليست في غزة ولا في القدس، واستعادة الحق العربي في الارض المقدسة وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني لا يمكن ان يعتمد على بسالة المقاومة الفلسطينية وعلى الدعم العربي السخي والدعم المعنوي الاجنبي، ولا يمكن ان تعتمد على مبادرات السلام وقرارات الامم المتحدة، القضية اكبر من ذلك بكثير. القضية في جزء كبير منها في العقلية العربية وفي النظام العربي وفي العلاقات الدولية ونظرتنا لها وللحياة والانسان. هناك فجوة معرفية ومؤسساتية وتنظيمية تجعل اسرائيل اكثر قدرة انتاجية علمية وبالتالي اكثر فعالية في استخدام المال، ليس فقط في الانتاج العسكري ولكن في توظيفه في التاثير في السياسة الغربية والامريكية بشكل خاص. علينا ان نفهم ان القضية كانت منذ البداية بسبب هذا الفارق الكبير في التقدم العلمي والانتاج المعرفي وتحرر القرار الوطني الذي مكن الاستعمار من فرض اسرائيل في قلب الامة.

هذا الوضع ليس قدرا ولا يمكن ان يستمر، وقد بدأ العالم يدرك خطورة اسرائيل على الامن العالمي ويعرف انتهاكاته لحقوق الانسان. وليس ادل على ذلك من فشل مشروع القرار الامريكي في مجلس الامن، فبالرغم من الجهد الذي بذلته ممثلة امريكا، لم يحصل مشروعها على اي صوت بخلاف صوتها هي صاحبة المشروع، بعد ان استخدمت الفيتو ضد المشروع الكويتي الذي يطالب بحماية مواطني غزة. وحتى في امريكا هناك تيار يناصر القضية الفلسطينية. فمثلا يسعى السيناتور الديمقراطي ساندرز لطرح مشروع لرفض بيع اسلحة لاسرائيل، لكن تحقيق نتائج من هذا التحول في الرأي العام العالمي يحتاج جهد عربي وتحول فكري وقيمي عربي مماثل.

علينا ان ندرك اننا نعيش في عالم يعتمد على العلم وعلى المال وعلى قوة المجتمعات وليس الدول فقط. وقوة المجتمعات هي في قوة المؤسسات والمنظمات الرسمية وغير الرسمية، وفي احترام الانسان وحريته وفتح مجالات الانتاج الفكري له، وهذا هو سر التطور اليوم. قوة المنظمات المجتمعية تمنح المجتمع حيوية وقدرة على المشاركة في القرار وفي حماية مقدراته وتوجيهها نحو الانتاج الفعلي الذي يخلق القوة المادية والمعنوية والاخلاقية.

الوقفات التضامنية التي نظمتها الفعاليات السياسية والمنظمات الاهلية في الوطن العربي والمواقف المشرفة التي تعبر عنها الدول العربية والاسلامية ضرورية لابقاء الامل في القضية الفلسطينية، وهي كل ما يمكن عمله في الواقع الحالي وما تفرضه موازين القوى الدولية والاقليمية والفلسطينية، لكن تاثيرها مؤقت ينتهي بمجرد انتهاء حالة القتال الحالي ولا تعالج شيئا على الارض. اشد ما يؤسف له الانقسام في المجتمع العربي. يذهب البعض الى تحميل الفلسطينيين مسئولية ما تمثله حماس والايديولوجية التي تسندها او المواقف التي يتخذها بعض قادتها. لا بد ان نفصل بين القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في ارضه وبين المواقف السياسية والسلوكية والصراعات الايديولوجية في المنطقة.

الصراع العربي الصهيوني ينبغي ان يكون حافزا للامة العربية على تطوير تجاربها الديمقراطية والحقوقية التي ستمكنها من نبذ خلافاتها والارتقاء بنظمها السياسية ومؤسساتها المدنية لتكون قادرة على انتاج العلم والمعرفة، ومدركة لاهمية الانسان المواطن في هذا الارتقاء وحقه في المشاركة السياسية والاقتصادية والمعرفية، احترام هذا الحق هو السبيل الى تحرير القدس وعودة الحق الفلسطيني وكسب احترام العالم لقضايانا.

drmekuwaiti@gmail.com

One Reply to “القضية الفلسطينية والواقع العربي”

  1. لم تذكر القدس بشكل خاص لان القضية تتجاوز المكان فهي حق للانسان في ارضه وفي المعاملة بالمثل وفي احترام انسانيته، فلو كانت القضية حدثت لشعب اخر الاردني او اللبناني مثلا، فهل ستختلف مواقف العرب من اغتصاب الارض؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *