مقال الاسبوع- تجتمع القمة تحت ظروف استثنائية تفرض عليها اتخاذ قرارات حاسمة تعيد للامة مكانتها بالعمل على استعادة الصف العربي وبحث قضايا سوريا والسودان واليمن والعراق، ووضع اطار زمني لحل هذه الخلافات بين مختلف الدول العربية. والاهم وضع استراتيجية تستفيد من الصحوة العالمية وبطلان السردية الصهيونية لاستعادة الحقوق الفلسطينية.
13 مايو 2024
القمة العربية وقضايا الامة المفصلية
تجتمع قيادات الامة العربية في البحرين في منتصف الشهر الحالي في دورتها الثالثة الثلاثون وامامها تحديات كبيرة اهمها ما يحدث في غزة من عدوان غاشم على الشعب الفلسطيني. هذا العدوان بالرغم من جرائمه وبشاعة نتائجه على الشعب الفلسطيني الا انه يمثل انعطافة هامة في مسيرة القضية الفلسطينيةز يمثل تحولا كبيرا في الرأي العام العالمي وبطلانا الرواية الصهيونية وما مارسته من تظليل وهيمنة على الرأي العام الغربي بشكل خاص، مدعومة باعلام وانظمة سياسية موالية للصهيونية وممولة منها. وثانيا جدد وعي شبابها الامة بقضية فلسطين ودور كل فرد فيها واهمية العمل العربي المشترك.
النتيجة التي تمخضت عن هذا العدوان انها ابرزت الدور العربي المتفاوت في الدعم بين دول داعمة ودول غير قادرة على تقديم ما يتطلبه الوضع، وما تتطلع له شعوبها. هذا الوضع هو نتيجة سنوات بل عقود من عمل عربي لم يحقق طموحات الشعوب وشابته خلافات وتعثر بعض الانظمة العربية وتراجع دور الجامعة العربية في ادارة تحديات الامة. عُقدت خلال العقود الماضية اجتماعات دورية ومؤتمرات قمم واتفاقيات لكنها لم تسفر عن نتائج مؤثرة على الارض تعبر عن الامكانات الكبيرة التي تمتلكها الدول العربية منفردة ومجتمعة. ولم تُضف الى القوة العربية في مواجهة قضاياها المفصلية الاقتصادية والامنية والسياسية.
ما حدث في غزة له اسباب تاريخية تسلط الكيان الصهيوني وتوسعة وسلب حقوق الشعب الفلسطيني. لذلك فان المهمة الاولى ان يصل القادة الى جذور المشكلة التي ادت الى تجاهل اسرائيل الامة العربية على مدى سبعة عقود ونصف وسبب جرأتها في شن الهجوم تلو الاخر واغتصاب الاراضي. التحدي الاخر الذي يواجهه الامة في المنامة هو كيف تصلح الاوضاع لكي تستطيع ان تقف في وجه كل من يتعدى على حقوقها وسلامة شعوبها ومصالحها الوطنية؟. بعد التجارب المريرة التي مرت بها الامة يفترض ان نكون اليوم في وضع افضل وان تستيقض الامة في البحرين وتحدد التحديات وتحلل اسبابها وتصل الى معالجات فعالة وخيارات واقعية موحدة تضع الامة في المكانة التي تستحقها على الخارطة العالمية وتبرز قدرتها الكامنة والتي تناسب مواردها البشرية والطبيعية وقيمها الانسانية. وعلى الامة تضع استراتيجية للاستفادة من الصحوة العالمية وفضح القوى الصهيونية وبطلان سرديتهم التي هيمنوا بها على الرأي العام العالمي، وابقاء شعلة الصحوة العالمية متقدة ومدعومة، والاستفادة كذلك من التحولات في التوازنات الجيو سياسية لتفعيل العمل العربي المشترك الذي بدأ منذ قيام الجامعة العربية.
في خضم هذا العمل العربي، بدأت مشاريع عربية مشتركة منذ منتصف القرن الماضي اهمها التكامل العربي الذي مازال الحديث جار حوله. نظم البرلمان العربي بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الادارية “منتدى التكامل الاقتصادي العربي” بتاريخ 24 مايون 2022 تحت عنوان ” تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول العربية.. التجارة البينية ودور القطاع العام والخاص في تحقيق ذلك”. سعى المؤتمر في ذلك الاجتماع الى معالجة التحديات التي تحول دون تحقيق الاهداف المرجوة، بهدف رسم ملامح الوحدة الاقتصادية العربية. اشاد المؤتمر بانشاء منطقة التجارة العربية الحرة، وتحرير جزء من التجارة السلعية بدون رسوم جمركية، وتأكيد على اهمية التجارة البينية كرافد للتكامل الاقتصادي العربي. لم يتطرق المؤتمر الى تحرير الخدمات، او معالجة ضعف المواصلات بين الدول والمعوقات قبل الجمركية، البيروقراطية منها والمؤسسية. وبالتالي لم يرتقى الى تطلعات الشعوب في تحقيق الاهداف الكبرى. لذلك نتوقع من هذه القمة بقيادة البحرين توضيح الاسباب التي اعاقت العمل العربي الموحد في الاقتصاد ناهيك عن العمل المشترك في الميادين الاخرى.
بعد ما حدث في غزة، نتوقع من هذه القمة بقيادة البحرين ان تكون اكثر عملية من سابقاتها وتعمل على تحديد المعوقات التي ادت الى هذا التراجع ووضع استراتيجية للامن القومي العربي ورؤية تنموية تمنح الامة فرصا للتقدم في معالجة القضايا الكبرى المزمنة وان تستغل صحوة الشعوب والمنظمات الدولية وادراك خطر الصهيونية العالمية ليس فقط على الامة العربية وانما على العالم اجمع.
من القضايا التي تحتاج الى معالجات كذلك لم الشمل في القضايا والمواقف السياسية والفكرية والايديولوجية بين الدول التي قد تولد عدم الثقة بينها. مثل هذه الخلافات والاختلافات ضمن الدولة او بين الدول تولد عدم الثقة بين معظم الانظمة وشعوبها. عدم الثقة هذه تتفاقم بمستويات التفاوتات الكبيرة في الدخل ضمن الدولة الواحدة وبين الدول وتؤدي الى امراض اجتماعية وفردية وتراجع في التنمية الاقتصادية ومستويات المعيشة للشعوب العربية. لذلك فان هذه قضاية ينبغي ان تاخذ اولوية في هذه القمة.
من المهم كذلك ان تعمل هذه القمة على استعادة الصف العربي وبحث قضايا سوريا والسودان واليمن والعراق، ووضع اطار زمني لحل هذه الخلافات يقوم على تفهم لمصالح الاطراف والقبول بالحلول التوافقية القائمة على العدالة والمساواة ومبادئ الديمقراطية والتسامح الذي يضمن الحرية الفكرية والعقائدية. نحتاج الى تغليب العقلانية والمنطق على الايديولجيات والمصالح الضيقة لكل دولة ونظام سياسي.
بدأت المسيرة الديمقراطية في بعض الدول العربية ومنها البحرين يجب ان تكون هي المسار الذي تاخذه الدول العربية لتحقيق التصالح على المستوى الداخلي والمستوى الخارجي وان تعمل جميع الدول على تطوير الممارسة الديمقراطية كونها الاداة الاسلم والاكثر تاثيرا في تحقيق الامن الوطني والقومي. الايمان بهذا المسار حتى وان تعثر ينبغي ان يستمر بدعم من الحكومات والشعوب المؤمنة بانه الطريق نحو بناء قدرات الامة لخدمة قضاياها. الطريق الثاني الذي يجب ان نسلكه هو التعليم وثقافة الحوار وحق الاختلاف للارتقاء بالامة علميا وفكريا وبناء الشخصية العربية النقدية والقادرة على التساؤل والتحليل وطرح الخيارات.