نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. القيم الإسلامية والقيم السائدة ومواجهة الإرهاب 

  تاريخ النشر :٨ يوليو ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع: التناقض بين القيم الإسلامية والواقع يدفع في اتجاه التعصب والارهاب

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13620/article/31468.html

 انشغل المجتمع العربي والخليجي بشكل خاص بالحديث عما يحدث في الوطن العربي وفي الخليج بشكل خاص من تهديد من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة وعلى رأسها داعش. إلى حد الآن فإن ما تقوم به السلطات في الدول العربية لا يعدو كونه مزيدا من الإجراءات الأمنية والتوعية بالمخاطر والتحذير ومزيدا من الرقابة. مع أهمية ذلك إلا أنه غير كاف لدحر الإرهاب بل لا بد من معالجة كل أشكال التناقضات.

 في الأسبوع الماضي تحدثنا عن وجود تناقض بين حياتنا وقيمنا، بين متطلبات العصر وسلوكنا السائد، بين أنظمة الحكم التي تخضع لها الدول العربية وبين نظام الحكم في صدر الإسلام الذي يقوم على العدل والمساواة والشورى، والتناقض بين واقعنا العربي والواقع الحضاري العالمي وحتى واقع حضارتنا السالفة. هذه المجموعة من التناقضات وغيرها تفرز الإحباط وضياع الفرص على الشباب وتنتج نظاما اقتصاديا غير قادر على استيعابهم، وتدفع البعض إلى اليأس والبحث عن أوطان أخرى في الغرب (هجرة العقول والمهارات) وآخرين إلى التعصب والكراهية والإرهاب.

 كما تفرض هذه التناقضات على السلطات إجراءات أمنية مشددة. هذه الإجراءات الأمنية إذا لم نتعامل معها بحذر فإنها قد تفاقم التناقضات فتكبت الحريات وتقلص قدرة المجتمع على الرقابة والمشاركة فيزداد الفساد وتزيد حالة الاحتقان السياسي ويتفاقم الإحباط في المجتمع، وتشتد التناقضات وتغذي التطرف والحنق على المجتمع وتصبح بابا من أبواب التجنيد للإرهاب، يجعلنا ذلك نعيش في حلقة مفرغة تغذي نفسها وتدفع نحو مزيد من الإحباط والاحتقان والإرهاب.

 التناقض الواضح بين القيم الإسلامية وواقع الدول العربية أبرزته دراسة قامت بها جامعة جورج واشنطن حول تطبيق مبادئ الإسلام. المعايير التي استخدمت تضمنت العدالة، وتوزيع الثروة، والحريات، والاقتصاد. في هذه المعايير الإسلامية كما في كثير غيرها ليس بالمستغرب ان تحتل الدول العربية ذيل القائمة وتتصدر دول مثل أيسلندا والدنمارك. هذا يدلل بشكل واضح على مدى التناقض بين حياتنا كمسلمين وتعاليم ديننا الحنيف عندما يتعلق الأمر بالسلوك والتعامل بين المجتمع والنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تحدده قوانين الدولة وعاداتها وتقاليدها الموروثة والأيديولوجية التي تعمق الفوارق في المجتمع. 

 المعايير الإسلامية المستخدمة لا يمكن الوفاء بشروطها من دون وجود نظام سياسي مسائل ومحاسب من قبل المجتمع، وحرية صحافة قادرة على تقصي وتحري الحقائق والحصول على المعلومات للتقييم الموضوعي.

 أضاف إلى التناقض و ما عَمَّقه انتشار الجمعيات الدينية السياسية منها والاجتماعية التي لم تتبن القيم الإسلامية العليا وإنما عملت على مستوى الفرد فقط وكرست جل عملها في الوعظ والترهيب بالنار والاهتمام بالطاعة العمياء ورفض النداء بالإصلاح السياسي وتكريس قيمة الصبر على الظلم والقناعة وانتظار الثواب في الآخرة والزهد في الدنيا، وتركت إصلاح المجتمع من خلال إشاعة العدل والمطالبة بالمساواة والمشورة التي تفرضها الشورى. لم يكن ذلك وليد الصدفة، بل هو تصد للمد القومي العربي بالهروب إلى التراث والماضي وتشويهه. 

 إن خلق قيم مجتمعية منسجمة مع أنفسنا ومع ديننا مهمة صعبة بعد الانحلال الذي مرت به الدول العربية، وهي بالدرجة الأولى مسئولية الأنظمة الحاكمة. بناء القيم لا يمكن ان تتم من الأسفل وإن تمت فهي تعتبر جزءا من التراث المتراكم عبر أجيال، لكن المحرك الأول والأسرع للقيم هي السلطات سواء كانت دينية أو سياسية أو اقتصادية.

 طالما تحدثنا وكثير غيرنا عن غياب المشروع العربي الذي أدى إلى فراغ سياسي وفراغ ثقافي واجتماعي ناهيك عن تخلف اقتصادي وتبعية سياسية. انتشال الشباب من براثن الإرهاب لا بد ان يمر من خلال إيجاد بديل، بديل سياسي واقتصادي وثقافي وفكري يعيد للأمة مكانتها. هذه مسئولية مشتركة، تقع على الأنظمة الحاكمة أولا ومنظمات المجتمع المدني ثانيا إذا ما سمح لها ان تعمل في أطار من حرية الفكر والتعبير. 

 في كتاب شروط النهضة للدكتور سمير أبوزيد، يطرح السؤال: هل يمكن إنشاء نظم إسلامية ديمقراطية؟ ويعتبر هذه المشكلة هي جوهر مشكلة النهضة في الدول العربية. سواء كانت الديمقراطية التي ننتجها إسلامية أو مبنية على أسس ليبرالية فإن النتيجة واحدة لأن القيم الإسلامية هي نفسها التي تعمل بها الدول الليبرالية كما اتضح من الدراسة التي وضعتها جامعة جورج واشنطن، لذلك فإن الخلاصة في نهاية المطاف هي اعتماد القيم الإسلامية والإنسانية التي تحمي المجتمع من الصراع على السلطة والثروة.

 الدين الإسلامي لا يطرح تفصيلات لكيفية إدارة المجتمع الإسلامي سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعية وإنما يطرح قيما إنسانية يقام عليها المجتمع الأخلاقي. فإذا انتفت هذه القيم لم يعد المجتمع إسلاميا ولا أخلاقيا.

 هذه القيم تُستمد من مقاصد الشريعة وتتلخص في الدين الحق وما ينبثق عنه من العدالة والمساواة والشورى الملزمة وحرية فكرية لا تواجه بالسيف أو بالقمع أو بقوانين طوارئ وإنما تواجه بالحجة والمثل الأعلى. على ان يتم صياغة هذه القيم من قبل المجتمع نفسه وبتوافق من دون فرض أو وصاية.

 في الجوهر لا يختلف ذلك عن النظام الديمقراطي. حينها يمكن القول ان المجتمع الإسلامي الصحيح في طور الصيرورة والتشكل بالصورة التي وردت في القرآن الكريم. متى ما تمت صياغة هذه القيم صياغة علمية تكون قد عالجت قضيتين هما تأصيل الديمقراطية وتأصيل المجتمع العلمي الذي يقدر العلم ومناهجه التي تقود إلى النهضة. أما على الجانب السياسي فإن القضية تصبح تحويل هذه المبادئ الإسلامية إلى نظام يضمن المساواة والعدالة والشورى الملزمة والتداول السلمي. هذا النظام يحقق حسم صورة الدولة والسلطات وتنظم المجتمع المدني وبذلك إزالة الحجة للصراع المسلح على السلطة والإرهاب الذي يقود إليه.

  mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *