مقارنة الولاء والخبرة في التعيينات والتوظيف لا يكون الا في المجتمعات المتخلفة التي تكثر فيها الولاءات بسبب سياسة الحكم التي تفرق المجتمع لضمان استمرارها.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/14257/article/70169.html
في الوقت الذي تعاني فيه دول الخليج من ضائقة مالية بسبب خفض سعر النفط ولجوئها إلى مصادر أخرى من الضرائب وإلغاء الدعم لمعالجة جزء من العجز في الميزانيات العامة ينادي البعض باعتماد معيار الولاء في المناصب العليا وان يُقَدَّم على الخبرة والكفاءة. لا شك أن الولاء قيمة أساسية في المواطن غير ان هناك لغط وسوء استخدام لمفهوم الولاء في كثير من دول العالم الثالث يكاد يكون مساويا لموالاة سلطة معينة وليس ولاء للوطن.
دعنا نتفق أولا على ان مصلحة الوطن تعلو على أي مصلحة جزئية سواء كانت شخصية أو عائلية أو فئوية. ونتفق كذلك على ان الولاء هي فكرة نبيلة يتمتع بها المواطن نتيجة ارتباطه بالمجتمع وبالأرض وبمحيطه وبيئته التي تمثل هويته. انطلاقا من ذلك فإن قيمة الولاء يمكن ان تأخذ أشكالا مختلفة ومتعددة تصل إلى قمة الولاء في التضحية بالنفس في الحروب العادلة التي تخوضها الدولة للدفاع عن حقوق وكرامة مواطنيها وأرضها وقيمها.
من الأمور التي يمكن ان تساعد على توضيح العلاقة التبادلية بين المواطن والمجتمع والدولة لتكريس قيمة الولاء نورد هذه الحكاية من تراثنا الإسلامي: «جاء رجل إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وأنبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين: أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر – رضي الله عنه-: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب، أي: القرآن، قال الولد: يا أمير المؤمنين، إن أبي لم يفعل شيئًا من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلا أي: خنفساء، ولم يعلمني من الكتاب حرفًا واحدًا، فالتفت عمر – رضي الله عنه- إلى الرجل وقال له: جئت تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك».
مع الفارق بين العلاقة التبادلية بين الأهل والأبناء إلا أن الولاء هي علاقة تشبه هذه العلاقة، فهي تبادلية بين الدولة والمواطن تقوم على فكرة وليست أشخاصا. الفكرة الجامعة التي يقوم عليها الولاء في العصر الحديث هي الدستور وما يتفق عليه من قيم وحقوق وواجبات وبالتالي فإن الجميع يدين بالولاء للوطن وللدستور سواء كان حاكما أو محكوما. مشاكل العديد من دول العالم الثالث هي عدم احترام هذه الفكرة، وهذا العقد الاجتماعي الذي ينظم هذه العلاقات ويضمن توافق المجتمع.
فمثلا نجد ان النظام السوري تعدى على الدستور بتعديله لغاية شخصية تمكنه من توريث الحكم للابن بشار الأسد، والنتيجة هي سبع سنوات من الصراع على السلطة والتضحية بملايين من الأبرياء وتدمير الدولة ومع ذلك نجد من يوالي النظام وليس الدولة. وبعض الأنظمة الأخرى عدلت الدستور لتمديد فترة بقاء الرئيس في الحكم، ومازالت النخبة المسيطرة متشبثة بالسلطة، فهل هذا ولاء للوطن والدستور أم انه ولاء شخصي ولأهداف وأغراض شخصية تفرضها نخبة حاكمة على المجتمع بقوة السلاح.
في دفاع عن الولاء القائم على الدستور وما يشمله من قيم مستمدة من الدين الإسلامي يقول وزير الأوقاف المصري ان مكافحة الفساد تشكل نصف محور التنمية وان الفساد بكل الوانه إنما هو غول يلتهم أي تنمية سواء أكان هذا الفساد نهبا للمال العام وتسهيلا للاستيلاء أو السطو عليه من دون حق أم كان «تمكينًا لغير الأكفاء وتقديمًا للولاء على الكفاءة» أم كان إهمالا وتسيّبًا وتضييعًا للمال العام وهدرًا لموارد الدولة. ويواصل ان تقديم الولاء على الكفاءة باب واسع من أبواب الفساد، حذرنا الإسلام منه، مضيفا أن الإدارة تتطلب وصفين أساسين هما: الكفاءة والأمانة. ويواصل بأنه يجب على كل مسؤول أن يبحث عن الأكفاء الأمناء من دون أي محاباة أو مجاملة وإلا كان غاشًّا فيما ولاه الله عليه واسترعاه فيه.
الدساتير العربية تطرح قيما مجتمعية لبناء مجتمع عادل منتج تشترط وصول الأفضل إلى المراكز القيادية والإدارية العليا لإدارة الدولة والمجتمع والموارد لصالح تقدم الدولة وارتقاء المجتمع وسعادة المواطن. لكن عدم احترام هذه القيم في كثير من هذه الدول أدى إلى التخلف والصراع وعدم الاستقرار.
في هذا العصر الذي يشتد فيه التنافس بين الدول تحتاج كل دولة إلى جهد أبنائها وخيرة مواطنيها لإدارة موارد الدولة، لذلك فإن الدولة بحاجة إلى خبراتها وكفاءتها للبقاء في هذه المنافسة. غير انه في كثير من الدول العربية اخذ الولاء مسارا انتقائيا لتصنيف المواطنين بين موالين ومعارضين، وكل طرف يتهم الآخر بعدم الولاء. كما أنها خلطت بين الدولة التي يحكمها الدستور لحفظ حقوق الناس وضمان امن واستقرار المجتمع وبين إدارة الدولة (تنفيذية وتشريعية وقضائية). هذا الخلط سمح للكثير من المتملقين ان يستبدلوا الولاء للوطن والدستور والقيم التي يقوم عليها بالولاء لإدارة الدولة.
ليس من المصلحة استبدال الولاء بالخبرة والكفاءة ففي ذلك تضحية بمصالح الناس وبتقدم المجتمع وحتى باستقرار وامن الدولة. فتولية من لا يتمتع بالكفاءة من شأنه أن يؤدي إلى فشل التنمية وتدني مستوى معيشة الناس. يقول الدكتور عبدالرحمن الفاضل في خطبته بجامع نوف النصار «ان الكرامة هي جوهر الإنسان ومبعث عطائه وإخلاصه. وان العيش الكريم مصحوب بالعزة التي لا مهانة فيها وان الأخذ بالولاء قبل الخبرة في تولية المناصب فيه إهدار لكرامة الإنسان. ولو ان الدول أخذت بمبدأ الولاء قبل الخبرة لما تقدمت شبرا واحدا وان إسناد المناصب العليا على أساس الولاء هو ضرب من المحسوبية ومساس بكرامة الإنسان وتضحية بمصالح الناس. فالمناصب العليا لا تسند إلى الضعيف الأمين ولا إلى القوي الخائن، فإسنادها إلى أحدهما خراب ودمار للدولة».