نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

٠٢ مارس ٢٠٢٢ 

مقال الاسبوع – مواجهة التحديات التي تمر بها دول الخليج تتطلب زيادة التكاتف والتعاون والتكامل – التفكير في بدائل للنفط لا يتم في فراغ يجب زيادة التعاون والتكامل ونبذ الخلافات والتوسع نحو العمق العربي والتكامل العربي منطلقا مما هو ممكن اليوم. تحقيق ذلك يحتاج الى مراجعات اقتصادية وسياسية وفكرية.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1286971

تمر دول الخليج بمرحلة مهمة في تاريخها تتطلب مواجهة التحديات التي تمر بها المنطقة من قضايا امنية تقلق استقرارها وقضايا سياسية تؤثر على علاقاتها فيما بينها ووضعها الداخلي وتذبذبات اقتصادية تهدد استقرارها الاقتصادي ومستوى معيشة شعوبها. في هذه البيئة تحتاج دول الخليج الى الاسراع في تشكيل كتلة متماسكة تكمل مسار التكامل الاقتصادي والامني والسياسي تتناغم مع تكاملها الاجتماعي، فهي بطبيعتها دولة واحدة اجتماعيا.

لم تعد دول الخليج تجهل او تنكر ان الطلب على النفط سوف يتناقص بصورة متسارعة في العقود الثلاثة المقبلة. وتشير بعض التحاليل الى ان عام 2050 قد يمثل بداية الانحدار للطلب على النفط بصورة متسارعة. هذا الواقع يطرح سؤال نضوب النفط او على الاقل تراجع ايراداته وضرورة التفكير في البدائل. فما هي البدائل الممكنة؟ هذاه اسئلة وجودية تواجه المجتمعات وصانعي السياسات الاقتصادية والشعوب الخليجية وقيادتها السياسية. في اجتماع وزراء الخارجية لدول الخليج (يونيو 2021) اعيد طرح السؤال والنظر فيما تحقق من تكامل وتعاون وعبرت عن ادراك بان التكامل الخليجي ليس بديلا عن التعاون والتكامل العربي الذي يمنحها البعد الاستراتيجية السياسي والاقتصادي.

فمثلا يذهب مجلس الوحدة الاقتصادية العربية (في الدورة الوزارة العادية 110) الى ابعد من ذلك ويتحدث عن “تحقيق التكامل العربي” وتطوير آليات  لاستكمال مسيرة مجلس الوحدة نحو تحقيق التكامل الاقتصادي العربي. ويدعو الى العمل لتجاوز تاثير الانتفاضات العربية وتاثير العمليات الارهابية، ويشكر مصر على ما تبذله من جهود ويدعوها وباقي الدول العربية لبذل المزيد لتحقيق الوحدة الاقتصادية العربية. ومع ان كلمات المندوبين متفائلة الا ان الوضع العربي الراهن يحتاج الى جهود جبارة لتصحيح مساره.

من هذا المنطلق ترى بعض الاوساط ان تعميق التكامل ممكنا بين الدول الخليجية ومصر والاردن كمنطلق، وان ذلك له فوائد على الشعوب الخليجية من جهة وتشكل القاطرة التي تمثل القوة الدافعة التي يمكن ان تقود الدول العربية للتقدم نحو التكامل ان هي استطاعت ان تقوم بعمليات اصلاحات شاملة. في تقرير الاسكوا 2014 (التكامل العربي ً سبيال لنهضة إنسانية) (ESCWA 2014) يقول ان تحقيق ذلك يتطلب جهد دول كبرى في المنطقة. الدول العربية المؤهلة لقيادة المنطقة هي مصر والسعودية. وعلى المدى الطويل يمكن ان تاخذ سياسة التكامل الخليجي منظور طويل المدى لاحتواء اليمن والعراق في المنظومة. هناك مصلحة امنية وسياسية واقتصادية في هذا الاحتواء ولكنه يتطلب تحولات فكرية تجعل الاحتواء ممكنا. السياسة الثانية التي يوصي بها تقرير الاسكوا هي التركيز على المنتجات البتركيماوية الخليجية من النفط وخلق طلب له بالاضافة الى مشروعات محددة تشترك فيها دول مثل السعودية ومصر والاردن والامارات (نيوم). بالاضافة الى ذلك يرى اشرف مشرف (2021) في ورقة حول حسم سياسة التكامل الاقتصادي الخليجي، ان التكامل الخليجي ييسر امكانيات التنويع الاقتصادي الخليجي والعربي.

نشط التكامل الخليجي منذ تجديد الاتفاقية الاقتصادية في 2001 ونتج عنها الاتحاد الجمركي في 2003 والسوق المشتركة في 2008. لكن الاحداث منذ ذلك الوقت شغلت دول الخليج عن المضي في مسار تعميق التكامل. والان وبعد ان التزم الخليج بمواجهة المخاطر المشتركة وبالتعاون مع دول عربية اخرى (مصر والاردن والمغرب مثلا)، وفي ظل توقعات نمو يصل الى 4.2% سنويا وفق تقديرات مجلس النقد ونمو احتياطاتها الى 350$ بليون دولار في السنوات الثلاث القادمة، فان الفرصة تبرز لدول الخليج في استئناف جهود التكامل الذي بدأته مستفيدة مما يجمعها من جغرافيا وتاريخ وثقافة وانظمة سياسية، ومركزية السعودية ضمن النظام الخليجي والعربي.

نتمنى هذه المرة ان تتجاوز دول الخليج عقبة السيادة الوطنية التي اخرت تحقيق هذه الرؤية. تجاوز هذه العقبة يتطلب تقديم تنازلات مشتركة وتفهم لمصالح كل دولة، وان تسير جميع دول الخليج خلف قيادة المملكة العربية السعودية خصوصا في التوجهات الحالية التي تنتهجها دول المنطقة في التنويع الاقتصادي وتوسيع السوق لزيادة فرص التخصص والتجارة البينية ورفع الحواجز امام السلع والخدمات والعمالة ورأس المال والريادة. تقوية مجلس التعاون اقتصاديا، ومشاركة بعض الدول العربية، قد يساهم في معالجة القضايا السياسية والعلاقات الاقليمية المتوترة.

اقرت دول الخليج في 2016 هيئة لشئون التنمية الاقتصادية، هذا الجهاز بامكانه ان يضع الخطوط العريضة والخطط التفصيلية متى ما تجاوزت الدول العوائق المتعلقة بالسيادة ومراعات مصالح الدول الاصغر. في البداية (وفق تقرير الاسكوا) على الهيئة ان تقوم باكمال مرحلة الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة وتتفق على أليات توزيع الرسوم الجمركية؛ الاتفاق على نظام رسوم مشترك يُفرض على الدول خارج الاتحاد؛ تقليل الصعاب امام انتقال السلع والخدمات والاستثمارات؛ رفع مستوى التجارة البينية والاستثمار، الذي مازال اقل من الامكانات،؛ وان ترفع القيود غير الحدودية على هذه التجارة وتسريع الانتهاء من مشاريع البنى التحتية لربط دول الخليج.

للمضي قدما في التكامل، يواصل التقرير، على دول الخليج ان تقوم اولا بجهود في التنويع الاقتصادي بتوسيع قدرة القطاع الخاص في العمل عبر الحدود وفق ما تقتضيه حوافز السوق، وما يستدعيه ذلك من سهولة انتقال الاستثمارات. ثانيا مراجعة الانظمة والقوانين لازالة ما تبقى من قيود على التجارة وتيسير الانظمة ووضع قواعد ايسر لتنظيم حركة التجارة والاستثمار والقوى العاملة. ثالثا تقوية واعادة هيكلة الامانة العامة واعطائها صلاحيات اكبر في معالجة النزاعات التجارية بين الدول وآلية لمراقبة التنفيذ. رابعا مع ان توحيد العملة خطوة منطقية لكن يجب ان يبقى الاتحاد الاقتصادي هدفا تسعى اليه في المدى المتوسط ويبقى الهدف الاكبر الاتحاد السياسي كغاية مستقبلية. واخيرا يمكن لدول الخليج ان تتطلع الى ما هو اوسع ليشمل دول عربية اخرى خصوصا دول القرب الجغرافي مثل اليمن ومصر والاردن والعراق. ومع ان هذا يبدو تصور غير واقعي في الوقت الحالي لكن الامل ان تتغير الظروف ويصبح حلم ممكن كما اصبح التوسع ممكنا لدول شرق اسيا ومناطق اخرى.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *