- المجتمع المدني والبحث العلمي
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
تاريخ النشر 23 سبتمبر 2007
تتجه الحكومة على ما يبدو الى تشجيع اقتصاد معرفي، وهذا يعني التركيز على التعليم وعلى البحث العلمي وعلى تطوير القدرا ت في تقنية المعلومات. في الوقت الحاضر يعتبر النفط المصدر الاول للدخل في البلاد، والجهود المبذولة في تنوع مصادر الدخل الحالية غير كافية لتوفير حياة كريمة للمواطن في المستقبل حيث انها تركز على كيفية توزيع الثروة وليس انتاج الثروة.
الاعتماد على النفط وعلى الخدمات والسياحة لا يكفي لتوفير مستوى معيشى كريم للمواطن. والتوجه يحتاج ان يركز على الصناعة والبحث العلمي لخلق المعرفة وتحويلها الى منتجات ذات القيمة المضافة العالية التي يمكن الركون اليها في رفع المستوى المعيشي المتدني بسبب عدم قدرة اقتصادنا الحالي على مجاراة الارتفاع في الاسعار العالمية وارتباط الدينار بالدولار وغيره من المعوقات الاقتصادية العالمية.
تكلمنا في مقال سابق (اخبار الخليج 14 يوليو 2007) عن دور القطاع الخاص في الاقتصاد والبحث العلمي وناقشنا المحور المتعلق بتحديد نوعية الاقتصاد الصالح للبحرين وسبل تطويره وفي هذا المقال سوف نناقش المحور الثاني والذي يدور حول سبل التمويل المتاحة والممكنة.
ترى الدولة ان التنمية الاقتصادية هي مسئولية القطاع الخاص وان دور الحكومة ينحصر في وضع السياسات لتهيئة المناخ للاستثمار الداخلي والخارجي. والقطاع الخاص في البحرين قطاع تجاري يسعى الى الربح السريع والى توريد بضائع وبيعها لتحقيق ربح خلال اشهر، اما التنمية الاقتصادية في الصناعة والبحث العلمي فان مداه اطول بكثير من تطلعات غالبية التجار البحرينيين.
تسعى الدول المتقدمة الى تخصيص نسبة من الدخل القومي للبحث العلمي وتتفاوت هذه الدول في النسبة المخصصة للبحث العلمي ولكنها تتراوح بين %5 الى 7% من الدخل القومي. اما في الدول العربية فهي لا تتجاوز 02%. باستثناء العراق التي ارسلت في السبعينات والثمانينات آلاف من الطلبة الى الجامعات الاجنبية وكونت قدرات بحثية كبيرة في مجالات مختلفة. اما في البحرين فان ميزانية البحث العلمي في الجامعة لا تتعدى 70 الف دينار وتحاول عمادة البحث العلمي جاهدة لزيادتها من خلال البحوث التعاقدية، وميزانية مركز الابحاث لا تزيد على المليون دينار بكثير، ويحصل على 40% من ميزانيته من الدراسات التي يقوم بها للقطاع الخاص والهيئات الحكومية. وبالتالي فان تمويل البحث العلمي والصناعة قد يحتاج الى اساليب اخرى مختلفة.
من هذا المنطلق تولدت فكرة انشاء مؤسسة غير ربحية تقوم بالعمل على الترويج لانشاء مركز ابحاث اهلي بتمويل من تبرعات وهبات ومن الزكاة والضرائب، وقد يكون للمساهمين حصص يمكن ان تحول الى اي جهة اخرى ويكون الربحية في نهاية فترة طويلة تمتد الى 20 سنة تقريبا تحول الى مزيد من الابحاث او اعمال اخرى مجتمعية او علمية.
وقد حاولت خلال الفترة الماضية طرح هذه الفكرة على عدد من الباحثين لمعرفة مرئياتهم في هذا الصدد وكانت الصدمة الكبيرة عندما سمعت منهم درجة الاحباط التي وصل اليها الباحثون وكيف يروا انه لا مجال لاحياء البحث العلمي في البحرين لسببين اولا عدم اهتمام الدولة بهذا الجانب من التنمية، والسبب الثاني هو غياب الاستراتيجية للبحث العلمي التي تحدد محاور الابحاث واهدافه وخلق الوسائل التي تنتقل من البحث الى تسجيل البراءة الى توفير الاستثمار وتحويلها الى منتج او تحسين في منتج قائم من الصناعات الموجودة في البحرين كالنفط والبتروكيماويات والالمنيوم والثروة المائية والسمكية على ان تشمل هذه الاستراتيجة مجلس التعاون الخليجي.
وكم اثلج صدري ما نشر في جريدة اخبار الخليج يوم الخميس (26/7/2007) بعنوان “صناديق خيرية لدعم العلوم الكونية في المجتمع” بقلم الدكتور نظمي ابو العطى،. وسواء كان اسلوب التمويل المقترح من قبل الشيخ احمد جمعة الغريب في مقال الدكتور ابوالعطى كاف او يحتاج الى تعزيز من مصادر اخرى فانني وجدت في الفكرة توارد افكار هام يجب ان لا يمر دون استثمار. في المقال السابق المشار اليه اعلاه تطرقت الى عدد من وسائل التمويل منها مؤسسات المجتمع المدني والزكاة وحتى قوة القانون من خلال تشريع يفرض ضريبة على المؤسسات للبحث العلمي كما في دولة الكويت.
ان المؤسسات البحثية في البحرين تحتاج الى وقفة من المجتمع المدني لمساندتها، من ذلك نرى ان هناك مسئولية كبيرة على جميع افراد المجتمع لنبذ السلبية واتخاذ مبادرة من اجل مستقبل الاجيال القادمة كل في اختصاصه. ونحن اذ ندرك مايحتاجه هذا العمل من جهد كبير وعزيمة قوية ومساعدة ايجابية من رجالات الدولة المؤثرين في جلب التمويل والافكار والدعم المعنوي لتحويل الاحلام الى حقيقه، نطلق من خلال هذ المقال دعوة لكل المهتمين بالبحث العلمي والتنمية الاقتصادية للمشاركة في تأسيس جمعية تساهم في تنمية البحث العلمي وانتاج المعرفة من اجل تنمية اقتصادية مستدامة ومستقبل افضل. توجد استمارة لدى الكاتب لهذه الغاية.