نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

مقال الاسبوع- عقدت قمة مجلس التعاون وسط تفاؤل باحداث تغيير في حياة المجتمعات الخليجية. غير ان الاهم الذي تنتظره المجتمعات هو حصولها على قدرة تاثير في القرارات السياسية والاقتصادية وان يكون هذا الدور مؤسس على برلمانات منتخبة انتخابا حرا وتملك صلاحيات مؤثرة في حماية المال العام ومصالح والمالمجتمع. بدون ذلك من الصعب تقدم دول الخليج والاستفادة من خيراتها.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1279146

المجتمع المدني وقمة مجلس التعاون الخليجي

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الخميس ٢٣ ديسمبر ٢٠٢١

وسط تفاؤل المجتمعات الخليجية انعقدت قمة الرياض لمجلس التعاون رقم 42. اهم عناوين اعلان الرياض تتلخص في الاتفاق على تجنب الصراعات الاقليمية، تلبية تطلعات المواطنين، تعزيز الدور الاقليمي وتوحيد الرؤى وتنسبق المواقف بما يعزز تضامن واستقرار دول مجلس التعاون ويلبي تطلعا مواطنيها وطموحاتهم ويحفظ مصالحها. اكد البيان على اهمية متابعة انجاز اهداف الرؤى الاقتصادية لتحقيق التكامل والتنوع الاقتصادي والتنمية المستدامة وتعظيم الاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية والفرص المتميزة لمضاعفة الاستثمارات المشتركة بين دول المجلس، وتطوير تكامل شبكات الطرق والقطارات والاتصالات بين دول المجلس، ودَعم وتعزيز الصناعات الوطنية وتسريع وتيرة نموّها، وتوفير الحماية اللازمة لها، ورفع تنافسيتها بما في ذلك التعامل مع التغير المناخي وآثاره.

سبق هذه المؤتمر ترتيبات ثنائية بين دول الخليج الخمس من طرف والسعودية من طرف اخر قام بها سمو الامير محمد بن سلمان. ومسار ثاني تقوم به دول الخليج فيما بينها في صيغة مجالس تنسيق ثنائية. والمسار الثالث الذي يمكن ان يضاف الى هذا الاهتمام بالتنويع والتكامل والاستدامة هو ما حدث من تعاون سعودي مصري لحل الازمات العربية. هذا البعد العربي مهم لاستقرار المنطقة والمحافظة على مصالحها، كما انه يدعم التكامل الخليجي كونه يضيف سوقا وامكانات تكنولوجية وطاقات مادية وبشرية. هذه ثلاث مسارات للتعاون يمكن ان تثمر سياسيا وامنيا في دعم الوحدة الخليجية سياسيا واقتصاديا.

في المؤتمر الذي عقد في الدوحة في شهر نوفمبر الماضي تم تحديد عدد من الفوائد من التنويع منها حماية الاقتصاد من تذبذب اسعار النفط، ورفع القدرة على خلق فرص عمل في القطاع الخاص لاستقطاب الشباب، وزيادة نمو الانتاجية والاستدامة. كما طرحت عدد من الاسئلة اهمها ما يتعلق بالنموذج الذي تتبعه دول الخليج لتحقيق التنويع، وتساؤلات حول السياسة المالية والاستثمار في الصناعات ودور القطاع الخاص في تحقيق التنويع، وتساؤلات حول المنظومة القانونية والمؤسسية والمجتمعية وملاءمتها للتنويع والتكامل والاستدامة وتناغمها مع متطلبات الوحدة الخليجية. فهل اجابت القمة على الاسئلة المطروحة؟ اما السؤال الذي يتكرر في المجتمع وفي الاوساط الاقتصادية والسياسية هو ماهو دور المجتمع وكيف يمكن الاستفادة من منظمات المجتمع المدني في دعم الوحدة الخليجية وتعزيز الامن والاستقرار ورفع مستوى التنويع والتكامل والاستدامة الاقتصادية؟

عبرت غرف التجارة الخليجة، كونها تمثل مصالح جزء من المجتمعات، عن نظرتها الى نتائج القمة، فاولت أهمية كبيرة لما ورد في البيان الختامي حول موضوع التنويع والتكامل الاقتصادي والبنى تحتية الداعمة على مستوى الخليج مثل شبكات الطرق والقطارات والاتصلات بين دول المجلس. كذلك اكدت على اهمية دعم وتعزيز الصناعات الوطنية وتسريع وتيرة نموها، وتوفير الحماية اللازمة لها لرفع تنافسيتها، طمعا في الوصول بها الى موقع ريادي صناعي قادر على المنافسة عالميا. كذلك ترى ضرورة إزالة كل العقبات والصعوبات التي تواجه تنفيذ قرارات العمل الاقتصادي المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي. وطالبت ان يكون لها دور اساسي، فما هي العقبات التي يراها المجتمع؟

تطرح المجتمعات بشكل عام، بما فيها غرف التجارة، تساؤلات حول المعوقات التي تقف في وجه الوحدة الخليجية والاسباب التي ادت الى عدم تنفيذ نتائج جولة الراحل الملك عبدالله في 2010 التي اراد منها حشد العمل العربي المشترك، او اقتراح الراحل السلطات قاموس بانشاء جيش خليجي موحد. وتشير المصادر والدراسات، ومنها الامين العام السابق عبدالله بشارة، ان احد اهم اسباب هذا التردد في اتخاذ خطوات جريئة نحو الوحدة والتكامل الخليجي هي الرغبة في المحافظة على السيادة الوطنية. القضية الثانية التي تعيق العمل المشترك هي الاتفاقيات والعلاقات الثنائية بين دول خليجية من جهة ودول غير عربية تشعرها بالاستغناء عن العمق الخليجي والعربي. القضية الثالثة هي قضية العمالة الاجنبية غير الماهرة وتزايدها في المجتمعات الخليجي مما يهدد الهوية العربية وكذلك يؤخر التنمية والتنويع. غير ان القضية الاهم في اعاقة العمل المشترك والوحدة الخليجية هو ضعف دور المجتمعات ومنظماته في القرار السياسي وتاثير في اضعاف الحوكمة والشفافية ومكافحة الفساد من جهة وتحجيمه للقدرات النقدية والابتكارية والابداعية والتنوع الفكري. القضية الرابعة هي التنافس بين دول الخليج في حالة غياب عمل مؤسسي يملك سلطة مستقلة تنظم هذه المنافسة بين الدول وتمنع خروجها عن حدود المنافسة المفيدة التي لا تؤدي الى خلافات تضر العمل الجماعي. هناك جهود كبيرة تبذل من قبل الافراد والمجتمعات والحكومات في ادارة المجال السياسي الخارجي والداخلي والحقوقي في المنطقة تستنزف طاقات وموارد وقدرات ابتكارية يمكن ان توجه نحو الانتاج والابتكار لو تم معالجة هذه القضايا بشكل توافقي وجذري.

مما تقدم نقول ان اهم عوامل النجاح في التغلب على هذه المعوقات تكمن في المشاركة المجتمعية الفاعلة، فهي ضرورة حتمية ليس فقط للوحدة الخليجية ولكن كذلك للتنمية والتنويع الاقتصادي ويعتمد عليها نجاح التنمية. فالتنمية عبارة عن ثلاث عناصر احدها رأس المال البشري والمجتمعي الذي يقوم على الثقة المتبادلة بين السلطة والمجتمع وهذا في حد ذاته يتطلب التوازن بين سلطة الدولة وسلطة المجتمع المتمثلة في كياناته ومنظماته المدنية. العامل الاخر للنجاح هو وجود المؤسسات اللمنظمة ومنها المؤسسات القضائية والتشريعية الديمقراطية والتمثيل السليم وما ينتج عنه من مساءلة ومحاسبة وتقييم النتائج.

تنفيذ هذه التطلعات تتطلب مشاركة ليس فقط بين القطاع الخاص والعام كما رأت اتحاد غرف التجارة الخليجي، ولكن كذلك مشاركة فعالة بين المجتمع المدني والجهات الحكومية، وفتح مجالات الحوار والنقاش والمداولات للخروج ليس فقط بحلول اقتصادية تتناول التنويع الاقتصادي والتكامل ولكن كذلك في البعد الامني والسياسي. اليوم لا يمكن للدول ان تعمل في الجانب الرسمي فقط دون مشاركة المجتمع الذي اصبح متعلما ويطلب المشاركة في رفد جهود التنمية من جهة وكذلك المشاركة في الحوار والقرار في الجوانب الامنية والتعاون الاستراتيجي على مستوى العلاقات الاقليمية والخليجية وفي القضايا التي تخص كل دولة.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *