نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1110015

افتتح سمو رئيس الوزراء معرض الخليج للصناعة في دورته الحادية عشرة بمركز البحرين الدولي للمعارض والمؤتمرات. شارك في المعرض عدد كبير من المؤسسات الصناعية والتجارية والاستشارية.

يأتي المعرض في الوقت الذي تبحث فيه دول الخليج عن طريق يؤدي بها إلى التحول نحو تنويع اقتصادها والإنتاج الصناعي بعيدا عن النفط الذي كان ومازال يسبب مشكلة اقتصادية كونه مصدرا ناضبا وكذلك بسبب تذبذب أسعاره. السؤال هل المعرض يشكل جزءا من منظومة ينبغي ان تكون متكاملة لإحداث التحول نحو اقتصاد إنتاجي؟

شارك في هذا المعرض ما يزيد على ستين شركة من البحرين وعدد قليل من الإمارات والسعودية، ربع الشركات المشاركة هي شركات صناعية لها منتجات تصنع في البحرين أو في الخليج، والباقي (75%) هي شركات ومؤسسات تقدم خدمات صناعية وتجارية ومعايرة واستشارات فنية وإدارية. كما عرضت مشاريع تخرج لطلبة الجامعات حازت على أعجاب الكثير من الزوار.

شارك في المعرض أربع شركات المنيوم معروفة مثل البا والوويل وميدال كيبل واجياد من المملكة العربية السعودية. من الملاحظ كذلك قلة المنتجات الاستهلاكية النهائية من الألمنيوم. فالمعروض هو المنتجات الصناعية المعروفة مثل عجلات السيارات والأسلاك ومشتقاتها، وهي منتجات تدخل في الصناعات لكنها لا تمثل في حد ذاتها منتوجات استهلاكية من الألمنيوم. أي أن القيمة المضافة في هذه الصناعة مازالت على مستوى المنتجات المتوسطة وليست المنتجات النهائية ذات القيمة المضافة العالية. الاستثناء في ذلك هو الطاقة الشمسية حيث كان التوجه الرئيسي للمعرض وبرزت إحدى الشركات المختصة في تصنيع الألواح المنتجة للطاقة الشمسية الصالحة لأسطح البنايات، نتمنى لها التوفيق في تحقيق نقلة صناعية نوعية.

في وضعنا الخليجي الحالي الذي يعتمد بشكل كبير على النفط كان بودنا ان نرى توجها اكبر نحو التصنيع. ومع انه من الصعب الحكم على التوجه من مجرد زيارة المعرض إلا أن الدلالات لا تشير إلى وجود توجه من الشركات الكبرى نحو الدخول في الصناعات الاستهلاكية واعتماد البحث العلمي والتطوير في هذا الاتجاه.

المعارض وغيرها من أدوات التشجيع والتعريف بالقدرات الإنتاجية هي عامل مهم في تطوير الصناعة لكنها لن تكون كافية ما لم تكن جزءا من سياسة صناعية واستراتيجية شاملة ترعاها الدولة. ينبغي ان يكون المعرض لبنة في البناء الذي من المفترض ان يكون قد اكتمل بنسبة عالية، فالوقت ليس في صالح دول الخليج والإسراع في التحول أصبح أمرا ملحا. وفي غياب مثل هذه السياسة سيكون من الصعب تطوير الصناعة لتكون الرافد الأساسي للاقتصاد الوطني.

المشكلة التي تواجه دولنا الخليجية هي في كيفية التخلص من مرض الاعتماد على النفط. القطاع الصناعي لا يزال محدودا لا يتجاوز 15% من الناتج المحلي وتهيمن عليه صناعة النفط وتكريره. الانتقال إلى دول صناعية ليس مستحيلا وقد سبقتنا دول كثيرة أهمها دول شرق اسيا.

اتبعت هذه الدول سياسات شملت سياسة مالية تعتمد سعر فائدة مدعوم من قبل الحكومة للقطاع الصناعي والزراعي، وتشجيع مستويات ادخار عالية توفر تمويل للقطاع، وتوفير حماية جمركية للصناعات الوليدة لمنع المنافسة الزائدة. أي أنها رفضت نصائح المؤسسات المالية الدولية التي تنادي بتحرير السوق ورفع الدعم والتجارة الحرة.

وبحسب الأدبيات فقد اعتمدت دول شرق آسيا نموذجا تنمويا يقوم على خطوات ثلاث، الأولى هي التقليد الاستنساخي من خلال الهندسة العكسية (reverse engineering) والثانية هي التقليد مع الإبداع وإدخال ميزات جديدة مستفيدين من شراء التقنيات المتوسطة وطرق الإنتاج الغربية وتكييفها وتحسينها بالقدرات المحلية (التعلم من خلال الممارسة). والخطوة الثالثة هي الإبداع الأصلي المعتمد على البحث والتطوير. لذلك فقد كان التعليم، والتعليم العالي، والبحث العلمي ركيزة أساسية لسياستها الصناعية. غير ان شرط النجاح في ذلك يعتمد على الجدية في التعلم وتطوير القدرة الاستيعابية وتطوير القاعدة المعرفية الوطنية. والدافع لتحقيق النجاح هو شعور بحاجة أمنية وطنية ومواجهة التحديات الخارجية التي لا ترحم المتقاعسين.

في كل هذه النجاحات كان للدولة والحكومة دور قيادي مبني على أربع مقاربات: إطلاق القدرات الصناعية، رفع مستوى التكنولوجيا في التصنيع، توفر التمويل دون عقبات، إصلاح قوانين حيازة الأراضي وإعادة توزيعها. فكوريا الجنوبية مثلا اعتمدت على توفير قروض مدعومة من الحكومة جُعلت في متناول وتحت تصرف المؤسسات الصناعية وفق شروط صارمة تشترط تحسين الإنتاجية لاستحقاقها وإلا يتوقف الدعم. ان عملية اللحاق بالركب في التصنيع المتأخر (مثل دول شرق آسيا وغيرها) يتطلب تدخل الدولة. يقول البرت اوتو هيرشمان (الاقتصادي الخبير في مجال اقتصاد التنمية) «إن ما يعيق التنمية هو القدرة على الاستثمار وليس توفر التمويل». فاتخاذ قرار الاستثمار يحتاج إلى وضوح وإلى حوافز في قطاعات معينة تحددها الدولة وفق السياسة الصناعية. فهو يرى ان ذلك يعظم قدرة النخب الاستثمارية في اتخاذ قرار الاستثمار.

لا ننادي هنا بتبني أي من التجارب السابقة، ولكنها أمثلة لوجود رؤية وسياسة واضحة تحدد معالم التنمية وأهدافها. فإن التطلعات التي يسعى إليها المجتمع والمسؤولون نحو صناعة قائمة على الابتكار والتكنولوجيا الحديثة ليست تمنيات بل ان تحقيقها يقوم على أُسس استخدمتها دول كثيرة يمكن الاستفادة من تجاربها. الخطوة الأولى لكي تحتل الصناعة مكانة على سلم أولوياتنا هي وضع رؤية وسياسة صناعية ضمن خطة تنموية يشارك فيها المجتمع بجميع قواه السياسية والاقتصادية وتناسب وضعنا الخليجي والعربي. الخلاصة هي أن التجارب الناجحة تقول إن الأمم التي تملك خطا وسياسات سليمة وحدها القادرة على الصعود. فأين أجهزة التخطيط لوضع مثل هذه الرؤى والسياسات؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *