نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 المعارض ودورها في تشجيع الانتاج الصناعي

افتتح سمو رئيس الوزراء معرض الخليج للصناعة في دورته الحادية عشرة بمركز البحرين الدولي للمعارض والمؤتمرات. شارك في المعرض عدد كبير من المؤسسات الصناعية والتجارية والاستشارية. ياتي المعرض في الوقت الذي تبحث دول الخليج عن طريق يؤدي بها الى التحول نحو تنويع اقتصادها والانتاج الصناعي بعيدا عن النفط الذي كان ومازال يسبب مشكلة اقتصادية كونه مصدر ناضب وكذلك بسبب تذبذب اسعاره. السؤال هل المعرض يشكل جزء من منظومة ينبغي ان تكون متكاملة لاحداث التحول نحو اقتصاد انتاجي؟ 

شارك في هذا المعرض مايزيد على ستين شركة من البحرين وعدد قليل من الامارات والسعودية، ربع الشركات المشاركة هي شركات صناعية لها منتجات تصنع في البحرين او في الخليج، والباقي (75%) هي شركات ومؤسسات تقدم خدمات صناعية وتجارية ومعايرة واستشارات فنية وادارية. كما عرضت مشاريع تخرج لطلبة الجامعات حازت على اعجاب الكثير من الزوار.

شارك في المعرض اربع شركات المنيوم المعروفة مثل البا والوويل وميدال كيبل واجياد من المملكة العربية السعودية. من الملاحظ كذلك قلة المنتوجات الاستهلاكية النهائية من الالمنيوم. فالمعروض هي المنتوجات الصناعية المعروفة مثل عجلات السيارات والاسلاك ومشتقاتها، وهي منتجات تدخل في الصناعات لكنها لا تمثل في حد ذاتها منتوجات استهلاكية من الالمنيوم. اي ان القيمة المضافة في هذه الصناعة مازالت على مستوى المنتجات المتوسطة وليست المنتجات النهائية ذات القيمة المضافة العالية. الاستثناء في ذلك هو الطاقة الشمسية حيث كان التوجه الرئيسي للمعرض وبرزت احدى الشركات المختصة في تصنيع الالواح المنتجة للطاقة الشمسية الصالحة لاسطح البنايات، نتمنى لها التوفيق في تحقيق نقلة صناعية نوعية.

في وضعنا الخليجي الحالي الذي يعتمد بشكل كبير على النفط كان بودنا ان نرى توجها اكبر نحو التصنيع. ومع انه من الصعب الحكم على التوجه من مجرد زيارة المعرض الا ان الدلات لا تشير الى وجود توجه من الشركات الكبرى نحو الدخول في الصناعات الاستهلاكية واعتماد البحث العلمي والتطوير في هذا الاتجاه.

المعارض وغيرها من ادوات التشجيع والتعريف بالقدرات الانتاجية هي عامل مهم في تطوير الصناعة لكنها لن تكن كافية ما لم تكن جزء من سياسة صناعية واستراتيجية شاملة ترعاها الدولة. ينبغي ان يكون المعرض لبنه في البناء الذي من المفترض ان يكون قد اكتمل بنسبة عالية، فالوقت ليس في  صالح دول الخليج والاسراع في التحول اصبح امرا ملحا. وفي غياب مثل هذه السياسة سيكون من الصعب تطوير الصناعة لتكون الرافد الاساسي للاقتصاد الوطني. 

المشكلة التي تواجه دولنا الخليجية هي في كيفية التخلص من مرض الاعتماد على النفط؟ القطاع الصناعي لا يزال  محدود لا يتجاوز 15% من الناتج المحلي ويهيمن عليه صناعة النفط وتكريره. الانتقال الى دول صناعية ليس مستحيلا وقد سبقتنا دولا كثيرة اهمها دول شرق اسيا. اتبعت هذه الدول سياسات شملت سياسة مالية تعتمد سعر فائدة مدعوم من قبل الحكومة للقطاع الصناعي والزراعي، وتشجيع مستويات ادخار عالية توفر تمويل للقطاع، وتوفير حماية جمركية للصناعات الوليدة لمنع المنافسة الزائدة. اي انها رفضت نصائح المؤسسات المالية الدولية التي تنادي بتحرير السوق ورفع الدعم والتجارة الحرة. 

وحسب الادبيات فقد اعتمدت دول شرق اسيا نموذج تنموي يقوم على خطوات ثلاث الاولى هي التقليد الاستنساخي من خلال الهندسة العكسية (reverse engineering) والثانية هي التقليد مع الابداع وادخال ميزات جديدة مستفيدين من شراء التقنيات المتوسطة وطرق الانتاج الغربية وتكييفها وتحسينها بالقدرات المحلية (التعلم من خلال الممارسة). والخطوة الثالثة هي الابداع الاصلي المعتمد على البحث والتطوير. لذلك فقد كان التعليم، والتعليم العالي، والبحث العلمي ركيزة اساسية لسياستها الصناعية. غير ان شرط النجاح في ذلك يعتمد على الجدية في التعلم وتطوير القدرة الاستيعابية وتطوير القاعدة المعرفية الوطنية. والدافع لتحقيق النجاح هو شعور بحاجة امنية وطنية ومواجهة التحديات الخارجية التي لا ترحم المتقاعسين.

في كل هذه النجاحات كان للدولة والحكومة دورا قياديا مبني على اربع مقاربات: اطلاق القدرات الصناعية، رفع مستوى التكنولوجيا في التصنيع، توفر التمويل دون عقبات، اصلاح قوانين حيازة الاراضي واعادة توزيعها. فكوريا الجنوبية مثلا اعتمدت على توفير قروض مدعومة من الحكومة جُعلت في متناول وتحت تصرف المؤسسات الصناعية وفق شروط صارمة تشترط تحسين الانتاجية لاستحقاقها والا يتوقف الدعم. ان عملية اللحاق بالركب في التصنيع المتاخر (مثل دول شرق اسيا وغيرها) يتطلب تدخل الدولة. يقول البرت اوتو هيرشمان (الاقتصادي الخبير في مجال اقتصاد التنمية) “ان مايعيق التنمية هو القدرة على الاستمثار وليس توفر التمويل”. فاتخاذ قرار الاستثمار يحتاج الى وضوح والى حوافز في قطاعات معينة تحددها الدولة وفق السياسة الصناعية. فهو يرى ان ذلك يعظم قدرة النخب الاستثمارية في اتخاذ قرار الاستثمار.

لا ننادي هنا بتبنى اي من التجارب السابقة، ولكنها امثلة لوجود رؤية وسياسة واضحة تحدد معالم التنمية واهدافها. فان التطلعات التي يسعى اليها المجتمع والمسئولين نحو صناعة قائمة على الابتكار والتكنولوجيا الحديثة ليست تمنيات بل ان تحقيقها يقوم على أُسس استخدمتها دولا كثيرة يمكن الاستفادة من تجاربها. الخطوة الاولى لكي تحتل الصناعة مكانة على سلم اولوياتنا هي وضع رؤية وسياسة صناعية ضمن خطة تنموية يشارك فيها المجتمع بجميع قواه السياسية والاقتصادية وتناسب وضعنا الخليجي والعربي. الخلاصة هي ان التجارب الناجحة تقول ان الامم التي تملك خطا وسياسات سليمة وحدها القادرة على الصعود. فاين اجهزة التخطيط لوضع مثل هذه الرؤى والسياسات؟

mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *