نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

المنتدى الاقتصادي …. نعم نحتاج الى حوار وطني (2)

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تحدثنا في الاسبوع الماضي عن “ندورة الوطن” (اخبار الخليج 24 يونيو 2020) والتي طالبت بعقد منتدى اقتصادي وطني وحوار يناقش الوضع العام من مختلف جوانبه ولخصنا الافكار المطروحة في قضيتين هما كيف ستتمكن دول الخليج من المحافظة على نموها الاقتصادي ومستواها المعيشي في ظل تذبذب اسعار النفط وتراجع اهميته النسبية، والقضية الثانية التفكير في كيف سندير اقتصادنا في المستقبل، وهل سنتعامل معه بنظرة شمولية استراتيجية تراعي مختلف مجالات الحياة وشرائح المجتمع؟ وطرحنا سؤالا حول موقع المسئولية العامة عن النتائج الاقتصادية بشكل خاص والوضع بشكل عام ومن المسئول عن النتائج؟ ولاهمية مادار في الندوة نرى ان نناقش بعض القضايا والتحديات التي اثيرت بشيء من التفصيل.

التحدي الاول هو القدرة على اقامة مثل هذا الحوار ومن يشارك فيه والاستفادة منه ومتابعة توصياته ووضعها موضع التنفيذ. فقد عقد حوار قبل عامين شمل الحكومة ومجلس النواب ومجلس الشورى وغرفة التجارة وخلص الى نتائج وتوصيات لم نسمع عنها الى اليوم، وتوصيات اللجنة البرلمانية للبحرنة اختفت عن الانظار والمجلس يحاول احياءها. كذلك كان هناك مؤتمر رجال الاعمال العرب الذي شارك فيه ستة من الوزراء وخرج بآراء وتوصيات يجهل المجتمع مصيرها. في مثل هذه الظروف وفي ظروف مماثلة سابقة كان من المفترض ان يعاد النظر في السياسة الاقتصادية وما يتبعها من سياسات استثمارية وتجارية وتكنولوجية وصناعية وسياسات سوق العمل والتعليم والتدريب، هذه امور لا ينبغي ان يتم التعامل معها بشكل تجزيئي منعزل. وفي حالة اقيم مثل هذا الحوار فلا ينبغي ان تضيع جهود ضخمة تقوم بها جهات مسئولة دون الاستفادة منها وبلورتها في خطط عملية توضع موضع التنفيذ ونشرها لاطلاع المجتمع على نتائجها.

التحدي الثاني هو ملف البطالة وكيفية معالجته في ظل وجود 500 الف وظيفة يشغلها وافدين والمجتمع يضغط في اتجاه احلال البحرينيين وحصر وظائف للبحرينيين فقط، وان كانت بعض الجهات ترفض هذا التوجه. زيادة حجم العمالة الوافدة هو نتيجة استخدام نموذج انتاجي يعتمد على العمالة الرخيصة (د. على المولاني)، في المقابل تستخدم الدول المتقدم نموذج يعتمد على التكنلوجيا والعمالة الماهرة. استخدام مثل هذه التكولوجيا يحتاج الى وقت واستثمارات وبالتالي فهو حل متوسط الامد، لكن هذا لا يعني عدم البدء في اعتماد هذا النموذ في الاعمال التي يمكن ان يستخدم فيها. وهنا لا بد ان تاخذ الدولة زمام المبادرة في تبني التكنولوجيا في تقديم خدماتها العامة مثل تنظيف الشوارع. تستخدم الدول المتقدمة التكنولوجيا والالة للقيام بالتنظيف بدلا من جيش من الوافدين. والمجالات واسعة في هذا الاتجاه.

التحدي الثالث هو ان ما حدث من تحولات في سلوك الناس مثل التسوق عن بعد والتعليم عن بعد والتواصل عن بعد قد يكون له تاثير على السلوك العام بعد انتهاء ازمة كورونا. فنمط التسوق الالكتروني كان شائعا قبل الجانحة ولكنه سوف يزداد بعدها وهذا يفرض على اصحاب الاعمال الاستعداد له واستغلال الفرص التي سيتيحها هذا السلوك. فسوف يؤثر هذا السلوك في نوعية الوظائف ونوعية الخدمات وازدياد الطلب على المواصلات وعلى التطبيقات الالكترونية ويفتح مجالا لابداع الشباب في ابتكار خدمات من هذا النوع. ومادام الاقتصاد البحريني كما يقول المنتدون يتجه نحو الخدمات (ولم يقصد المنتدون الاستغناء عن الاقتصاد الانتاجي) فهذا قطاع يمكن ان يكون واعدا في خلق فرص عمل. انتعاش قطاع الخدمات يحتاج الى ان يقدم خدمات الى خارج البلد (تصدير خدمات بدلا من سلع). فهل البحرينيون مستعدون لذلك، وهل ستتمكن البحرين من المنافسة خارج حدودها في تقديم مثل هذه الخدمات خليجيا وعربيا ودوليا؟

التحدي الرابع هو ان التاثر في الاقتصاد كان شاملا بسبب الغلق طويل الامد الذي مرت به معظم القطاعات الاقتصادية في العالم وفي البحرين.

واكثر المتضررين هي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي عانت الكثير من الاغلاق، خفف من معاناتهم المساعدات التي تقدمها الدولة، لكن عدم معرفة المدة التي ستستمر فيها المعاناة وما بعدها من اعادة تاهيل قد تستغرق سنوات، هذا يستوجب نظرة شاملة ورؤية تستوعب المستجدات والصدمات والاخفاقات التي ستحدث. وضعت البحرين برامج لمساعدة المؤسسات الصغيرة والمتسوطة للتخفيف والحد من الاضرار. لكن هذه البرامج يجب ان تكون ديناميكية تتحرك مع مستجدات آثار الاغلاق، وان تستشعر الحالات الخاصة لبعض المؤسسات او القطاعات، فكيف سيكون ذلك وما هي الالية التي سوف تستخدم والتي تتمتع بسرعة الاستجابة وفي نفس الوقت حمايتها من الاستغلال والعبث والجمود.

التحدي الخامس، هناك خطورة كبيرة في خسارة اعداد كبيرة لوظائفهم بسبب الاغلاق من ناحية وضعف القوة الشرائية من ناحية اخرى، ومع زيادة المنافسة التي فرضها واقع الجائحة فان الشركات قد تضطر الى الاستغناء عن عمالة اجنبية وحتى بحرينية، وزيادة الاسعار في بعض الحالات بسبب التباعد الاجتماعي. هذا يعني ان زيادة النشاط في بعض القطاعات لن يعوض الخسائر في القطاعات الاكثر والاكبر تضررا. لذلك فان المنتدى يرى اولا ضرورة استمرار الدعم الى ما بعد الجائحة لتفادي انهيار السوق في بعض القطاعات وتسريح عمالة وخلق مشاكل اكبر. ثانيا التفكير في فتح بعض القطاعات بحذر وتدرج قد يكون من الخيارات الواردة كما هو الحال في اوروبا، مع الوضع في الاعتبار الحاجة الى العودة لبعض الاغلاقات. كل هذه الاجراءات تمثل تحدي في تمويلها وتتطلب قدرة ابتكارية من القائمين عليها. لذلك نرى التفكير بجدية في قضية ادراج جميع الايرادات في ميزانية الدولة والتفكير الجاد في ضرائب الثروة وضرائب ارباح على رأس المال، وضرائب على الدخول المرتفعة وتفادي تحميل ضعاف المواطنين اعباء ما حدث ويحدث.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *