نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 الميثاق – المجلس النيابي والجمعيات السياسيية

انطلق الميثاق في 2001 بتاسيس مؤسسات واتخاذ اجراءات تنقية الاجواء بعد احدث التسعينات المؤسفة ودخلت البحرين بذلك مرحلة جديدة من الامل في حياة سياسية واجتماعية مثمرة تكمل مسيرة التحديث. كذلك تمخض عن الميثاق مجموعة من القيم والمفاهيم التي بدأت التحول نحو دولة القانون والمؤسسات ووضع اللبنات لحياة ديمقراطية لكي يساهم المجتمع في صناعة مستقبله. 

من اهم المؤسسات في المشروع الاصلاحي لجلالة الملك التي اقيمت على اثر الميثاق هو المجلس النيابي والجمعيات السياسية. شكل ذلك نقلة نوعية في المجتمع وفتح افاق المستقبل. وبالرغم من الخلاف حول دور مجلس الشورى كان المجلس الاول مجلسا حوى جمعيات سياسية وافراد على مستوى عال من الكفاءة وحسن الاداء تجلى في مناقشاته والقضايا التي تصدى لها فاكتسب احترام المجتمع. وكان يمكن لهذا المجلس ان يتطور ويكتسب صلاحيات اكبر، لكن للاسف هذه المؤسسة اخذت في التراجع الى ان وصل بها الحال الى ما رأينا خلال الفترة الماضية من مناقشات لا تجدر بالمجلس مثل مناقشات المكيفات او المناكفات في بين الاعضاء انفسهم على امور لا ترقى لان تكون قضايا اجتماعية او ذات شأن عام. يحدث ذلك في الوقت الذي يخضع المواطن لوابل من الرسوم والضرائب تثقل عليه معيشته.

في ذكرى المثاق نرى ان المشروع الاصلاحي بحاجة الى دفعة قوية لاستعادة توجهه واستعادة التمسك بقيمه. قال المرحوم الشيخ عبدالعزيز بن محمد عن هذه القيم “ليس المهم ان تكون نصوص الميثاق ارقى ما تكون بل المهم ان يكون تفليها ومدها من جهودكم وارواحكم حتى تثمر وتزدهر”. اول هذه القيم التي اكد عليها الميثاق هي التوافق الوطني في صياغته وفي اقراره. اليوم نرى ان هذا التوافق الوطني واللحمة الوطنية قد تصدعت وتحتاج الى جهود خاصة لمعالجتها. للاسف لم يبذل المجلس النيابي الجهد المتوقع منه في رأب الصدع بل قد يكون ساهم في زيادته. يوجد حراك تقوم عليه بعض الجمعيات السياسية لاستعادة شيء من اللحمة الوطنية نتمنى له التوفيق.

القيم الاخرى التي وردت في الميثاق منها العدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية الفاعلة والمحافظة على المال العام واعتماد الكفاءة في التوظيف والتعيين جميعها في حاجة الى تعريف سليم وعمل تشريعي لتكريسها في المجتمع وخلق مؤسسات تنفيذية لتفعيلها، لكن المجلس لم يحقق تقدما مؤثرا تجاه ذلك. قد يستثى من ذلك مجلس 2002 والى حد ما 2006 الذين استطاعا ان يتناولا قضايا هامة مثل التامينات الاجتماعية والاراضي والدفان ولكن لم تسفر هذه الجهود عن نتائج تحافظ على المال العام او تؤسس لتعامل شفاف معه او تقوي من صلاحيات المجلس. في حين نجد ان مجلس 2010 تخلى عن اداة رقابية هامة وهي الاستجواب الذي جعلها تصبح شبه مستحيلة واكمل سلسة التراجع مجلس 2014 فبعض اعضائه لا يرتقون الى مستوى التمثيل السياسي للمجتمع والحامي للمال العام 

المجلس اليوم بدأ يفقد هيبته في المجتمع وابتعدت كفاءات كثيرة عن الترشح للانتخابات وتراجعت مشاركة الجمعيات السياسية وكاد المجلس ان يتشكل من افراد لا تربطهم اهداف او برامج او ايديولوجيا تجعلهم يمثلون كتلة يمكن ان تدفع في اتجاه مصالح الناس وتحظى بتاييد مجتمعي يمنحها القوة التفاوضية لتحقيق مكاسب مجتمعية. هذا المجلس بهذه التشكيلة لم يوفق في مناقشة برنامج الحكومة بالشكل الذي يضع معايير واضحة لتقييم الاداء ورصد التقدم في البرنامج، ولم يوفق في التعامل مع تقارير ديوان الرقابة المالية والادارية، ولم يسعى الى استعادة ما خسر من صلاحيات من المجلس السابق، ولم يتصدى لمناقشة القضايا الاقتصادية التي تتعرض لها الدولة من جراء انخفاض اسعار النفط، ولم يحمي المجتمع من الرسوم والضرائب التي تفرض على المواطن العادي المجتمع، ولم يقترح تحويل الضرائب على الاثرياء بدلا من المواطن العادي.

هل المشكلة في المجلس النيابي نفسه وتركيبته وصلاحياته ولائحته الداخلية ام في الاعضاء انفسهم وقدراتهم ام في التعاون بينهم وبين المؤسسات الاخرى مثل الحكومة والوزارات ومجلس الشورى؟ ام انها خليط من كل ذلك؟ تفكيك هذه المعضلة يحتاج الى جهود مجتمعية ومشاركة الجمعيات السياسية والشخصيات الوطنية والنخب المتخصصة القادرة على تمثيل المجتمع تمثيلا سليما يهتم بقضاياه الكبرى ويطرحها للمناقشة العلنية في المجلس وخارجه وعلى مستوى المجتمع ليكون رأي عام جمعي يرفع من وعي المواطن. هذا الجهد يحتاج كذلك الى مساهمة الحكومة في رفع شأن المجلس والتعاون معه من خلال تسهيل عمل الجمعيات السياسية ودعها ماليا وفنيا ومعلوماتيا. ان قوة الجمعيات السياسية تعكس قوة المجتمع وقوة الدولة من قوة المجتمع واضعافه لا يخدم المصلحة العامة على المدى البعيد حتى وان بدى في الوقت الحاضر عكس ذلك.  

اي تحرك من قبل الجمعيات في اتجاه التنسيق فيما بينها ومآزرة بعضها بعضا لخوض الانتخابات القادمة هو مصلحة وطنية يستحق الدعم، فبدون هذا الحراك سيبقى المجلس مشتتا ضعيفا اكثر عرضة للتاثيرات الخارجية في وقت تكون الدولة والمجتمع احوج ما يكونا الى مجلس قوي مدعوم مجتمعيا يمكنه محاولة ادخال اصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية ورأب الصدع في المجتمع ودراسة آثار الضرائب على مستوى معيشة الطبقات محدودة الدخل والطبقة الفقيرة، وكذلك دراسة آثار قوانين سوق العمل والنظام المرن وقوانين الاستثمار وما يتبعها من رسوم جديدة على المواطن وعلى رجال الاعمال والحراك الاستثماري. 

Mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *