نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الميزانية العامة.. وبحث مسألة الضرائب

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي  

الأربعاء ١٣ يناير ٢٠٢١

مقال الاسبوع- الوضع المعيشي لكثير من البحرينيين غير مقبول وتعاني فئة واسعة من الفقر والحرمات بدخل لا يغني ولا يسمن من جوع. طرحنا فكرة الحد الادنى للدخل كحل. في دولة نفطية بموارد مفترض ان تكون للجميع ليس مقبولا ان يكون تمييز بين الناس في استحقاقات او امتيازات. خيار تمويل هذا المقترح زيادة نسبة الميزانية من ايرادات الدولة، واذا تعذر ذلك سياسيا يبقى خيار الضرائب على الثروة والدخول العالية.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1234141

تحدثنا في المقال السابق (أخبار الخليج 6 يناير الجاري) عن وضع الضمان الاجتماعي، وخلصنا إلى أن هناك حالات لا نقبلها كمجتمع يُفترض فيه التكاتف والتضامن، وكدولة تؤمن بحق الانسان في الحياة الكريمة وتنادي بتكافؤ الفرص. فهناك مواطنون يحتاجون إلى العلاج ويحتاجون إلى تسيير أمور حياتهم، وهناك فنانون ومبدعون خدموا البلاد في شبابهم وشاخوا، وفي أمس الحاجة إلى الرعاية والاهتمام والتقدير. وانتهينا إلى مقترح «حد أدنى للدخل» كقاعدة للضمان الاجتماعي. واقترحنا لتمويله، في حالة تعذر رفع معدل الميزانية من الدخل العام، فإن الخيار الثاني هو بحث إمكانية فرض الضرائب. وقد طرحنا موضوع الضرائب سابقا (أخبار الخليج 3 أكتوبر 2010) وفي هذا المقال سوف نطرح خيار الضرائب للمناقشة. 

أولا: الميزانية هي فرصة لاستعراض الاداء الاقتصادي خلال السنتين الماضيتين وطرح المشاكل والقضايا المجتمعية استعدادا للتعامل معها ووضع معالجات وحلول، ومنها البطالة والارتقاء بالرعاية الاجتماعية، وجودة التعليم وغيرها. كما أنها فرصة لتقييم الأداء الاقتصادي ولمعالجة أوجه القصور ومحاولة إنعاش النشاط الاقتصادي من خلال السياسة المالية التي تعبر عنها الميزانية. وهي فرصة لدعم قطاعات تعتبر مركزية في استراتيجية التنمية وتحسين الاداء الاقتصادي. كذلك هي فرصة لوضع أهداف مرحلية للسنتين القادمتين تنبثق من استراتيجية الدولة وبرنامجها والرؤية الاقتصادية. وهي فرصة كذلك للتفكير في كيفية زيادة الإيرادات لتغطية النفقات الضرورية واستدامتها ووضع خطة لذلك.

ثانيا: من القضايا المهمة التي ينبغي التعامل معها اليوم هي جودة الخدمات العامة التي تؤثر في التنمية مثل التعليم والسياسات التكنولوحية والتجارية والصناعية وسوق العمل وغيرها، لكن قد يكون الاهم من ذلك هو التفكير في مستوى معيشة المواطن وبشكل خاص الطبقة المتوسطة التي بدأت في الانحسار وكذلك محدودي الدخل. هذا التعامل ليس فقط مهما من الناحية الانسانية والالتزام الاخلاقي والقيمي والدستوري لعدم ترك أحد في الخلف من دون الأخذ بيده. ليس فقط من حيث العدالة والتضامن المجتمعي الذي يعزز شعور الانسان بانتمائه، ولكن من حيث انها قضية وطنية واستقرار مجتمعي. والمهم كذلك أن يتم التعامل مع التضامن الاجتماعي على أنه حق للفرد يحفظ كرامته.

ثالثا: إن رفع مستوى الرعاية الاجتماعية والحد الأدنى للدخل (نسمية لاحقا «الضمان الاجتماعي») يحتاج إلى تمويل. فبينما تقوم الميزانية على فرضية ان الايرادات هي عنصر يكاد يكون ثابتا ومجالات زيادته محدودة، حتى ان كان بالإمكان زيادة نسبة الميزانية من الإيرادات العامة. كذلك رفع مساهمة الشركات المملوكة للحكومة (مساهمة ممتلكات في الميزانية 10 ملايين فقط لا يتغير بتغير إيراداتها او أرباحها) لا يمكن ان يزيد عن نسبة محدودة من إيرادتها أو أرباحها. هذا يضعنا امام خيارات صعبة في تنويع إيرادات الحكومة وتنويع الاقتصاد، ويتطلب الامر إعادة النظر في إيرادات الدولة وليس الميزانية فقط. فهل ضرائب الدخل والثروة (التصاعدية في الحالتين) على الطبقة الغنية والدخول العالية والشركات هو أحد هذه الخيارات؟

نرى أن هذا الخيار ضروري لعدة أسباب أولا ان الميزانية في الوقت الحاضر لا تعكس النشاط الاقتصادي بشكل واقعي، فيمكن أن يرتفع الناتج المحلي الاجمالي وفي نفس الوقت تنخفض إيرادات الحكومة، وان ما يدخل منه في الميزانية يكاد يكون مقصورا على الرسوم وضريبة القيمة المضافة على المشتريات (في حالة عدم إعفائها) وخلق فرص عمل محدودة جلها للأجانب. وهذا ينطبق كذلك على الشركات الاجنبية التي لا تسهم في الميزانية بشكل يعكس ربحيتها وايراداتها بالرغم من اهميتها الاقتصادية والتنموية للبلد. هذا ينطبق كذلك على دول الخليج الأخرى وإن كان بمستويات مختلفة وأقل إلحاحا. السؤال ما نوع الضرائب المناسبة؟

يرى البعض أن فرض او زيادة الضرائب في وقت الركود أمر ليس مستحبا. والفرضية هي ان ذلك يسحب سيولة من السوق ويُضعف الطلب الكلي، ويقلل الادخار المتوافر للاستثمار. كذلك فإن فرض ضرائب على دخل الشركات يمكن أن يؤدي إلى هروبها إلى دول مجاورة لا تفرض ضرائب، كما قد يُضعف الحوافز لاستثمارات جديدة، محلية كانت أو أجنبية. لذلك فإن هذا الخيار قد يكون صعبا للبحرين من دون التفكير في جميع تأثيراته، والأفضل أن يكون قرارا خليجيا، لكن إذا تعذر ذلك فهل يمكن للبحرين المضي فيه؟

مع أخذ المحاذير في الاعتبار، فإن الضرائب هي مصدر إيراد حكومات دول العالم تقريبا. وبالتالي فإن المحاذير تؤثر في معظمها. ونرى أن سياسات الإنفاق الحكومي على المشاريع والضمان الاجتماعي ستعوض نقص السيولة الناتجة من الضرائب، وستحافظ على مستوى الطلب الكلي (aggregate demand)، وخصوصا ان مخصصات الضمان الاجتماعي تصرف في السوق المحلي، بينما نسبة كبيرة من اموال الأغنياء تنفق في الخارج، وبعضها ادخار محلي أو خارجي قد يفيد الاستثمار على المدى المتوسط والبعيد.

 لذلك فإن السياسة المالية (التي تعبر عنها الميزانية) تضع نظاما ضريبيا يأخذ هذه المحاذير في الحسبان. وبالتالي فإن ضرائب الدخل والثروة إذا فُرضت على الطبقة الغنية، وعلى أرباح الشركات، وعلى الثروات المنقولة وغير المنقولة مثل الأراضي البيضاء، والإيجارات. واذا ما استخدمت ايراداتها لتحسين مستويات المعيشة والاستثمار في المشاريع الانتاجية وتطوير البنى التحتية وتمويل البحث العلمي، وإنشاء قطاعات صناعية معتمدة على المعرفة والتكنولوجيا، فإن ذلك سيخدم تنويع الاقتصاد ويرفع الانتاجية، وفي نفس الوقت يرفع الطلب الكلي؛ أي أن كيفية تصميم النظام الضريبي ضمن استراتيجية تنموية مهمة لحفظ هذه التوازنات.

أما من حيث احتمال هروب الشركات ورؤوس الاموال، فهذه ظاهرة عالمية تتعامل معها الدول ضمن قانون الضرائب والسياسة الاستثمارية، وكذلك من خلال قوانين التهرب الضريبي بنوعيه، مثل فرض ضرائب مرتفعة على نقل الثروة. وأخيرا فإن فرض الضرائب سوف يحتاج الى مراجعة امور عدة مثل مستوى الشفافية ومحاربة الفساد وتعزيز دور المجلس النيابي والمساءلة في ادارة المال العام وتوفير بيانات وافية لإجراء الدراسات التي تقوي وتثري عملية جباية الضرائب لتطول الجميع وترشد أوجه إنفاقها.

 في النهاية، فإن هذا دور التخطيط للتنمية الاقتصادية، والسياسية المالية، وانعكاسهما في الميزانية للتوفيق بين مختلف المصالح، وبما يعبر عن تطلعات المجتمع في امكانية تطبيق الحد الادنى للدخل والعدالة الاجتماعية وفي تقليل الفجوة الاجتماعية لتعزيز الأمن والاستقرار المجتمعي للجميع.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *