نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1.  النظام الاقتصادي الخليجي والتحديات المستقبلية 

  تاريخ النشر :٣ أكتوبر ٢٠١٢ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال اليوم: التحديات المستقبلية في الاقتصاد الخليجي لفترة ما بعد النفط، هل ندرك خطورة الموقف، وماهي استعداداتنا له؟ الربيع العربي ونظرة العالم لهذه المنطقة، فهل نرتقي الى مايطمح له الشباب الثائر؟ 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12612/article/53090.html

الربيع العربي غَيَّر الكثير في الدول العربية كما غير نظرة العالم لهذه المنطقة التي اعتاد ان يراها مصدرا للنفط ومصدرا للموارد المالية وكذلك مصدرا للإرهاب والعنف. اختلط في هذا التقييم ما هو بنيوي في النظام الاجتماعي العربي وما هو سياسي خلقته انظمة عربية مستبدة فاسدة صبغت المجتمعات العربية بصفات ليس فيها غير استمراء الذل والهوان والصبر اللامحدود على الظلم والطغيان. اسهم في تثبيت هذا المفهوم رجال دين من فسروا القرآن والسنة على انهما يطالبان المجتمع بالخضوع والخنوع والصبر الابدي الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا.

 الان وبعد ان حدث الطوفان الذي جرف انظمة فاسدة مستبدة وانظمة اخرى تنازع سكرات الموت واخرى تترقب، فان امام العالم العربي تحديات كبيرة في بناء مستقبل يستعيد فيه كرامته ومكانته بين الامم. الطريق الى البناء هو طريق التنمية الذي انتهجته دول كثيرة ونجحت فيه: تنمية اقتصادية وتنمية بشرية وتنمية مجتمعات تستطيع ان تقف مدافعة عن مكتسباتها وكرامتها وتتخذ قراراتها في نظام ديمقراطي يقوم على شرعية سياسية وشرعية اجتماعية، يشترك الجميع في القرار ويشاركون في ثمار التنمية في نظام توزيع عادل للثروة يراعي الفئات الضعيفة في المجتمع. 

 كيف تواجه الدول العربية، والدول الخليجية على وجه الخصوص، هذه التحديات الكبيرة؟ 

 اول هذه التحديات هو ان الدول العربية تتكون في مجملها من شعوب شابة تطالب بأنظمة تعليم متطورة تؤهلهم لحياة انتاجية وفتح آفاق لفرص عمل تساير ما تراه في العالم. عجزت الدول العربية عن توفير فرص عمل لشبابها الذي يساوي 60% من تعداد سكانها. وصلت البطالة في العالم العربي الى 14% وتفوق ذلك بكثير في اوساط الشباب. وبموجب دراسة مؤسسة الخلجي للاستثمار فان البطالة بين فئات الشباب بلغت في السعودية 30%، وفي البحرين 23% (اي شاب من بين 4 لا يحصلون على عمل)، (اخبار الخليج 18 سبتمبر 2012)، في مجتمعات شابة هذه الارقام مذهلة وتنذر بخطر كبير. 

 ثانيا: ان مستقبل النفط اصبح في منحدر تناقصي ينذر بفقد مكانته بعد ان استطاعت الكثير من الدول تخفيض حاجتها منه بوسائل وبدائل مختلفة، ومازالت الابحاث جارية لتقليل الاعتماد على النفط وبالتالي فان تحديد سعر النفط لن يكون اداة في يد الدول المنتجة، والان هو مرشح الى ان يبدأ رحلة انحدار الاسعار.

 صدر مؤخرا تقرير يقول ان امريكا قد تصبح من الدول المصدرة للنفط قريبا، وان مخزون الدول الغربية من النفط في ازدياد، بالاضافة الى الابحاث التي تهدف الى تقليل استخدام الطاقة والبدائل المتاحة، كلها تنذر بأن العالم بعد عام 2030 لن يكون كالعالم اليوم في اعتماده على النفط ولن تكون الاسعار والقدرة على التحكم فيها كما هما، بالاضافة الى ان مخزون النفط في تناقص في معظم دول الخليج. فالتوقعات لعام 2012 هو 98 دولارا ولعام 2013 هو 97 دولارا. في حين نرى ان بعض دول الخليج تقدر ميزانيتها على اساس 95 دولارا للبرميل. هذا يعني ان اي انخفاض في هذه التقديرات سوف يعني (عجوزات) في ميزانيات بعض دول الخليج.

 يعبر عن هذه التحديات رئيس مجلس امناء المعهد العربي للتخطيط ووزير الاشعال والتخطيط التنموي الكويتي الدكتور فاضل الصفار في جلسة المعهد الافتتاحية في شهر يونيو 2012 في عمان. يقول ان «التطورات في العالم تتطلب من الدول العربية منهج تفكير مختلف عن المنهج التقليدي لكي تتمكن من ايجاد حلول مبتكرة وعملية لما تواجهه المنطقة العربية من تحديات». ويستوجب على الدول العربية ان تستوعب الدرس والعبر من الثورات العربية. اذا اضفنا الى ذلك ما يواجه الاقتصاد العالمي من انكماش في الدول المتقدمة وتراجع النمو في الدول النامية وما ستفرزه هذه الثنائية من معوقات، ندرك ان التحديات التي تواجه دول الخليج تتضاعف وتزداد تعقيدا مع مرور الوقت. في ضوء «الربيع العربي» ما هي الحلول المتاحة امام الدول العربية؟

 في 2007 طرح سفيان العيسى (باحث في معهد كارنجي) سؤالا مفاده: هل النظم الحاكمة العربية مستعدة للإصلاح الاقتصادي واستحقاقاته السياسية؟ وهل هي مؤهلة للقيام بهذا الاصلاح؟ ونطرح نحن السؤال: هل التغييرات الحالية افرزت فكرا مختلفا في الانظمة التي تغيرت والتي لم تتغير بحيث تبدأ البحث بجدية عن الخيارات الممكنة في ضوء التحولات العربية والعالمية؟

 قد يكون من المفيد ان نبادر الى التذكير بأن الثروات التي دخلت على الامة العربية منذ الطفرة النفطية في السبعينيات قد تبدد كثير منها وتحولت الى صخور على شكل مبان وجزر خرافية. واذا عرفنا ان العشر السنوات المقبلة سوف تنتج ثروات تقدر بتسعة تريليونات دولار ندرك حجم المأساة التي تواجهنا لو ضاعت هذه الثروات كسابقاتها في فساد وتبذير واسراف وتراكم اصول في دول اجنبية قد نخسرها في اي وقت يشاء الغرب. لذلك نرى ان الامة العربية بحاجة الى تغيير جذري في الفكر التنموي يوازي الهزة التي اجتاحتها في الفكر السياسي. 

 يرى الباحث في معهد كارنجي (سفيان العيسى) ان الحكومات العربية والنخب المتجذرة تحجم عن احداث اصلاح يهدد سيطرتها السياسية والاقتصادية، كما ان قدرة الحكومات والمؤسسات على التخطيط محدودة. وكذلك فان قدرتها على التنفيذ موضع تساؤل حتى قدرتها على ادارة الاصلاح، ويعزو ذلك الى غياب المساءلة وشيوع التعيينات بالمحسوبية والولاء بدلا من الكفاءة والمساواة.

 ان وفرة النفط والثروات الاخرى الريعية غطت على الكثير من الفشل في ادارة الاقتصاد والتنمية، بالاضافة الى ذلك فان الحكومات غير متفقة مع شعوبها على ماذا يعني الاصلاح الحقيقي. بالنسبة الى الحكومات في الخليج فان الاصلاح يكاد يقتصر على اقامة مشاريع عمرانية وبنية تحتية واستخدام تقنية المعلومات، وهذا الفهم يختلف عما يعنيه رجل الاعمال والمواطن العادي، ويختلف تماما عما تراه الجمعيات السياسية باختلاف توجهاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *