نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الوحدة الخليجية .. متى تتحقق ؟

تاريخ النشر :27 مارس  2011 – تاريخ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

خلال شهر واحد تعرضت البحرين الى احداث اثرت في نسيجها الاجتماعي وتسببت في شرخ يحتاج الى زمن طويل ليندمل. انتهى المطاف بموقفين الاول هو طرح الحوار الوطني وموافقة بعض الفئات الدخول فيه، بينما وضعت المعارضة شروط لبدأ الحوار. وبقى هذين الموقفين الى ان فُرضت حالة السلامة الوطنية لمعالجة تدهور الحالة الامنية واغلاق الشوارع بالمتاريس. وقعت المعارضة في سلسلة من الاخطاء حرفت التظاهرات عن مسارها السلمي واول هذه الاخطاء تصعيد المطالب الى اسقاط النظام. ومع ان الجمعيات السبع رفضت هذا الشعار الا انه اثار غضب فئة كبيرة من المجتمع. الخطأ الآخر هو إقحام تلاميذ المدارس خصوصا الابتدائية والاعدادية في الصراع السياسي. هذا التصرف ادخل الاطفال في فرز طائفي قد يحتاج الى أجيال لازالة آثاره. الخطأ الثالث هو التوجه الى الديوان الملكي في الرفاع مما فاقم المواجهة والاحتقان الطائفي. الخطأ الرابع هو محاولة فرض عصيان مدني بالقوة من خلال اغلاق الشوارع وتعطيل مصالح الناس. والخطأ الأكبر والاهم هو رفضها الدخول في الحوار ووضع شروط لم تحظً بتوافق فاجهضت المحاولة وضيعت فرصة ثمينة في مسيرة الديموقراطية وتجنيب البلاد مزيدا من الشحن الطائفي. 

رفضت الجمعيات السبع بعض هذه التصرفات ولكن هذا الرفض لم يكن كافيا للنأي بنفسها عن التوجه المتطرف وبدت كانها تنقاد الى الاقلية. فشلت المعارضة في قراءة الشارع الذي بدى منقسما على نفسه حيال المطالب المتطرفة واصبح على درجة عالية من التوتر تنبئ بصدام خطير اختلطت فيه الحقائق والشائعات والحشد الطائفي. واعتمادا على المشاهدات وسير الاحداث كم كان بودنا لو ان الجمعيات السبع توصلت الى قرار بان الامور اصبحت تسير في اتجاه مخالف لما ارادت من الاصلاح ويسير في اتجاه فتنة طائفية. وان التصرف العقلاني والسياسي في هذه الحالة كان قبول الحوار وقطع الطريق على المتطرفين من جميع الاطراف.

والسؤال الذي احتار فيه الكثيرون هو مالسبب في عدم الدخول في الحوار؟ الاحتمالات كثيرة منها ان الجمعيات السبع، دون استثناء، لم تقرأ الشارع وموازين القوى والتوجه العام ودخلت في نشوة شعور بالنصر دون ان تحسب حساب ضغط المصالح المتضررة في اتجاه حل امني ينهي الشلل. هذا يقودنا الى الافتراض بان قرار عدم الدخول في الحوار لم يكن سياسيا ينظر الى الموقف بميزان الربح والخسارة، والارجح ان مُتخذ القرار كان رجلا دينيا له حسابات مختلفة لم ير المكاسب الكبيرة من الحوار فخسرت البحرين كثيرا من وحدتها الوطنية ونامل انها لم تفقد فرصة ثمينة للاصلاح. 

نتيجة لماحدث نصل الى نتيجتين الاولى ان الديموقراطية والدولة المدنية اصبحت ضرورة ملحة لتحرير القوى السياسية من قبضة رجال الدين وتحقيق الوحدة الوطنية بعيدا عن النزاع الطائفي البغيض. والنتيجة الاخرى ان هذه التجربة المريرة اوضحت اهمية الوحدة الخليجية في كيان سياسي واقتصادي ضمن مشروع وطني خليجي يقود الدول العربية الى سوق عربية مشتركة ويمهد لتقارب عربي في صيغة معينة. 

في مقالين سابقين بمناسبة منتدى الامن العالمي وقمة الدوحة في ديسمبر 2007، تطرقنا الى قضية الوحدة الخليجية من جانبها التنموي والجانب الامني والجانب السياسي، وجادلنا بان الوحدة هي الحل للكثير من المشاكل التي تعاني منها المنطقة. طرحنا حينها عدد من المحاور نلخصها في اولا ماهي سياسيتنا للامن القومي الخليج وكيف سندير علاقاتنا الاقليمية والعربية والدولية؟ وثانيا ماهو توجهنا لاستغلال القدرات المالية الهائلة في التنمية وخلق فرص لمشاركة الشباب في هذه التنمية؟ وثالثا ماهو دورنا في مشروع نهضوي عربي يقوم على ما اثبتته الثورات والانتفاضات في الدول العربية من ترابط امن الخليج بالامن القومي العربي وعلاقة ذلك بالمسار الديمقراطي.  

في ذلك الوقت وقبله وبعده قلنا مع آخرين بان الفائدة من الوحدة الخليجية ليست فقط أمنية ولكن، والاهم، تنموية تُمكن دول الخليج من معالجة الكثير من المشاكل من خلال تشكيل قوة اقتصادية علمية تقوم على اقتصاد معرفي يستغل الفوائض المالية الكبيرة التي تزيد على تريليون ونصف دولار. ان توظيف هذه الفوائض في تحقيق عدة مقاصد استراتيجية تصب في مشروع خليجي كبير يمتد، في وقت لاحق، ليشمل الدول العربية. يتمثل المشروع في اولا تكوين قوة اقتصادية علمية تخلق فرص عمل حقيقية ومنتجة للشباب المتعطش للمساهمة في البناء؛ ثانيا، وكنتيجة للقوة الاقتصادية، تقوم دول الخليج بناء قوة عسكرية تحررها على المدى البعيد من التبعية للغرب والاعتماد على الحماية غير المامونة؛ ثالثا، تصبح دول الخليج نواه لنهضة عربية تعطي الامل لخمسة ملايين من الشباب العربي الذي يدخل سوق العمل سنويا ولا يجد في بلده فرص العمل ليساهم في بناء مجتمع عربي منتج ياخذ موقعه بين الامم المتقدمة والمنتجة ويتمكن عندها من الدفاع عن مصالحه؛ رابعا، ان تتمكن دولة الخليج الموحدة من التعامل مع القوى الاقليمية من منطق القوة والمصالح المشتركة في تحقيق الامن والاستقرار في المنطقة معا وبعيدا عن الهيمنة وفرض رؤى من جانب واحد.  لم يعد مبررا التقاعس في اتخاذ الخطوة لتقوية الخليج بوحدة سياسية واقتصادية وعسكرية ووضعه في محيطه العربي ضمن مشروع خليجي وعربي يواجه المشاريع الاخرى، فهذا هو الضمان لأمن البحرين وأمن الخليج وأمن المنطقة، فمتى نتوحد؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *