نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الوقوف في المكان ليس خيارا ؟

  تاريخ النشر :١٦ فبراير ٢٠١٣ 

 بقلم : د. محمد عيسى الكويتي 

مقال اليوم- قادة العالم العربي لم ولا يدركون التحولات التي تجري ، القيادات تتحمل مسئولية ما يحدث في العالم العربي من صراع على السلطة والثروات لانهم لم يدركوا التحولات التي جرت

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12748/article/8223.html

على الرغم من تفاؤلنا بمصير الثورات العربية، فإن اغتيال المعارض التونسي شكري بالعيد (الامين العام للتيار الوطني الديمقراطي) يعتبر تطورا خطيرا ينذر بموجة من العنف تشبه التصفيات التي شهدتها الأنظمة الشمولية. على القيادات العربية أن تتعظ وتتساءل، لماذا يحدث ذلك وما هي أسبابه؟ 

 الربيع العربي بدأ في تونس وانتشر إلى مصر وتوالت آثاره إلى كثير من الدول العربية. مازال بعضها مشتعلا إما دمويا كما في سوريا وإما سياسيا كما في مصر وغيرها. الاحزاب الدينية تسيدت الموقف وحاولت التغول بفرض رؤيتها الاسلامية الخاصة على المجتمع. رفض المجتمع هذا التوجه وبدأ صراع على السلطة وعلى المفاهيم والايديولوجيات، وغابت الحلول الحقيقية التي ينتظرها المجتمع. تدهورت الحياة المعيشية لكثير من قطاعات المجتمع ومصر مهددة بالافلاس. المصير الذي ينتظر ليبيا وسوريا قد يكون اكثر قتامة، وخصوصا من حيث الكلفة البشرية وتشظي المجتمع والكلفة المادية المطلوبة لاعادة البناء.

 السبب المباشر لهذه المعاناة هو رفض الرؤساء والحكام السابقين ادراك التحولات في المجتمع. المجتمعات العربية ليست منفصلة عن العالم، ولا عن تأثير العولمة والتقدم العلمي وثورة الاتصالات التي جعلت العالم قرية واحدة ووحدت الكثير من المفاهيم والمعتقدات الاجتماعية والمطالب الشعبية. الشباب اصبح يريد التواصل واقتناء واستخدام مستلزمات العصر من هاتف نقال وكمبيوتر وان يعمل ويستقل في بيت ويسهم في تكوين واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي. التغيير يتسارع ولم يعد بالامكان عزل اي مجتمع واجباره على تقبل نظام معين ونمط محدد يفرضه الحاكم.

 تتحمل القيادات العربية مسئولية ما حدث ويحدث من دمار وصراع بين مكوناته وبين قواه السياسية التي وصلت الى حد الاغتيالات وهدم البنى التحتية وتقويض أركان الدولة. رفضت هذه القيادات أن تفهم الحاجة إلى التغيير ورفضت الاقرار بحتمية حدوثه ووقفت صدا منيعا ضده بغية استمرار هيمنتها وسيطرتها على مقدرات الشعوب وعلى ثرواتها وقراراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كَبتت الإرادات وجَمَّدت الابداع والابتكار وعطلت عجلة الانتاج فتخلف العالم العربي في جميع المجالات. 

 التحول نحو التحرر والديمقراطية الحالي في الواقع بدأ منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن ما مكن القيادات العربية الوقوف في وجهه هو أولا الصراع السوفيتي الأمريكي والاستقطاب الذي استخدم هذه القيادات في حربه ضد الآخر، فاعطاها فرصة استخدام العنف وقوانين الطوارئ للوقوف في وجه حركات التحرر المجتمعية. ثانيا هذه القيادات تمكنت من شراء ولاء فئات كبيرة من المجتمع بالمال، فاثْرت وتغلغل نفوذها في المجتمع وطوعته لخدمة المستبد وصوغت له ضرورة طاعة ولي الامر اما باستغلال الدين او بالتخويف من تيارات سياسية او مكونات مجتمعية. تعاظم الكبت الى ان بلغ مرحلة الانفجار فحدثت الثورات. 

 والسؤال هل كان بالامكان تفادي هذه المآلات والصراع الدموي والكلفة البشرية والانسانية وإعادة البناء؟ 

 يقول تركي الحمد في كتابه «من هنا يبدأ التغيير» إن ما يمنع التغيير هو الخوف، ليس خوف الانسان فقط، بل خوف المجتمع وخوف النخب وخوف الدولة وخوف الحاكم من التغيير. والخوف اذا وصل إلى حد معين فهو يشل الحركة ويعطل الادراك ويوقف التفكير ويشوه التحليل ويوصل الانسان الى نتيجة مفادها ان البقاء في المكان هو الاسلم، لكن ذلك ليس من طبيعة الامور ولا من سمة البشر ولا سنة الله في الكون.التغيير هو ديدن الحياة والتحديث، وهو قادم للعالم العربي عاجلا ام آجلا. والافضل للقيادات الحاكمة والنخب السياسية ان تقوده وتديره الى بر الامان تدريجيا نحو ديمقراطية تناسب مجتمعاتها والى تعددية تحفظ امنها والى هيكلة تخدم استراتيجيتها في التنمية والتقدم ومن خلال تشريعات تؤمن استقرارها. التطورات الاقتصادية والاجتماعية تفرض التغيير السياسي، وهذا يتطلب تغييرا في العلاقات بين الحاكم والمحكوم، واستحقاقا في الحقوق وفي العدالة الاجتماعية وفي التعامل مع المال العام. 

 الوقوف في المكان ليس خيارا، فهو الجمود الذي يفاقم الازمات. هناك درجة من الخوف يمكن ان تُبرر على انها نوع من الحذر والحيطة، لكن ان يتحول الخوف الى رعب (فوبيا)، فسوف يؤدي الى العجز في التعامل مع المتغيرات، وخصوصا اذا وجد من يضخم هذا الخوف.

 نعم تتحمل القيادات العربية والنخب السياسية والدينية والثقافية مسئولية كل ما حدث في العالم العربي من دمار واغتيالات وتعطيل للحياة والمصالح. ليس لأنها أسهمت فيه بشكل مباشر، ولكن لأنها لم تتخلص من عقدة الخوف ولانها لم تدرك الحاجة إلى التغيير ولم تقرأ الواقع ومتغيرات العصر كما ينبغي، ولانها لا تملك الشجاعة في قيادة التغيير والتأقلم معه والوقوف في وجه من يعطله.

 الآن على قيادات الدول العربية السياسية والدينية ان تتعظ مما يحدث لدول الربيع العربي وتُجنب شعوبها هذا المصير الدموي والكلفة الباهظة، وان تسير مع منطق التغيير وطبيعة الكون ومقتضيات التطور المستمر الذي هو حكمة إلهية أزلية نحو الارتقاء البشري. على القيادات ألا تكابر على حركة التاريخ وصيرورة الكون. عليها الا تحاول كسب الوقت ومحاولة الالتفاف على إرادة الشعوب وحاجتها في التغيير، بل العمل معها للوصول الى حلول تلبي طموحاتها وتحفظ في نفس الوقت كيان الدولة والسلم الأهلي وبقاء النظام. ليس من الحكمة محاولة التذاكي بوضع تدابير وحلول ترقيعية وشكلية هنا وهناك لتفادي المصير القادم من التغيير واستحقاقات الديمقراطية. التغيير الذي لا يصل الى جذور الازمات سوف يعقد الوضع ويزيد من معاناة الشعوب ومخاطر الانزلاق في المصادمات الاهلية والاغتيالات السياسية ويرفع كلفة التغيير القادم لا محالة، والحافظ الله.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *