المساواة في حرية الكلمة مهم لتجنب الانقياد وراء سياسات متطرفة تجر البلاد والعباد الى الغلو والنفاق.
http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1121456
يحتفل العالم في الثالث من مايو بيوم الصحافة العالمي، يعبر فيه الجسم الصحفي عن مشاكله وهمومه وفي نفس الوقت يطرح إنجازاته وإخفاقاته. والبحرين ليست بعيدة عن هذا اليوم. فقد تفضل جلالة الملك بإلقاء خطاب مهم بهذه المناسبة أكد فيه على ضرورة وجود «قانون عصري يقرر الحريات في الصحافة والإعلام». كما أقيم احتفال برعاية سمو رئيس مجلس الوزراء لتكريم الصحفيين الذين فازوا بجائزة خليفة بن سلمان للصحافة. وبهذه المناسبة نبارك للفائزين بهذه الجائزة التي لا شك أنها سوف تدفعهم للمزيد من العطاء.
أهمية حرية الصحافة تكمن في ارتباطها الوثيق والعضوي بأربع قضايا محورية في حياة الإنسان والشعوب وفي نجاح وتقدم الدول. القضية الأولى هي التنمية المستدامة في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. القضية الثانية هي الديمقراطية وحقوق الإنسان مع كل ما يحمله ذلك من معنى لاحترام الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وجعله أرقى وأفضل المخلوقات. القضية الثالثة هي الحكم الرشيد والحوكمة بجميع معانيها ومفاهيمها السياسية والاقتصادية بشكل خاص. القضية الرابعة هي ارتباطها بالحرية الفكرية وتحرر الإنسان من المسلمات والفكر الاتباعي الذي يرفض الاستقلالية ويكرر ما قاله السابقون تجسيدا للمثل القائل «لم يترك الأولون للآخرين شيئا». لا يمكن تناول أي قضية منفردة بمعزل عن الأخرى، فالقضايا مترابطة ومتفاعلة تؤثر كل واحدة في الأخرى. وفي جميع هذه الحالات يكون لحرية الكلمة وحرية الصحافة تأثير إيجابي يرفع من فائدتها للمجتمع وتقدمه ورخائه.
التقدم في تلك القضايا يقوم على حرية الكلمة وتوافر المعلومات الموثوقة والدراسات الصادقة والهادفة التي لا تداهن في المصداقية والحقيقة وترفض المساومة عليهما. وقصص التاريخ مليئة بأمثلة دفع البعض حياته في سبيل حرية الكلمة، وتحمل الضيم والمشاق في سبيلها. ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فقد كانت رسالته صلى الله عليه وسلم هي «خلّوا بيني وبين الناس». أي دعوني أتحدث إلى الناس، وهذه مطالبة بحرية الكلمة وإكبار لمكانتها في إيصال الرسالة المحمدية، وجميع الرسالات السماوية سارت على هذا المنوال. لم تخضع هذه الرسالات للتقاليد والعادات ولم تخضع الكلمة لمصالح كبار القوم من قريش وغيرها. ولو أنها خضعت لوئدت الرسالات السماوية في مهدها.
للأسف فإن العالم يمر بمرحلة تتراجع فيها قيم الديمقراطية وحرية الكلمة. ففي تقرير الحريات عام 2018 برزت تراجعات كبيرة لحرية الكلمة حتى في الدول الديمقراطية. هذا لا يعني ان الكلمة مقموعة ولكنه يعني رفض حق التعبير بشكل فج في بعض الحالات، فهذا الرئيس الأمريكي ترامب يهاجم كل من ينشر في حقه. غير انه لا يستطيع قمع أو منع ما ينشر بسبب سلطة القضاء وتجذر قيمة حرية الكلمة واستعداد الناس للدفاع عنها، طبعا وفق ميول معينة ضمن حالة اجتماعية.
يبين تقرير 2018 تراجع الحقوق السياسية والمدنية، فمنذ 2006 تراجعت الحريات في 113 دولة مقابل زيادتها في 62 دولة. غير ان التقرير يؤكد ان الدول التي تقدمت فيها هذه الحقوق هي الدول التي كان أداؤها التنموية والاقتصادي أفضل من تلك التي تأخرت فيها الحقوق، وأن الدول الديمقراطية هي الأكثر ثراء وانفتاحا على الأفكار الجديدة والفرص المثمرة وأقلها فسادا وأكثرها حماية للحريات الفردية، حتى مع التراجع الذي حدث. بينما تدرك الدول التسلطية انه لم يعد بمقدورها السيطرة على المؤسسات والمعلومات داخل حدودها مادامت هناك مؤسسات حرة ومنفتحة خارج هذه الحدود، فتكنولوجيا الاتصالات لم تعد تسمح بإخفاء الحقائق والبيانات.
في نهاية المطاف فإن تحقيق صحافة حرة هو مصلحة وطنية. والمسؤولية الصحفية هي في ضمير كل صحفي وكاتب. لكي تكون الصحافة فعالة في تقويم القرارات والسياسات والمشاريع ينبغي تحقق ثلاثة شروط، الأول ان تكون الحرية متساوية. بمعنى ان يتمكن الجميع من تناول هذه القرارات والسياسات بالتحليل والنقد والتعليق. ما هو حاصل في كثير من الدول العربية ان السلطات تتخذ قرارات مصيرية وتمنع التداول فيها ونقدها، لكن عندما تشاء السلطة تبدأ هي حملة النقد من قبل مجموعة مقربة لكي يبدأ الجمهور برمي نفس السياسة والقرار الذي هلل لهما بالأمس. هذا السلوك يعلم النفاق والمداهنة وفي نهاية الأمر يضر الدولة أكثر مما ينفعها.
الشرط الثاني: ينبغي ان تتوافر المعلومات ونذكر بشكل خاص معايير التنمية مثل مستوى البطالة بين الشباب ونسبة الفقر في البلد. عدم توافر مثل هذه المعلومات وغيرها يجعل تقييم مسيرة التنمية أمرا صعبا وغير دقيق ولا يؤدي إلى حفز التنمية. لذلك ولكي تتحقق الفائدة من حرية الصحافة لا بد ان يصاحبها قانون حق الحصول على المعلومات يجعل توافر مثل هذه المعلومات ميسرا للباحث والكاتب والمواطن المهتم، وبالتساوي للجميع. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نشر المعلومات الصحيحة والموثوقة يقطع الطريق أمام من ينشر معلومات مغلوطة عن البحرين تُستغل في تشويه سمعة البحرين.
الشرط الثالث: حرية الصحافة لا تكون فعالة إلا بوجود مجتمع مدني حيوي، بمنظمات عمالية وحقوقية ومهنية نشطة، تعمل باستقلالية وتستشعر المسؤولية المجتمعية وتسعى لتحقيق مصالح منتسبيها وتدافع عنها.
من هذا المنطلق فإن لخطاب جلالة الملك بهذه المناسبة أهمية كبيرة سوف تساهم لا شك في التسريع في سن «قانون عصري مستنير يقرر الحريات في الصحافة والإعلام» ويدفع بالحركة الفكرية والنقدية للأمام ويمكِّن المجتمع من المساءلة والمحاسبة لتقويم المسيرة الديمقراطية وحقوق الإنسان وجهود التنمية في تنويع الاقتصاد وتوزيع الثروة وفق أسس العدالة المساواة.