نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 اليوم العالمي لحرية الصحافة واهمية المعلومة في التنمية

يحتفل العالم في الثالث من مايو بيوم الصحافة العالمي يعبر فيه الجسم الصحفي عن مشاكله وهمومه وفي نفس الوقت يطرح إنجازاته واخفاقاته. والبحرين ليست بعيده عن هذا اليوم. فقد تفضل جلالة الملك بإلقاء خطاب مهم بهذه المناسبة اكد فيه على ضرورة وجود “قانون عصري يقرر الحريات في الصحافة والاعلام”. كما أقيم احتفالا برعاية سمو رئيس مجلس الوزراء لتكريم الصحفيين الذين فازوا بجائزة خليفة بن سلمان للصحافة. وبهذه المناسبة نبارك للفائزين بهذه الجائزة التي لا شك انها سوف تدفعهم للمزيد من العطاء.

أهمية حرية الصحافة تكمن في ارتباطها الوثيق والعضوي بأربع قضايا محورية في حياة الانسان والشعوب وفي نجاح وتقدم الدول. القضية الأولى هي التنمية المستدامة في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. القضية الثانية هي الديمقراطية وحقوق الانسان مع كل ما يحمله ذلك من معنى لاحترام الانسان الذي كرمه الله سبحانه وجعله ارقى وافضل المخلوقات. القضية الثالثة هي الحكم الرشيد والحوكمة بجميع معانيها ومفاهيمها السياسية والاقتصادية بشكل خاص. القضية الرابعة هي ارتباطها بالحرية الفكرية وتحرر الانسان من المسلمات وفكر القطيع الاتباعي الذي يرفض الاستقلالية ويكرر ما قاله السابقون تجسيدا للمثل القائل “لم يترك الاولون للآخرين شيئا”. لا يمكن تناول اي قضية منفردة بمعزل عن الأخرى، فالقضايا مترابطة ومتفاعلة تؤثر كل واحدة في الأخرى. وفي جميع هذه الحالات يكون لحرية الكلمة وحرية الصحافة تأثيرا إيجابيا يرفع من فائدتها للمجتمع وتقدمه ورخائه.

التقدم في تلك القضايا يقوم على حرية الكلمة وتوفر المعلومات الموثوقة والدراسات الصادقة والهادفة التي لا تداهن في المصداقية والحقيقة وترفض المساومة عليهما. وقصص التاريخ مليئة بأمثلة دفع البعض حياته في سبيل حرية الكلمة، وتحمل الضيم والمشاق في سبيلها. ولنا في رسول الله اسوة حسنة، فقد كانت رسالته صلى الله عليه وسلم هي “خلوا بيني وبين الناس”. أي دعوني اتحدث الى الناس، وهذه مطالبة بحرية الكلمة واكبارا لمكانتها في إيصال الرسالة المحمدية وجميع الرسالات السماوية سارت على هذا المنوال. لم تخضع هذه الرسالات للتقاليد والعادات ولم تخضع الكلمة لمصالح كبار القوم من قريش وغيرها. ولو انها خضعت لوئدت الرسالات السماوية في مهدها.

للأسف العالم يمر بمرحلة تتراجع فيها قيم الديمقراطية وحرية الكلمة. ففي تقرير الحريات عام 2018 برزت تراجعات كبيرة لحرية الكلمة حتى في الدول الديمقراطية. هذا لا يعني ان الكلمة مقموعة ولكنه يعني رفض حق التعبير بشكل فج في بعض الحالات، فهذا الرئيس الأمريكي ترامب يهاجم كل من ينشر في حقه. غير انه لا يستطيع قمع او منع ما ينشر بسبب سلطة القضاء وتجذر قيمة حرية الكلمة واستعداد الناس الدفاع عنها، طبعا وفق ميول معين ضمن حالة اجتماعية. 

يبين تقرير 2018 تراجع الحقوق السياسية والمدنية، فمنذ 2006 تراجعت الحريات في 113 دولة مقابل زيادتها في 62 دولة. غير ان التقرير يؤكد ان الدول التي تقدمت فيها هذه الحقوق هي الدول التي كان أدائها التنموية والاقتصادي أفضل من تلك التي تأخرت فيها الحقوق، وان الدول الديمقراطية هي الأكثر ثراء وانفتاحات على الأفكار الجديدة والفرص المثمرة واقلها فسادا وأكثرها حماية للحريات الفردية، حتى مع التراجع الذي حدث. بينما تدرك الدول التسلطية انه لم يعد بمقدورها السيطرة على المؤسسات والمعلومات داخل حدودها مادامت هناك مؤسسات حرة ومنفتحة خارج هذه الحدود، فتكنولوجيا الاتصالات لم تعد تسمح بإخفاء الحقائق والبيانات. 

في نهاية المطاف فان تحقيق صحافة حرة هو مصلحة وطنية. والمسئولية الصحفية هي في ضمير كل صحفي وكاتب. لكي تكون الصحافة فعالة في تقويم القرارات والسياسات والمشاريع ينبغي تحقق ثلاثة شروط، الأول ان تكون الحرية متساوية. بمعنى ان يتمكن الجميع من تناول هذه القرارات والسياسات بالتحليل والنقد والتعليق. ما هو حاصل في كثير من الدول العربية ان السلطات تتخذ قرارات مصيرية وتمنع التداول فيها ونقدها، لكن عندما تشاء السلطة تبدأ هي حملة النقد من قبل مجموعة مقربة لكي يبدأ الجمهور برمي نفس السياسة والقرار الذي هلل لهما بالأمس. هذا السلوك يعلم النفاق والمداهنة وفي نهاية الامر يضر الدولة اكثر مما ينفعها.  

الشرط الثاني؛ ينبغي ان تتوفر المعلومات ونذكر بشكل خاص معايير التنمية مثل مستوى البطالة بين الشباب ونسبة الفقر في البلد. عدم توفر مثل هذه المعلومات وغيرها يجعل تقييم مسيرة التنمية امرا صعبا وغير دقيق ولا يؤدي الى حفز التنمية. لذلك ولكي تتحقق الفائدة من حرية الصحافة لا بد ان يصاحبها قانون حق الحصول على المعلومات يجعل توفر مثل هذه المعلومات ميسرا للباحث والكاتب والمواطن المهتم، وبالتساوي للجميع. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نشر المعلومات الصحيحة والموثوقة يقطع الطريق اما من ينشر معلومات مغلوطة عن البحرين تُستغل في تشويه سمعة البحرين.

الشرط الثالث؛ حرية الصحافة لا تكون فعالة الا بوجود مجتمع مدني حيوي، بمنظمات عمالية وحقوقية ومهنية نشطة، تعمل باستقلالية وتستشعر المسئولية المجتمعية وتسعى لتحقيق مصالح منتسبيها وتدافع عنها. 

من هذا المنطلق فان لخطاب جلالة الملك بهذه المناسبة أهمية كبيرة سوف تساهم لا شك في التسريع في سن “قانون عصري مستنير يقرر الحريات في الصحافة والاعلام” ويدفع بالحركة الفكرية والنقدية للأمام ويمكِّن المجتمع من المساءلة والمحاسبة لتقويم المسيرة الديمقراطية وحقوق الانسان وجهود التنمية في تنويع الاقتصاد وإعادة توزيع الثروة وفق أسس العدالة المساواة.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *