نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. اليوم العالمي للديمقراطية

تاريخ النشر :19 سبتمبر  2011 طباعة 12

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

يحتفل العالم في هذا الشهر (15/9) باليوم العالمي للديمقراطية. تكتسب هذه السنة طعما مختلفا عن السنوات السابقة التي مرت على العالم العربي وهو يقبع تحت العديد من الدكتاتوريات التي تشكلت بعد حركة التحرر في الستينيات. تمر هذه الذكرى في هذا العام والوطن العربي ينتفض ضد الاستبداد والفساد. في العام الماضي في هذه المناسبة تسائلنا ان كان يحق لنا كعرب ان نحتفل بهذه الذكرى. والان نقول نعم وبكل جدارة يحق لنا الاحتفال وان نتذكر شهداء الامة وعلى رأسهم محمد البوعزيزي الذي اشعل هذه الشرارة.

في هذه المناسبة يبزغ على الامة عهد جديد تتحرك فيه الشعوب نحو وضع اسس الاصلاح السياسي والاقتصادي وهي سيادة القانون والشفافية والمساءلة. هذه الاسس الثلاثة ، وغيرها هي التي تصنع الاصلاح. لا يمكن لاصلاح مهما صدقت النيات ان يبدأ مالم يستند الى هذه الاسس. فالديمقراطية التي لا تبدأ بسيادة القانون الذي تضعه مجالس منتخبة وتطبقه سلطة مستقلة، ولا تضع الشفافية موضع التنفيذ ولا تستخدم المساءلة كوسيلة اصلاح للمنظومة السياسية لن تتمكن من تحقيق اي اصلاح اقتصادي يستفيد منه المواطن، بل سيكون في مصلحة فئة من الناس كما حدث في تونس ومصر اللتين كان النمو فيهما يزيد على 7%.

سجلت الثورات العربية ملاحم من التضحيات والبطولات، وبالرغم من ذلك مازالت الاهانات تنهال على هذه الامة من بعض مثقفيها. فبعد ان سلبها حكام مستبدون ثرواتها وعزتها يستمر بعض المثقفين في سلب ما تبقى من كرامتها ويعتبرون ان الشرارة التي اطلقها البوعزيزي وانتفضت لها الامة انما هي مؤامرة غربية يراد بها تفتيت الدول العربية. هذا ليس فقط اهانة للامة ولشبابها وتنكرا لدماء شهدائها بل هو تعظيم من شأن الغرب واعطاؤهم اكبر مما يستحقون من القدرات على التاثير في عقليات شبابنا. هذا النكران يتجاهل الفساد والاستبداد اللذين تعامل بهما الحكام مع شعوبهم ودفعوهم الى هذا المصير، ويتجاهلون دور اجهزة الامن.

كما يتجاهلون التخلف والجهل والفقر الذي تفشى في مجتمعاتنا، ويتجاهلون التراجع في جميع معايير التقدم الاقتصادي والعلمي والسياسي.

نذكر هؤلاء المثقفين بان العالم يسير في خط نحو الاندماج العالمي وان القيم العالمية والانسانية لا يمكن الا ان تعم جميع ارجاء المعمورة وان حركة التاريخ هذه لا عودة فيها، فالتواصل بين الناس بلغ مدى اصبح ليس بالامكان اخفاء التنكيل بالشعوب. يقول برترند رسل الفيلسوف الانجليزي (1968) في كتابه “تاثير العلم في المجتمعات، ان الدولة القومية “بدأت عند اختراع البارود الذي مكن الدولة المركزية من اخماد الثورات الشعبية، فالوثيقة العظيمة (Magna Carta) لم تكن ليحصل عليها الشعب الانجليزي لو كان البارود متورافرا انذاك”، اي ان آلة البطش لدى الدولة هي التي تمكنها من المجتمع. والتقدم العلمي وحركة التاريخ وانفتاح العالم يجرد الدولة من استخدام آلة البطش من دون ايقاظ ضمير العالم ورفضه مشاهدة القتل على شاشات التلفاز.

تتعذر معظم النظم العربية بالقول ان المجتمعات العربية غير مهيأة للديمقراطية، في حين اثبتت تجارب كثيرة من الدول خطأ هذه المقولة. الديمقراطية هي التي تهيئ الدولة والمجتمع للتنمية والبناء والتقدم وليس العكس وهي التي توفر المناخ لمعالجة مشاكلهما وتناقضاتهما وتحقق توازنهما. فالحرية والكرامة هما اللتان تصنعان الدولة اقتصاديا وسياسيا وهما اللتان تتصديان للفساد والاستبداد اللذين يعطلانها ويحرفان مسيرتها التنموية بل يوقفانها. والديمقراطية هي التي تتيح المناخ للابداع والابتكار اللذين هما عمود التقدم العلمي والبوابة لعالم الاقتصاد المعرفي. والمشاركة السياسة هي التي تضمن توزيع ثمار هذه التنمية توزيعا عادلا للثروات والسلطات. والديمقراطية هي التي تولد الاستقرار والامن في المجتمع ولكل المجتمع.

ان علاقة الديمقراطية بالتنمية الاقتصادية لم تعد موضع شك، فقد اعتمدت ذلك معظم المؤسسات المالية والاممية ومؤسسات التقييم العالمية. فها هي مؤسسة برتلسمان الالمانية (مؤشر الادارة السياسية والتحول الديمقراطي) في تقريرها الذي صدر مؤخلاا تبط في معاييرها بين التحول الديمقراطي والتحول الاقتصادي، وحصلت معطز الدولة العربية على مستويات متدنية في مؤشر الادارة السياسية وفي مؤشر التحول الديمقراطي والاقتصادي. وهذا الربط بين الاثنين ليس من باب المصادفة او رغبة في اثارة النعرات القومية او الطائفية او مؤامرة غربية بل نتيجة ابحاث ودراسات تقوم بها مؤسسات رصينة توصلت الى ان هذه العلاقة طردية ولا يمكن لاتقصاد ان يتطور وينمو ما لت تصاحبه حرية وديمقراطية حقيقيتان تحافظان على حق الانسان في المشاركة في صنع القرار والدفاع عن حقوقه من خلال تنظيمات قادرة على الدفاع عنه من دون خوف من السلطات.

ان تاريخ النهضة والتنمية يرتبط الى حد كبير بمفاهيم وقيم الحرية والديمقراطية . يقول الفيلسوف الالماني هوسرل (1936) ان النهضة الاوروبية بدأت بتلك اللحظة الفريدة التي قامت فيها حركة التحرر الفكري الاوروبي بانتزاع نفسها من الجهل والخرافة واستبداد الكنيسة فاستخدمت النهضة كاداءة للتغيير وبداية عصر الحداثة الاوروبية. 

وبالمثل نتمى ان تكون هذه الصحوة العربية هي بداية التحرر الفكري وانطلاقة الامة العربية نحو العزة والكرامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *