نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٠١ مارس ٢٠٢٣

مقال الاسبوع- العدالة الاجتماعية تخصع لقيم اساسية مثل الانصاف والحرية وحق الوصول الى الموارد والمعلومات والمشاركة السياسية و حقوق الانسان والتعددية – المشكلة في دولنا العربية من يحدد تعريف هذه المفاهيم. السلطة التنفيذية تعطي لنفسها الحق في تعريفها، فهن التي تحدد الحرية وهي تحدد حقوق الانسان وهي تحدد المشاركة وهي تقرر معنى التعددية. ما لم يكن ذلك عمل جماعي يحدده المجتمع فان التنمية والتقدم سيكونا بعدا المنال.

https://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1324453

في 20 فبراير تحتفل دول العالم باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية. يوفر ذلك فرصة لتعزيز الحوار ضمن الدول والشباب والشركاء من منظمات المجتمع المدني لتقوية العقد الاجتماعي الذي تاثر سلبا بسبب تزايد التفاوتات في الدخل والصراعات وضعف المؤسسات العاملة في مجال حقوق العمال وحقوق الانسان. تسعى الامم المتحدة لبناء تحالف من اجل العدالة الاجتماعية واطلاق استثمارات في الوظائف اللائقة.

يتجه العالم بشكل عام نحو تزايد الفقر واتساع التفاوت في الدخل ضمن الدولة الواحدة وعلى مستوى العالم مما يستدعي التصدي لها عالميا ومحليا في كل دولة. على المستوى العالمي بلغ مدى التفاوت في الدخل الى حد ان دخل 1% من الاثرياء يملكون 50% من الثروات. اعدت الامم المتحدة تقريرا بعنوان “خطتنا المشتركة” لمعالجة الشرخ في العالم وتدعو الى تعدد الاطراف المشاركة والى شمولية الحلول وترابطها والعودة الى التضامن العالمي. وعلى المستوى المحلي تدعو الى تجديد العقد الاجتماعي بين الشعوب والحكومات والاخذ بنهج شامل لحقوق الانسان ومفهوم العدالة والمساواة. 

تجديد العقد الاجتماعي لا بد ان ينطلق من مساهمة العدالة الاجتماعية في تحسين أداء المجتمعات والاقتصادات والحد من الفقر والممارسات الناتجة من غياب المساواة وتخفيف التوترات الاجتماعية. وان يقوم تجديد العقد الاجتماعي بدور هام في رسم مسارات أكثر شمولية واستدامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لتكون أساسا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في إطار خطة التنمية المستدامة 2030، لا سيما في وقت لم يزل فيه تحقيق هذه الأهداف بعيد المنال. هذا التصدي لا بد ان يبدأ من مفهوم واضح ومتفق عليه مجتمعيا حول معنى العدالة الاجتماعية ومبادئها وقيمها. وان تلتزم الدول تجاه المجتمع وتجاه المنظمات العالمية بهذه المفاهيم والقيم والمبادئ.

نشا مفهوم العدالة الاجتماعية في اوائل القرن التاسع عشر، وتوسع لاحقا ليشمل جميع اوجه عدم المساواة المختلفة والتمييز على اسس عرقية او دينية او طبقية او عائلية. يقوم مفهوم العدالة الاجتماعية على تحقيق الإنصاف لجميع أفراد المجتمع بحصولهم على فرص عادلة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. عرّفت الأمم المتحدة العدالة الاجتماعية على أنها “التوزيع العادل والرحيم لثمار النمو الاقتصادي“. عمليا هذا يعني ان يشعر المواطن بتاثير التنمية والنمو الاقتصادي على مستواه المعيشي وعلى حياته وحقوقه في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية. على مستوى الجماعات فان العدالة الاجتماعية تهدف الى تحقيق علاقات عادلة بين فئات المجتمع وطبقاته. تقع مسئولية تحقيق العدالة الاجتماعية على الحكومات والمنظمات غير الحكومية والافراد.

ترتكز العدالة الاجتماعية على مبادئ اولها الانصاف وهو اهم هذه المبادئ. يختلف الانصاف عن المساواة في انه ياخذ بعين الاعتبار تباين الحاجات وكيفية تحقيقها للوصول الى نتائج متساوية او الحصول على نفس الفرص. اما المساواة فهي الحصول على نفس النصيب بغض النظر عن اختلاف الحاجة. (مثل الخضوع لنفس النسب من الضرائب بين الفقراء والاغنياء قد يعتبر مساواة ولكنه مناف للانصاف والعدالة، وكذلك الحال بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة). المبدأ الثاني “حق الوصول” للموارد الاجتماعية الاساسية مثل التعليم والخدمات الصحية والبيئة والمعلومات. فحق الوصول الى الموارد الاساسية يجب ان يكون متاحا للجميع. اي امتياز لفئة على اخرى سيؤثر في فرص العمل والاجور والبطالة والفقر. من السياسات المؤثرة في العدالة تطبيق التعليم المجاني الى مستوى الجامعات، وسياسات التنمية التي تضمن وصول الجميع الى بيئة مناسبة. المبدأ الثالث “المشاركة” في صنع القرارات الاقتصادية والسياسية وفي حل مشاكل الفئات المهمشة او المحرومة والحق في ايصال صوتهم والتعبير عن انفسهم. المبدأ الرابع احترام “حقوق الانسان” شرط اساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية وان ينظر اليها على انها ملازمة لجميع الافراد بغض النظر عن فئاتهم او انتماءاتهم وان يقدم هذا الحق على اي اعتبارات اخرى. المبدأ الخامس التنوع واحترام التعددية والاختلاف حيث يوفر ذلك فرصا اكبر للتبادل الثقافي والمعرفي والامن والسلم الاهلي.

الاشكالية في هذه المبادئ يكمن في تعريفها وتفسيرها وما يقيدها من شروط. كثير من دول العالم الثالث وحكوماتها تعطي لنفسها الحق المطلق في تعريف وتحديد هذه المبادئ بعيدا عن روح هذه المفاهيم والغاية منها، ودون اعطاء فرصة لتوافق مجتمعي حول معنى كل من هذه المبادئ وتبعات تعريف تطويرع هذه المفاهيم لتناسب ظرف سياسي معين وليس تحقيق متطلبات الحقوق المدنية والسياسية والحرية الفكرية الضرورية لتنمية القدرات الابتكارية. فمثلا تاخذ الحكومات على عاتقها تحديد معايير وتاطير المشاركة مثلا وتروج لهذا التفسير على انه مشاركة فاعلة حتى لو رأى المجتمع عكس ذلك. وكذلك الحال مع حقوق الانسان والحريات العامة. النتيجة ان مساهمة المجتمع المدني هامشي لا يشارك بفاعلية في وضع التعريفات والاهداف والمشاركة في العمل عليها.

في جميع الدول لا بد ان تخضع ممارسة هذه الحقوق وفق قيود وضوابط. في الدول المتقدمة يضع المجتمع هذه القيود من خلال مجالس تشريعية حديثة تلتزم بمبادئ الديمقراطية والتمثيل السليم والعادل وتتناسب مع رؤية المجتمعات واهدافها وظروفها دون ان تنفرد جهة بفرض رؤيتها. مايحدث في كثير من الدول العربية ان يتم وضع القيود على ممارسة هذه المبادئ وفق رؤية السلطة التنفيذية التي عادة ما تكون هي السلطة الاقوى في هذه الدول. تبعات ذلك ان تنحرف المبادئ عن غاياتها وترتفع معدلات التفاوت في الدخل ويتفشى الفساد وتتعثر كثير من خطط التنمية. يؤدي ذلك الى تراجع معدلات النمو الحقيقي ومستويات المعيشة وتزداد مستويات الفقر والحرمان وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتتراجع العدالة الاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *