نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

د. محمد عيسى الكويتي

29 يونيو ٢٠٢١

مقال الاسبوع “امتحانات التعليم وما تعكسه من نتائج”– يعاني التعليم منذ اكثر من عقدين من تذبذب المستوى وضعف المهارات التي يحتاجها الطالب لمجال العمل ولخدمة المجتمع من حيث مهارات سوق العمل ومهارات التفكير النقدي الذي يحتاجه ليعيش حياة فعالة في المجتمع. نظام التقييم والقياس الذي تستخدمه الوزارة غير واضح فهي تركز على نسبة النجاح التي لا تعكس المستوى وعدد المتفوقين التي تعكس سياسة الامتحانات. آن الوقت للتغيير.

النجاح في التعليم او في اي مجال آخر يعتمد على كيف يتم تقييم النتائج وقياسها ومتابعتها ومراقبتها وتطويرها لتعكس الاهداف التي وضعت من اجلها، وتاثيرها على غايات المجتمع في تعاملاته في الحياة العملية والانتاجية. كما ان الاهتمام بالمعايير والمؤشرات من قبل السلطات القيادية والادارية يحدد سلوك المنظومة ككل. بل ان معايير التقييم تؤثر في سلوك العاملين في المنظومة وتوجه اهتمامهم وتؤثر حتى في تفاعل اولياء الامور والطلبة مع العملية التعليمية. اذا ماهي المتطلبات التي تمثل مركز اهتمامنا؟ وماهي المؤشرات التي يتم تقييم العملية التعليمية بموجبها؟ وكيف سنتعامل مع نتائج التقييم؟

نلاحظ من نتائج التعليم المنشورة ان هناك تركيزا على ارقام ليست محددة لجودة التعليم وقد تعطي انطباع غير سليم. فقد اعلن وزير التربية ان نسبة النجاح بلغت 98.5%، كما بلغ عدد المتفوقين الذين حصلوا على 95% فاكثر 1520 طالب في المرحلة الثانوية ، في حين 2020 كانت نسبة النجاح (97.9%) وعدد المتفوقين (783). اي ان خلال عام واحد تضاعف عدد المتفوقين (من 783 فقفز الى 1520 طالب)، مثل هذه الزيادة الكبيرة في عدد المتفوقين خلال عام واحد ونسب النجاح المرتفعة تحتاج الى تفسير وتوضيح علاقتها بجودة التعليم؟

اذا اضفنا الى ذلك نتائج تقارير هيئة الجودة التي تظهر في 2017 ان 12 مدرسة من اصل 30 حققت نتائج “غير ملائم” في حين تقرير 2021 يقول بان نصف المدارس الحكومية غير ملاءمة يصبح من الصعب فهم سبب زيادة التفوق وتتضح ضرورة استحداث منظومة لقياس اداء التعليم ترتبط بغايات التعليم وعلاقته بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتعزز الجهد الذي تبذله هيئة الجودة وتتكامل معه. وضع منظومة قياس هو جهد كبير تحتاج وزارة التربية الى القيام به لانصاف كوادرها على الجهد الذي يبذلونه في سبيل رفع مستوى التعليم. من دون منظومة قياس مرتبطة بالغايات والاهداف سيبقى تركيز الوزارة على ارقام لا تعكس تحصيل الطلبة وارتقاء مخرجات التعليم لتواكب متطلبات القرن الواحد والعشرين، ولا تنصف الوزارة والمعلمين وباقي التربويين والاداريين ناهيك عن القياديين.

تاكيد على ضرورة الاهتمام بالنتائج التي تفضي الى تحقيق اهداف التعليم فقد تقدمت اليونيسكو في 2015 بمشروع لوضع اطار لمثل هذا القياس وقد حددت (شبكة حلول التنمية المستدامة) سبع غايات، وحددت (الجنة الإحصائية للأمم المتحدة) عشر غايات كخيارات للعمل على غربلتها. من اهم الغايات التي ينبغي الاهتمام بها هي مهارة القراءة والكتابة منذ سن مبكر. اذا ليس مقبولا ان يصل عمر الطالب 10 سنوات وهو لا يعرف قراءة فقرة بسيطة ويفهمها. من متابعتنا ومشاهدات اولياء الامور نجد ان هذا وضع نسبة كبيرة من الطلبة، كذلك الحال بالنسبة لمهارات الرياضيات. يجب ان تعطى هذه المهارات اولوية في المراحل الاولى بالذات، بالاضافة الى المهارات الادراكية الاخرى.

ترى منظمة اليونسكو ضرورة الاهتمام بقضايا عدة منها اولا: الاتفاق على مفاهيم رئيسية صاغتها في خمسة اسئلة ينبغي طرحها للمساعدة في وضع منظومة القياس مثل 1- ما معنى ان يكون الطفل الصغير مهيئا لدخول المدرسة؛ 2- ما معيار التعلم الأدنى الواجب تحقيقه في نهاية المرحلة الابتدائية وخلال المرحلة الثانوية وفي اخرها؛ 3- ما المستوى المطلوب في مجال القراءة والكتابة والحساب للمشاركة في المجتمع مشاركة كاملة وفاعلة؛ 4- ما المعارف والمهارات اللازمة للحصول على عمل لائق؛ 5- ما المعارف والمهارات والقيم والمواقف التي تميز المواطنين العالميين؛ ثانيا: ضمان اتساق ادوات القياس وتوضيح المفاهيم والاتفاق عليهما محليا وتوطينهما ليناسبا البيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في الدولة. ثالثا: ان يشمل القياس المخرجات المطلوبة من التعليم وكذلك (وبنفس القدر من الاهمية) المدخلات من مهارات تعليم وقدرات ادارية وتعليمية وقدرات مؤسسية وبيئة مدرسية مواتية. رابعا: وهو الاهم قياس النتائج والغايات المتعلقة بالمهارات الفكرية (مثل الابداع والتفكير النقدي) والمعارف والقيم والمواقف ومدى تحققها لاقامة مجتمع سليم متجانس يقوم على المواطنة المتساوية وملتزم بالتنمية المستدامة.

تشمل منظومة التقييم والقياس اربع عناصر هي “المخرجات (بما فيها النتائج والتاثير)” (على ان لا يقتصر ذلك على الامتحانات ونسب التخرج)؛ ثم “المدخلات” مثل الامكانات المادية والتعليمية والمناهج؛ كذلك هناك “عمليات التعليم والتعلم” نفسها مثل طرق التدريس وكيف تتم؛ واخير “متطلبات البيئة في منظومة التعليم وعوامل النجاح” وتشمل الاصلاح الفكري والمؤسسي والقانوني والسياسات العامة بما فيها القيم والقواعد المنظمة والعلاقات الادارية ومستويات الصلاحيات وجودة القرارات والبيئة المدرسية وغيرها.

بالاضافة الى منظومة القياس يتطلب الامر اجراء دراسة استقصائية ميدانية تقوم بها جهات محايدة بالاشتراك مع هيئة الجودة، على ان يؤخذ رأي مجتمع الاعمال واساتذة الجامعات وخبرات وطنية واولياء الامور والطلبة انفسهم بعد تخرجهم بسنوات محدودة. من شان عملية الاستقصاء ان تدعم منظومة القياس، وتعزز عناصر القياس الاربعة بمعلومات ميدانية مختلفة المصادر ومن ثم نشر النتائج للجمهور. هذه المعلومات الشاملة سوف تخدم مجلس التعليم العالي في وضع استراتيجية التعليم وتطويرها بما يتناسب مع الغايات والاهداف المجتمعية وتعزز ثقة المجتمع في نتائج التعليم.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *