نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. انتخاب عمدة لندن.. تجاوز ثقافي أم تسامح ديني؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :١٨ مايو ٢٠١٦


بقلم: د.محمد عيسى الكويتي

انتخاب عمدة لندن هو رسالة للدول العربية بان الانسان له قيمة حضارية ولا يهم قبيلته ولا عرقه ولا عقيدته الدينية.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13935/article/21615.html

أعلن حزب العمال البريطاني فوز مرشحه صادق خان برئاسة منصب عمدة لندن بعد معركة انتخابية اتسمت بتوظيف عناصر ثقافية والاختلاف الحضاري بين الإسلام والغرب. هل ما حدث هو تسامح ديني أم تفوق آيديولوجي أم علاقات شخصية؟ حزب العمال ينادي بالدولة الراعية والاهتمام بالفرد وحزب المحافظين ينادي بالدولة الصغيرة ومصالح رجال الاعمال، والاثنان يشتركان في انهما من نتاج الحضارة الغربية التي ترتكز على الديانة المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية وتؤمن بالديمقراطية والفردية وحقوق الانسان كآيديولوجية سياسية. القضايا التي تفصل المحافظين عن العمال في هذا الوقت البقاء في أو الخروج من الاتحاد الأوروبي. لكن القضايا المباشرة هي مواجهة مشاكل العاصمة التي يبلغ عدد سكانها 8.6 ملايين وارتفاع اسعار المساكن ووسائل النقل والتلوث.

أيا كانت القضايا الانتخابية فإن هناك دلالات مهمة يمكن ان نشير اليها للاستفادة منها في وطننا العربي الذي مازال يرفض التعددية، ويمجد الانتماء العرقي والديني على الانتماء الانساني لحضارة انسانية اكبر وأعم وأشمل. ما يحدث في العالم اليوم يشير إلى ابعد من صراع الحضارات التي وصل اليها صمويل هانتنجتون في كتابه «صدام الحضارات». انتخاب العمدة وانتخاب أوباما من قبله يجعلنا نبحث عن ملامح تحول عالمي نحو ثقافة انسانية تتجاوز الفوارق الثقافية والدينية وتؤمن بالمشتركات الانسانية من احترام انسانية الانسان وحقوقه التي حباها الله بها وحرمته منه بعض السلطات.

بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية مشتركات في كونهما يؤمنان بدين عالمي جامع يدعو الناس جميعا إلى اعتناقه وبذلك تزول الفوارق الطبقية والعرقية ولا افضلية لأحد على آخر إلا بالتقوى والتقرب إلى الله. وهذا المشترك هو كذلك اساس الصدام بين الإسلام والمسيحية في كونهما يريدان الانتشار في العالم تجسيدا لما تدعو اليه عقيدتهما من نشر الدين.

الحضارة الانسانية التي يبدو انها تتبلور الآن ويزداد عدد المنتمين إليها، وقد تستبدل الحضارات الاساسية القائمة، هي حضارة انسانية تعتبر الدين خيارا شخصيا وأن النسب والقرابة لا يجعلان الانسان أفضل. 
هذه الثقافة الانسانية الفردية التي يزداد المنتمون اليها سوف تقنع الاخرين بأن هذا هو السبيل الوحيد الذي تشير اليه حركة التاريخ. فمن صراع الأفراد في نفس العائلة إلى صراع العائلات إلى صراع العشائر في نفس القبيلة إلى صراع القبائل إلى صراع الثقافات والاديان والحضارات. وكلما ارتقى الانسان بكسر حدود المسافة والزمن وتقرب من الاخر ارتفع معه مستوى الخلافات بينه وبين المختلفين وتلاشت فرص الصدام بينه وبين المتماثلين. والتقارب الانساني قد يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة عوامل التقارب والمشتركات، ومع انتشار وسائل الدمار والفتك فإن دولا اكثر ستقتنع بأهمية تحويل الصراع من صدام مسلح إلى صراع فكري وأخلاقي وسياسي. سرعة هذا التحول وشموليته سوف تعتمد على قدرة المجتمعات على ايجاد وسيلة لمعالجة الصراع على السلطة والثروة وهذا ما تسير فيه الانسانية بعد ان اقتنعت شعوب كثيرة بالديمقراطية وبعبثية الصراع المسلح.

القضية الثانية التي يثيرها انتخاب صادق خان هي انه انسان مجتهد تمكن من خلال اجتهاده من الوصول إلى مناصب عالية لم يشفع له نسبه أو حسبه أو قربه البيولوجي أو المصلحي من الحاكم أو الرئيس. هذا الانسان الذي كان يحلم ان يكون طبيب اسنان اصبح عمدة مدينة من اعرق مدن العالم وعمره لم يتجاوز الخمسة والاربعين سنة. الطموح الذي ملأ قلب هذا الشاب لا نجده لدى شباب في مجتمعاتنا العربية التي تصر على المحسوبية والقرابة وتقتل الطموح. صادق خان والرئيس أوباما قبله يقدمان قدوة للأطفال في بلدانهم بأن يحلموا بمستقبل يتناسب مع طموحهم وقدراتهم، هذا ما نفتقده في عالمنا العربي.

المجتمع الذي يعترف بالكفاءة والاجتهاد ويكافئها بهذا الاسلوب هو المجتمع الذي يملك المستقبل. في السباق نحو المستقبل والتنافس في عالم تتناقص فيه الموارد فإنّ الموارد البشرية هي الثروة الحقيقية، وإدارة هذه الثروة تحتاج إلى كفاءات لا تأتي من خلال المحاباة والمحسوبية. وهكذا كانت الحضارة الصينية التي اسست قبل ألفي عام لانتقاء الكفاءات لوظائف الدولة وفق نظام اختبارات مفتوح وليس اختيار الاقارب.

القضية الثالثة التي اثارها انتخاب صادق خان هي الحوار المجتمعي المفتوح الذي دار على جميع المستويات والحرية التي تناولت بها الصحف القضية على انها رأي عام، هذا المناخ هو الذي أوصل امثال صادق خان إلى مناصب عليا في الدول الديمقراطية وهذا الحوار هو الذي اسس للابتكار وأطلق حرية الرأي وشكل القاعدة للتقدم العلمي والإنجاز الحضاري. هذا الحوار لا يعترف بثقافة التبجيل والتطبيل والاشادة لكل شيء تقوم به الدول أو يطرحه الحكام على انه صائب. بل كل قضية مفتوحة على مصراعيها للنقاش والحوار، ولا احد يدخل السجن بسبب رأي قاله. 
القضية الرابعة التي اثارها انتخاب صادق خان هي نظام التعليم الذي خرَّج امثاله، سواء من حيث جودة التعليم أو من حيث الاسس الثقافية التي يقوم عليها. في استبانة لأحد بيوت الخبرة شملت الوطن العربي اتضح انه من الصعب الحصول على مرشحين لمناصب في القطاع الخاص بسبب ضعف عنصر التفكير الابداعي والتفكير الناقد وحل المشاكل. نظام التعليم لدينا لا ينمي هذه القدرات. مطلوب نظام تعليم يشجع الانتقاد المفتوح من دون قيود سياسية ولا يضع تحفظات على مناقشة قضايا المجتمع، ولا محظورات أو خطوط حمراء. هذا التعليم هو القادر على خلق كوادر المستقبل. هكذا تنمو الدول وتدخل عصر الحضارة الانسانية، هكذا كانت الحضارة الإسلامية في بدايتها حيث لم يكن هناك فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، وهكذا هي الدول التي تسعى إلى دخول الحضارة الانسانية المقبلة.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *