انتهى عرس انتخابات الغرفة– ماذا بعد؟
انتهت انتخابات الغرفة للدورة 29 بفوز ثمانية عشر من بين 75 مرشح تقدم للانتخاب. اتسمت هذه الانتخابات بترشح نسبة كبيرة من الشباب ومزيج من ذوي الخبرة والممارسة الطويلة. كما اتسمت بتركيزها على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة واعتبارها عمود الاقتصاد، وضرورة استخدام التقنيات الحديثة في التواصل مع التجار وفي توفير المعلومات ونتائج الدراسات والبحوث للاعضاء. لكن العامل الابرز كان التركيز على المشاركة في صنع القرار الاقتصادي مع السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.
اليوم ومع التحولات الاقتصادية التي تجتاح المنطقة فان قضية الشراكة في القرار اصبحت هي الوسيلة لتفادي الصدام بين السلطات وبين الغرفة والدخول في تراجع عن قرارات تضر بالاتزان وتزعزع ثقة التاجر والمواطن وجميع اللاعبين. في تصريح لوزير التجارة والصناعة والسياحة يقول بان الغرفة هي شريك استراتيجي في نمو الاقتصاد الوطني وان الغرفة هي همزة الوصل بين الشارع التجاري والصناعي وبين الحكومة. السؤال الذي نطرحه هو الى اي حد ستتمكن هذه الادارة من تحويل الغرفة الى شريك مؤثر في صنع القرار وان تكون ممثلا حقيقيا لاعضائها وتحقيق طموحاتهم؟ وماهي الالية التي سوف تستخدم لتحقيق هذه الشراكة ومدى التأثير الممكن للغرفة في صناعة القرار؟
اهم المشاكل التي وردت على لسان اكثر من مرشح هي ان الغرفة لم تعد تمثل الشارع التجاري. غياب دور الغرفة في صنع القرار الاقتصادي وما يتعلق بالرسوم والضرائب لم تكن الغرفة طرفا فاعلا فيها. لذلك فان الغرفة تحت القيادة الجديدة امامها تحدٍ في خلق توازن لانعاش السوق، توازن بين مصالح التجار والعجز في الميزانية.
اثناء الحملة الانتخابية اتضح ان معظم التصريحات تصب في ان تستعيد الغرفة دورها ومكانتها في قيادة البيئة الاقتصادية، فما هو تعريفها للبيئة الاقتصادية؟. هذا الدور سوف يقع بالدرجة الاولى على كتلة “تجار 2018” كونها فازت بعشرة مقاعد من اصل 18 مقعدا تؤهلها لتنفيذ برنامجها الانتخابي. لذلك سوف نلقي نظرة الى هذا البرنامج ونحاون ان نستشف من خلاله هيكلية هذا البرنامج.
نستشف مما هو منشور ان كتلة تجار وضعت برنامج يبدو متكاملا من حيث الهيكل فهو يحتوى على رسالة واضحة ورؤية ومبادرات استراتيجية واهداف. رسالة الكتلة خلال الاربع سنوات القادمة هي “ان تتحول غرفة تجارة وصناعة البحرين من مُقدم خدمات الى منصة تخدم رجال الاعمال بشكل احترافي تنقلهم الى الاقليمية والدولية”. ورؤيتها تتمثل في: “ان تكون الغرفة شريك فاعل في اتخاذ القرار الاقتصادي مع الحكومة والسلطة التشريعية والمؤسسات المهنية وممثل حقيقي لاعضائها”. وهناك ثلاثة اهادف استراتيجية هي دعم الاقتصاد الوطني، وتخفيف الاعباء على التجار، وفتح افاق جديدة لهم. هذا الانتقال يعتمد خمسة مسارات اهمها وضع التشريعات لمعالجة المعوقات؛ اعادة تأهيل الاسواق ليتناسب مع الانفتاح العلمي والتقني؛ تنويع مصادر الدخل من خلال جذب رؤوس الاموال؛ والعمل على تعزيز مكانة الغرفة وجعل المؤسسات المهنية شريكا استراتيجيا لها؛ وتقييم العمل الداخلي للغرفة. هذه المسارات تغطي بعض الجوانب الهامة غير انها تحتاج الى اكمال من حيث الموارد المتاحة ومن حيث مقدار التعاون مع الجمعيات المهنية ومداه.
في جميع المقابلات والاعلانات هناك تركيز كبير على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ونامل الا يكون ذلك مجرد وعود انتخابية كون هذه الفئة تمثل نسبة كبيرة من الاصوات، وهذه الوعود هي فقط لجذب اصواتهم. النقطة الاخرى التي حضيت بتاكيد كثير من المرشحين هي اعادة هيكلة عمل الغرفة بهدف تنشيط وتفعيل مجتمع الاعمال والقطاع التجاري، وتنشيط عمل اللجان المشتركة، والعمل على غربلة التشريعات والنظام الاساسي واعادة تفعيل اللوائح الداخلية. واعطاء نوع من الاستقلالية للغرفة وفك القيود عن عملها بشكل عام.
قد يكون من اهم ما ورد في استراتيجية الكتلة هو تأسيس مركز للدراسات والبحوث لمراقبة اداء السوق التجاري وجميع القطاعات وتوفير نتائج الابحاث للتجار لتساعدهم على اتخاذ قرارات مبنية على معلومات دقيقة، ومساعدة ادارة الغرفة في دراسة اي قرارات تصدر بشان الرسوم التي تفرض على مؤسسات القطاع الخاص وتقديم توصيات فيها. نأمل ان يساهم المركز في خلق نقاش ومداولات حول الوضع الاقتصادي.
ان اهم ما تحتاجه الغرفة اليوم هو الاسراع في سن قانون الحق في الحصول على المعلومات. هذا القانون الذي بقي في ادراج السلطة التشريعية سنوات يحاتاج الى اخراج الى حيز الوجود. كون الغرفة تسعى الى انشاء مركز ابحاث وتطوير في القطاع التجاري والصناعي فان ذلك سوف يتطلب توفر معلومات موثوقة. في الوقت الحاضر هذه المعلومات غير متوفرة او غير متاحة للمواطن وللمؤسسات المدنية.
كذلك من الامور الهامة هي العمل على تعريف المناخ الملائم للاستثمار الاجنبي والمناخ الملائم لتنمية الاقتصاد، وهل نمتلك مثل هذا المناخ وماهي النواقص من اجراءات وتشريعات ومؤسسات. من اهم هذه النواقص او معوقات التنمية الاقتصادية هي التعليم الفني بالدرجة الاولى والتعليم العام والجامعي. كيف ستتعامل الغرفة مع مثل هذه المعوقات للتنمية الاقتصادية والتي وردت في صلب استراتيجيتها؟
هذه الاستراتيجية مهمة لتوضيح الطريق امام قيادة الغرفة الجديدة لكي تسير وفق خطوات واضحة. لكن إحداث التغيير الذي تراه قيادة الغرفة يحتاج الى مساعدة كبيرة على المستوى السياسي. وهذا يحتاج الى عمل سياسي منظم بالتنسيق مع الحكومة ومجلس النواب والعمل معه لتقوية المجلس ليكون لها عون في سن التشريعات التي تقوي القطاع التجاري والتأكيد على مبدأ المنافسة في كل جوانب الحياة الاقتصادية والادارية ومحاربة الفساد والتجاوزات الادارية التي تضر بالسوق. كذلك يحتاج الى منصة لفتح حوار شامل حول الوضع الاقتصادي وسبل المعالجة.
امام مجلس الادارة الان اخذ موقف محدد في قضية الضرائب التي تتناسب والوضع الاقتصادي الحالي وكيف تعالج موضوع العجزر والدين العام وتدني التقييم الائتماني. هذا الموقف ياتي في صلب قضية المشاركة في القرار. المشاركة التي تعني بالدرجة الاولى ان يتحمل اعباء العجوزات في الميزانية المقتدرين من المواطنين والطبقة العليا. مطلوب موقف يراعي المواطن محدود الدخل والتاجر الصغير. هذا يعني ان تتحمل طبقة التجار والميسورين الجزء الاكبر من الضرائب في شكل ضرائب دخل وضرائب ثروة توجه نحو معالجة العجز في الميزانية والدين العام، هذا كذلك يعني رفض الرسوم التي يتحملها صغار التجار ومحدودي الدخل. وحتاما فان الوقت قد حان لان تضع الحكومة ثقتها في الشارع التجاري وفي المواطن ومشاركتهم في القرار.