نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. اهمية الديموقراطية في التنمية المستدامة 

تاريخ النشر : 20 مارس  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

حتى مطلع الثمانينات كانت الاداة المستخدمة في قياس اداء الشركات او المؤسسات هي المعايير المالية واهم هذه المعايير هي نسبة زيادة قيمة الاسهم والربحية. هذا التوجه كان يهتم بالنتائج اكثر من اهتمامه بالاساليب التي ادت الى هذه النتائج. وفي عام 1982 صدر كتاب “البحث عن التميز” من تاليف “تومس بيترز و روبرت واترمن” شرح قصة نجاح 13 شركة من كبار الشركات العالمية وما حققته من نمو. ولكن بعد خمس سنوات من صدور هذا الكتاب تعثر اكثر من نصف هذه الشركات التي كانت محل اعجاب مجتمع المال والاعمال واغلقت ابوابها. 

في نفس الفترة اجتاح العالم نجاح الصناعة اليابانية وبدى الغرب حائرا في اسباب هذه النجاحات واجريت العديد من الدراسات لفهم هذه الظاهرة والكشف عن اسبابها. خلصت معظم هذه الدراسات الى ان اهم اسباب نجاح الشركات الصناعة اليابانية هو تركيزها على الوسائل وليس على النتائج، اي تركيزها على عمليات الانتاج والانسان الذي يقف خلفها وليس على تحسين المنتج النهائي فقط. اي انها كانت تتابع وسائل الانتاج وتدقق في علمياته وكيفية تطويرها ورفع كفاءتها مستخدمة في ذلك خبرة العمال والمهندسين بتقديم مقترحاتهم من خلال حلقات نقاش حول قضايا الجودة وتحسين عمليات الانتاج. واخضاع هذه المقترحات  للتحليل والدراسة واستخلاص العبر منها واجراء التعديلات في عمليات الانتاج والمنتج وفق هذه المقترحات. 

هذا الاهتمام بالعامل (المواطن) وافساح المجال له للمشاركة في تحسين عمليات الانتاج كانت حجر الاساس في الثورة اليابانية. فهذه المشاركة مكنت المؤسسة من الوصول الى جذور المشاكل دون ان يكون هناك تحديد على نوع الاسئلة التي تطرح والمقترحات التي تقدم والمقالات التي تكتب. اي انها مارست الديموقراطية بكل شفافية وحرية في التعبير عن ما يراه العامل اسباب للمشاكل التي تواجه الانتاج والمنتج.

ونتيجة للدراسات التي قامت بها مؤسسات غربية تم التوصل الى مفاهيم ادارية غيرت علم الادارة نذكر منها اولا مفهوم الهندسة الادارية (ميكل همر، 1993) والذي ركز على تحسين عمليات الانتاج وتخليصها من الانشطة الغير منتجة ثانيا ان قياس اداء المؤسسات اصبح اداة ادارية واستراتيجية فعالة، ثالثا اهمية ان لا يركز قياس الاداء على النتائج فقط في تقييم المؤسسات حيث انه يعكس اداء المؤسسة في الماضي وليس ما ستكون عليه في المستقبل. وخلصت الدراسات على ضرورة ان يشمل التقييم قضايا واوجه اخرى حددتها الدراسات في ضرورة وجود رسالة ورؤية للمؤسسة يُجمع عليها القائمون على المؤسسة وتُترجم في اربع حِزم من المؤشرات اولها يتعلق بالجانب المالي، والثاني يتعلق بمتطلبات الزبون او المستفيد من الخدمات (في حالة القطاع العام)، والثالث يتعلق بعمليات الانتاج من كفاءة وفعالية وجودة ونزاهة، والرابع يتعلق بالانسان والموارد والانظمة والقوانين وتطوير كل منها (كابلان ونورتن 1996). 

تقوم هذه المفاهيم للاداء على نظرية مفادها ان النتائج المالية او غيرها لا تتحقق الا من خلال ارضاء الزبون (او المواطن في حالة القطاع العام)، وان ارضاء الزبون او الموطن يحتاج الى عمليات انتاج فاعلة وعلى كفاءة عالية وجودة ونزاهة مناسبة لتوفير المنتج او الخدمة او السياسات التي يمكن الاعتماد عليها في تحسين الانتاج (تحسين نوعية الحياة بالنسبة للقطاع العام)، ورابعا ان عمليات الانتاج لن تتمكن من ذلك مالم تتوافر لها انظمة وقوانين ومنظومة من القيم المؤسسية تراعي متطلبات واحتياجات العامل والمتعامل مع النظام وتؤسس لادارة الموارد المالية والمعلوماتية والبشرية. وان تكون هذه القيم والقوانين والسياسات قائمة على اسس من العدالة والمساواة بين الموظفين تراعي مصالح العاملين ومصالح المؤسسة ومصالح المتعاملين والمستفيدين وفتح الفرص امام الجميع للمساهمة في تحسين وسائل الانتاج وتحقيق النتائج المرجوة.

هذا النوع من التعاطي مع عمل المؤسسات، سواء كانت مؤسسات ربحية او عامة او دولة، يقوم على اولا ان بلوغ الرؤية والرسالة للمؤسسة يعتمد في المحصلة النهائية على نوعية السياسات والقيم وادارة الموارد ووسائل الانتاج المتبعة. وثانيا ان متابعة ذلك يتم وفق نوعين من المؤشرات. مؤشرات تدلل على مستقبل المؤسسة وهي الاهم ومؤشرات تدلل على ماضي المؤسسة. والمؤشرات المالية التي كانت سائدة قبل التسعينات تدلل على ماضي المؤسسة مثل بعض المؤشرات الاقتصادية التي تستخدمها الدول اليوم مثل زيادة الناتج القومي الاجمالي ومتوسط الدخل ماهي الا محصلة لعمليات تمت في الماضي، ولا تضمن استمرارها في المستقبل كما اظهرت الازمة المالية الحالية. 

من هنا تاتي أهمية المؤشرات التي تعطي دلالات على الاداء المستقبلي والتي يعتمد عليها بقاء المؤسسة اوالدولة اوالامة ونماءها. يندرج تحت هذا النوع من المؤشرات كل مايتعلق بالقيم التي تلتزم بها القيادات في المؤسسة والسياسات والقوانين والانظمة النابعة منها والعمليات التي تتم وفق مقتضياتها. وبالنسبة للدول فان هذه المؤشرات هي كل ما يتعلق بادارة الموارد البشرية وتطوير قدراتها، وكل ما يتعلق بادارة المعلومات والمعرفة وكيفية الاستفادة منها للانتاج والتنمية البشرية، وكل ما يتعلق بادارة الثروة وكيفية تطويعها لخدمة التنمية المستدامة المستقبلية بعيدا عن البذخ والاسراف. والدول العربية التي لا تبرع في ذلك قد تلاقي نفس مصير الشركات التي كانت في المقدمة ثم اضمحلت. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *