- برنامج الحكومة ماذا سيعالج.. وكيف؟
تاريخ النشر :١٤ يناير ٢٠١٥
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
برنامج الحكومة يخلو من أي التزام حكومي بالتنفيذ، في مجمله انشائي يقدم وعود غير محددة بمدد ولا جدول زمني ولا كيفية تحقيقها.
يتسم هذا الفصل التشريعي بتدشين صلاحية إضافية لمجلس النواب (التعديلات الدستورية في 2012) تتمثل في قبول أو رفض برنامج الحكومة. هذه الصلاحية الناتجة من تطلعات الشعب البحريني تلقي على مجلس النواب والحكومة مسئوليات جديدة ومحددة. على الحكومة ان تقدم برنامجا ينقل المجتمع من حالة إلى أخرى في جوانب محددة ومعلومة وقابلة للقياس والمساءلة، وعلى مجلس النواب مسئولية التأكد من ان الحكومة تقدم برنامجا يستطيع ان يحدث هذه النقلة نحو الرؤية المشتركة للمجتمع نحو مجتمع أفضل.
لذلك اول ما يتبادر إلى الذهن هو الاتفاق على طبيعة هذه النقلة ومواصفاتها ورسم صورة للبحرين بعد أربع سنوات يمكن مقارنتها بموضوعية مع البحرين اليوم. لإجراء مثل هذه المقارنة بين اليوم والغد لا بد من وجود معايير ومحددات قابلة للقياس والتقييم ومخصصات مالية للتنفيذ بحيث لا تكون مثار جدل ونزاع. في محاولة لرسم صورة لما يراد للبحرين ان تكون عليه بعد أربع سنوات نبدأ بخطاب جلالة الملك الذي افتتح به المجلس النيابي في دورته الحالية.
في افتتاح المجلس الوطني حدد جلالة الملك في خطابه عناصر معينة تحدد الخطوط العريضة لبرنامج الحكومة تمثلت في: أولا: تحقيق التنمية المستدامة، وتطوير الاقتصاد الوطني والدفع به إلى مزيد من التقدم والنماء وأن يكون الاقتصاد أكثر ثباتا وبقاء وقدرة على مواجهة الازمات الاقتصادية التي يمر بها العالم.
ثانيا: التطوير النوعي للتعليم والصحة اللذين يشكلان الدعامة الأساسية للتنمية البشرية، ثالثا: استكمال انجاز المشروع الإسكاني لبناء 40 ألف وحدة سكنية في المدة المحددة له وتطوير باقي الخدمات العامة. كما أشار جلالته إلى التنمية البشرية المستدامة لتكون غاية برنامج الحكومة الحالي وبرامجها اللاحقة. رابعا: التكامل الخليجي وتعزيز القدرات الأمنية الداخلية والخارجية.
برنامج الحكومة يجب ان يعكس أدوار الحكومة الثلاثة: الأداء الاقتصادي والتنمية، تقديم الخدمات، والامن للجميع. ولتغطية ذلك رسم سمو رئيس الوزراء صورة مستقبلية عنونتها الحكومة «نحو مجتمع العدل والامن والرفاه»، وضعت الحكومة تفاصيل ذلك في ستة محاور هي المحور السيادي والمحور الاقتصادي والمالي، ومحور التنمية البشرية والخدمات الاجتماعية ومحور البنية التحتية ومحور البيئة والتنمية الحضرية ومحور الأداء الحكومي.
أصبح البرنامج الآن في يد النواب وعليهم الإجابة خلال عشرة أيام (بتاريخ 17 يناير) بالقبول أو الرفض. وبعد القبول يقوم المجلس باختبار جدية البرنامج من خلال ما يرصد له من ميزانيات واقعية. في الواقع نرى ان مهمة النواب صعبة في تقييم مثل هذا البرنامج الذي لم يحدد بعد التزامات بأرقام أو مؤشرات. والسؤال كيف يمكن التحقق من تحقيق رؤية جلالة الملك والصورة التي رسمها سمو رئيس الوزراء وتطلعات المجتمع والمواطن التي برزت في بيانات النقابات والغرفة التجارية وفي برامج النواب الانتخابية؟
فمثلا لو أخذنا المحور الاقتصادي والمالي نجد انه يحدد أولوية ترسيخ اقتصاد قوي ومتنوع ونظام مالي ونقدي مستقر. والسؤال: كيف سيتحقق ذلك؟ هناك إشارة إلى سياسات ومبادرات وإجراءات لتحقيق ذلك، بينما في البرنامج لم تُذكر السياسة الاقتصادية التي ستتبعها باستثناء الحديث عن تحقيق معدلات نمو اقتصادي مستدام من خلال التعاون مع القطاع الخاص، أين سيكون التعاون وفي أي المجالات وما هي المشاريع الاستثمارية المشتركة؟ كذلك تحدث عن زيادة الابتكار من دون بيان كيف سيتم ذلك في ضوء الحديث المتكرر من الحكومة حول زيادة الابتكار. والاهم من المسئول في حالة عدم تحقق ذلك؟
لم يقدم بيان الحكومة أي تعريف وتحديد رقمي لأي من المفاهيم التي استخدمتها وكيف سيتم تقييم التقدم في هذه المفاهيم. فمثلا يتحدث البرنامج عن زيادة الإنتاجية. ما هو تعريف هذا المفهوم وأين نحن اليوم وكيف سيتمكن المجلس من التحقق من زيادة الإنتاجية او زيادة الابتكار؟ كما ان زيادة النمو الاقتصادي وحده لا تكفي، كم نسبة الفقر والبطالة وكيف ستعالج وأين ستصل؟ نرى ان هذا لن يتحقق من دون وضع سياسات واضحة واستراتيجيات محددة ومؤشرات قياس ومخصصات مالية.
استباقا لذلك قدمت الحكومة في مؤتمرها الصحفي تبريرا لأسباب خلو البرنامج من أي التزام بأرقام، باستثناء بناء 20 ألف وحدة سكنية خلال أربع سنوات. ولم يذكر البرنامج أي شيء عن معالجة شاملة لمشكلة الإسكان وتقليص فترة الانتظار. تَعِد الحكومة بأن الأرقام سوف تكون موجودة في ميزانية الحكومة. لكن هذا لا يساعد النواب الذين عليهم ان يجيبوا خلال عشرة أيام بالقبول أو الرفض. بدون وجود ميزانية مرافقة للبرنامج فإن القضية بالنسبة للنواب قد تكون صعبة.
من المفترض ان يكون هذا البرنامج خاضعا لرقابة برلمانية ورقابة مجتمعية لذلك لا بد من طرح السؤال: كيف يمكن للمجلس والمجتمع ان يقيم هذا البرنامج من دون ان تتوافر له التزامات من الدولة في صيغة مؤشرات والتزامات مالية. فمثلا الصورة التي رسمها جلالة الملك وتضمنها برنامج الحكومة والمتمثلة في تنويع مصادر الدخل، مثل هذا الوعد تم طرحه أكثر من مرة وفي مناسبات عدة فكيف ستتمكن الدولة هذه المرة من تحقيق تقدم فيه وما هي سياستها وخطتها لذلك وما هي التكلفة؟ فكيف ستقنع المجلس والمجتمع بهذه الخطة من دون وجود توجهات واضحة ومحددة باعتمادات مالية؟ وفي ضوء ما تطلبه الحكومة من المرونة والواقعية في التطبيق يتضح ان هناك متغيرات كثيرة قد تجعل الأربع سنوات القادمة مازالت مفتوحة على احتمالات أخرى.