نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. برنامج الحكومة والخطط العملية لتنفيذه

  تاريخ النشر :١١ مارس ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- خطة تنفيذ برنامج الحكومة تحتاج الى خلق أجهزة في مؤسسة رئاسة الوزراء تكون مسئولة عن كل أولوية وهدف.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13501/article/11108.html

بعد إقرار برنامج الحكومة كلف سمو رئيس الوزراء الجهات الحكومية بإعداد الخطط التنفيذية لتحقيق ما تم التوافق عليه مع مجلس النواب وكذلك آلية لمتابعة العمل أولا بأول من خلال منظومة متابعة متكاملة. فكيف سيتم ذلك؟

 يشكل برنامج الحكومة تحديا جديدا يتطلب تنفيذه تغييرا فكريا ومنهجيا وسلوكيا يتمثل في كيفية الإعداد له والتعامل مع الالتزامات التي يفرضها البرنامج والعلاقات التي تسهم في تنفيذه. يدرك المسئولون أهمية ذلك من خلال تصريحات مثل «البرنامج يتطلب تشريعات جديدة ومصادر لتمويله متعددة أحدها الميزانية». لن ندخل في ما هي المصادر المتعددة ولكن نرى أن أحدها يجب ان يكون تنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الاقتصادية وإعادة هيكلتها. بالإضافة إلى ما يمكن توفيره من معالجة التجاوزات والمخالفات الواردة في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية واعتماد الشفافية في إيرادات الدولة. فأي توفير سواء في الهدر أو جعل العمل الحكومي أكثر فعالية وكفاءة واقتصادية هو يصب في مصلحة تنفيذ برنامج الحكومة.

 بالنظر إلى الأولويات الستة الواردة في البرنامج يتضح أن أيا من هذه الأولويات هي أكبر بكثير من أي وزارة. الأولوية الثانية مثلا تطرح قضية «ترسيخ اقتصاد قوي ومتنوع ونظام مالي ونقدي مستقر». تنبثق عن هذه الأولوية أهداف كبرى مثل «خلق بيئة تنظيمية مواتية للأنشطة الصناعية والتجارية». والسؤال: من سيكون مسئولا عن تحقيق هذه الأهداف مثل «تنويع مصادر الدخل» وتلك الأولوية؟ لذلك نرى ان صدور البرنامج ينبغي ان يكون فرصة لإدخال فكر إداري جديد لتقوية المؤسسات التنفيذية بخلق تنظيمات فيها تتناسب مع البرنامج لكيلا يأتي عام 2018 ونكتشف ان ما تحقق اقل من التوقعات.

 التغيير المطلوب يستند إلى مبدأين، المبدأ الاول هو الحاجة إلى تحول فكري يعتمد الشمولية في التفكير والتكامل في العمل، والمبدأ الثاني ان الاستراتيجية تفرض التنظيم اللازم لتطبيقها. وفيما يتعلق بالتحول الفكري، فالمطلوب اعتماد فكر منظومي يستند إلى اعتبار الحكومة على انها منظومة واحدة تعمل من اجل غاية وأولويات وأهداف، وأنها مطالبة بتحقيق مخرجات ونتائج من خلال عمليات متكاملة تستخدم مدخلات تتألف من موارد وتمويل ومعرفة ومعلومات. وفي عمليات التحويل هذه فإنها تخضع لضوابط وضعها المجتمع ونظام الحكم مثل الدستور والقيم المجتمعية والتشريعات، كما تخضع لبيئة داخلية وخارجية التي تعمل ضمنها. 

 هذا النوع من الفكر المنظومي يشمل جهاز سيطرة مركزيا قويا تتوفر له مقومات اتخاذ القرارات في توزيع العمل بما يحقق الأهداف، ويتخذ القرارات في حالة الانحراف عن الأهداف أو القصور في تحقيقها، وتقويم بعض السلوكيات السائدة في الحكومة فيما يتعلق بتداول المعلومات. اعتماد هذا النمط من التفكير سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى جعل الوزارات والهيئات تتصرف على انها جزء من الحكومة مسئولة عن برنامجها ككل وأولوياتها وأهدافها وليست وزارة تربية مثلا تعمل على «تحسين جودة التعليم» أو وزارة تقدم خدمة معينة للمواطنين.

 تكريس هذا الفكر يحتاج إلى تقوية المؤسسة التنفيذية بحيث تكون المحرك للعمل والتخطيط وتكون الجهة التي تجمع ما تنتجه كل وزارة بحسب اختصاصها وتضعه في سياق ليكتمل به تنفيذ الأولوية والأهداف. هذا النوع من العمل ينبغي ان يقوم على مفهوم ان الحكومة ليست مجرد مجموعة من الوزارات والهيئات يعمل كل منها للقيام بواجباتها. الامر يحتاج إلى أكثر من القيام بالواجب لتحقيق الأهداف. يقول احد كبار الإداريين (مايكل همر، 1990) ومؤسس مفهوم إعادة هندسة العمليات «الفشل لا يحتاج إلى اكثر من قيام كل واحد بواجبه».

 إشاعة هذا الفكر في الحكومة لن يكون سهلا بعد ان تمرست الوزارات في ثقافة التنافس فيما بينها وبعد ان تأصل التفكير التجزيئي الذي يعتبر الوزارة مسئولة عن تقديم خدمة محددة فقط، وبعد ان انتشرت ثقافة الحذر. لكن نرى ان البرنامج يوفر هذه الفرصة للتغيير. لا نريد ان يحل عام 2018 ونسأل ماذا تحقق؟ بل نريد ان نرى نتائج في كل الأولويات والمحاور والاهداف. إعادة التنظيم المطلوب يبدأ بطرح السؤال: كيف تتحقق الأولوية أو الهدف ومن المسئول عنها وكيف سنعرف انها تحققت وكيف نتابع التقدم فيها؟ على ان يتم طرح السؤال على جميع المستويات الحكومية.

 طرح هذا التساؤل سوف يعالج الكثير من القضايا التنظيمية والثقافية التي قد تعرقل مساعي الحكومة في تحقيق أهداف البرنامج. فيما يتعلق بإعادة التنظيم فإن طرح السؤال يقود إلى تعيين مسئول عن كل أولوية، وإيجاد جهاز تخطيط على مستوى رئاسة الوزراء يساعد الجميع نحو تحقيق الأهداف، وآلية مناسبة لمتابعة النتائج ونشر المعلومات. هذا النوع من التنظيم الأفقي لا يحتاج إلى زيادة في الكوادر وأعباء مالية إضافية بل يمكن استغلال الموجود من الكوادر في أجهزة الدولة. المهم في الامر تحديد المسئولية على مستوى المؤسسة التنفيذية وتشكيل فرق عمل على هذا المستوى تشترك فيها الوزارات وتتحمل المسئولية والتخطيط والتنسيق المشترك. مثل هذا التنظيم الأفقي له وظيفة إضافية سلوكية تتمثل في صهر الوزارات في فرق عمل يشعرها بالمسئولية عن البرنامج ككل وليس ما تقدمه كل وزارة من خدمات فقط. وستساهم ثقافة المساءلة على النتائج في تقليل المخالفات الواردة في تقارير ديوان الرقابة المالية، وستساعد في تخفيف حالة التنافسية بين الوزارات ويسهل التعاون وتبادل البيانات والمعلومات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *