نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بناء رأس المال البشري .. ماذا عن رأس المال الاجتماعي؟

ونحن في صدد عملية تحول من دولة ريعية تعتمد على النفط وعلى ايراداته ليتم توزيعها بنسب متفاوتة وتمويل الدولة لتقديم الخدمات مثل التعليم والصحة وغيرها، الواجب تقديمها لتامين عيش كريم مزدهر وان كان بدرجات متفاوتة. هذا التحول سوف يعتمد على عوامل عديدة منها نوعية الانسان البحريني الذي سيقود عملية التحول وثانيا نوعية المجتمع الذي نطمح له ليقدم الدعم والمساندة فيه وثالثا نوعية الدولة التي نحتاج لإدارة عملية التحول. 

طريق عملية التحول هذه طويل وشاق ويتطلب الكثير من الجهد والعمل والتوافق المجتمعي على أسس ومقومات الحياة المستقرة لتربية الجيل القادم واطلاق قدراته وامكاناته وطاقاته ليقوم بالبناء والتطوير في مختلف المجالات. هذا البناء لا يقوم على افراد بقدر ما يقوم على المجتمع ككل وعلى قدراته وامكاناته وابداعاته وعلى مؤسساته (من قوانين وتقاليد وعادات وأسلوب عمل) وعلى الكيانات التي تنشئها والمحفزات او المعوقات التي تخلقها هذه المؤسسات في المجتمع. 

صحيح ان المجتمع يتكون من افراد تحتاج الى تنمية طاقاتها وقدراتها ولكن في المحصلة النهائية فان العمل المنفرد غير ممكن ولا يقود الى التنمية والازدهار ولا بد من التنظيم المجتمعي وخلق البيئة التي تزدهر فيها هذه الطاقات والقدرات. وهذا سيكون مهمة المجتمع ككل ومهمة الدولة ومهمة القيادات على مختلف مستوياتها. أي ان طاقات الفرد وقدراته مهما كانت لا تعوض عن البيئة الصالحة التي يخلقها المجتمع والدولة ولا يمكن لطاقات الفرد ان تخلق التنمية والازدهار في بيئة غير مواتية، بالضبط مثل الشجرة التي تحتاج الى التربة والماء والشمس لكي تثمر، حتى وان كانت النبتة في الأصل قوية فان وضعها في تربة غير صالحة سوف يخنق نموها ويوقف تقدمها.

هناك جهود تبذلها اليوم بعض المؤسسات مثل تمكين ومجلس التنمية الاقتصادية على سبيل المثال. ففي أسبوع البحرين للتكنولوجيا استقطب خبراء الابتكار الرقمي في الخليج والعالم، كما أعلنت عن إطلاق برنامج “دعم الأعمال المبتكرة” الذي يهدف إلى دعم الشركات الناشئة ماليا لتطوير وتصميم واختبار المنتج الأولي.

ومن جهته يقوم مجلس التنمية الاقتصادية بدور مهم في عملية التحول الرقمي، وكما ورد على لسان العضو المنتدب د. سايمون غالبين، بان الاقتصاد الرقمي سوف يلعب دورا حيويا في مستقبل المنطقة وفي خلق نوع جديد من الشركات ونوع جديد من فرص العمل التي تحتاج الى تعليم وتأهيل مختلفين. كما ستحتاج الى نوعية جديدة من رجال الاعمال والرياديين والابتكاريين والمبدعين والمخاطرين يفرضه منطق وتقنيات الثورة الرابعة التي نعيشها والمراحل التي سبقت في التحول الصناعي والتكنولوجي والثقافي والاجتماعي. خصوصا وان المعلومات لا تدعم الفرضية ان الثورة الرابعة سوف تقضي على فرص العمل، بل سوف تخلق فرص تحتاج الى تدريب وتخصصات في التكنولوجيا الحديثة وفي الرقمنة والابتكار والابداع والبحث العلمي. أي انها سوف تغير نوعية التعليم والتدريب والعلاقات في المجتمع.

هذه التطورات في تكنولوجيا العصر والثورة الرابعة المصاحبة له تتطلب بناء البيئة المناسبة التي تمكن الشباب والمجتمع من القدرة على استغلال هذه الفرص لخلق حركة تنمية مستدامة وعادلة تقوم على هذه التقنيات. فهل نحن مستعدون كمجتمع وكدولة وكافراد للاستفادة من الفرص المتاحة؟ وماذا يعني هذا الاستعداد؟

في تقرير جديد استحدثه البنك الدولي وهو مؤشر رأس المال البشري (المؤدي الى بيئة مناسبة لتشجيع الابتكار-الابداع). الرسالة التي يوجهها هذا المؤشر المستحدث هي ان الاستثمار يجب ان يكون في الناس من اجل الناس، واعتبره البنك على انه مشروع للعالم يعمل على احداث اثر في الفرد وفي المجتمع وفي الدولة. هذه الاثار التي نحتاج الى خلقها من خلال الاستثمار في الانسان هي الغاية التي نسعى اليها كمجتمع متحضر ديمقراطي عادل. الاستثمارات التي نريد هي تلك التي تستهدف وتحفز خلق اثر إيجابي اجتماعي واقتصادي وبيئي بالإضافة الى الاثر المالي. وان يكون الاستثمار أداة محفزة للفرد والمجتمع على التأثير. أي احداث التوافق بين العائد المالي وبين تحقيق التوازن البيئي والمجتمعي وفق اهداف التنمية المستدامة واضيف عليها “العادلة”. 

المشروع حسب رئيس البنك الدولي (جيم يونج كيم) يسعى الى تحقيق هدفين: أولا انهاء الفقر المدقع بحلول 2030، وثانيا تعزيز المشاركة في الازدهار لأربعين في الماءة من الشرائح الضعيفة في الدول النامية. فماذا يعني لنا هذا المشروع ونحن مقبلون على مشاركة العالم هذا التحول؟ 

يؤكد وزير المالية دعم المشروع ويرى ان الاستثمار في رأس المال البشري هو اهم متطلبات نجاح أي نموذج اقتصادي واجتماعي (وثقافي وسياسي). وهذا على حد قوله يتطلب استثمارات في رعاية صحية وتعليم عاليا الجودة، وتعلم نوعي مستمر. غير ان كلام الوزير يقف على ذكر عنصرين فقط، التعليم والصحة. بينما المؤشر يتحدث عن ما هو اعمق من ذلك فيشمل الجوانب الإنسانية الأخرى التي تؤثر في الإنتاجية وتشكل رأس المال البشرية. أي ان المشروع يربط التعليم والصحة بمدى مساهمتهما في رفع الإنتاجية. هذا لا يتم تلقائيا وانما يعتمد على نوعية وجودة السياسات التي تنتهجها الدولة، وكذلك على جودة المشاركة الفاعلة في صنع هذه السياسات ومدى حيوية المجتمع وتنظيمه وقدرته على المشاركة في صنع القرار ووضع السياسات. أي ان رأس المال البشري يحتاج الى رأس مال مجتمعي يدعمه ويعززه ويخلق البيئة المناسبة لازدهاره. العبرة اذا ليس في اختلاف التقنيات التي أصبحت محرك الاقتصاد ولكنها في الانسان. والتقييم يعني الى أي حد تهتم الدول بمواطنيها ومجتمعاتها؟

هذا المؤشر سوف يصبح أداة للمساءلة والمحاسبة على حسن استخدام الموارد في التنمية، وجودة الحوكمة في إدارة المجتمع، وطرح الأسئلة على المسئولين. سوف يحتاج المؤشر الى بيئة متطورة يزدهر فيها المواطن والمجتمع، وتحفز الحكومات نحو الاهتمام بمتطلبات الارتقاء بالإنتاجية والنمو الاقتصادي ورأس المال الاجتماعي الذي يكرس المشاركة السياسية وحيوية المجتمع وتنظيمه ويحمي الفئات الضعيفة في المجتمع.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *