- تجمع الوحدة الوطنية .. لماذا التردد؟
تاريخ النشر : 9 مايو 2011 مكرر
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
يكثر الحديث حول مستقبل تجمع الوحدة الوطنية فيقول الشيخ ناصر الفضالة (اخبار الخليج 4 مايو الجاري) “ان التجمع يطمح الى أن يتحول الى ائتلاف بين الجمعيات السياسية في المجتمع وان يكون قوة سياسية واجتماعية تفرض نفسها لتعبر عما كان يعرف بالفئة الصامتة. في نفس التصريح يقول بان هناك خيار آخر يتم دراسته وهو ان يتحول التجمع الى جمعية سياسية، او جمعية تنموية”. فما هي الصيغة التي تجعل منه قوة سياسية فاعلة؟
هناك جانبين في اتخاذ القرار، جانب وظيفي يجيب على قدرة التجمع القيام بالمهمة والدور المجتمعي الذي يتبناه، وجانب قانوني: هل يسمح القانون بالقيام بهذه المهمة؟
بالنسبة للوظيفة والادوار التي يتوقها المجتمع فان خروج التجمع كان تعبيرا سياسيا بحتا يقول باننا نقف مع شرعية الحكم كونه مصلحة وطنية؛ وهذا موقف سياسي. اما من حيث المطالب فقد ورد في خطب رئيس التجمع مفاهيم منها المناداة بدولة مدنية والدخول في الحوار الوطني الذي يشكل المستقبل السياسي للدولة واستكمال الاصلاح السياسي. اي ان المنطق يقول بان المهمة تحتاج الى كيان يستطيع ان يعبر عن مطالب تلك الجماهير، ويستلهم الروح التي خرجت عند الفاتح؛ كيان يتجاوز الحدود الطائفية والحزبية الضيقة. وبذلك ينظر التجمع الى مستقبل الوطن بطوائفه وفعالياته “لتجنب الاجيال القادة الوقوع في المخاطر التي وقع فيها هذ الجيل” (الشيخ عبداللطيف المحمود- اخبار الخليج 4 مايو الجاري). فهل يمكن وصف ذلك بانه نشاطا اجتماعيا او تنمويا، ام انه نشاطا سياسيا بكل المقايسس؟ نعم النشاط سياسي، وقيادته يجب ان تكون قيادة موحدة في نهجها وموحدة في رؤيتها. ان وحدة القيادة هذه تتحقق عندما يكون التجمع كيانا واحدا بصيغة قانونية واضحة يستطيع من خلالها ان يقود المجتمع في مسيرة الاصلاح ضمن مشروع سياسي واضح.
للقيام بذلك هناك نظريا ثلاث خيارات الاول: كيان معنوي ليس له صيغة قانونية مكون من الجمعيات السياسية المنضوية فيه وهي الاصالة والمنبر والوسط والعدالة وافراد. هذا الخيار له عدة سلبيات أهمها الاختلاف على تشكيله ومن هي ادارته وما حصة كل جمعية؟ فكل طرف يرى ان جمعيته تستحق النسبة الاكبر. هذا يجعل الخلاف حول المحاصصة خلافا قائما يهدد التجمع بالتصدع، خصوصا وان القواعد الشعبية المزعومة لهذه الجمعيات لا تمثل حتى نسبة نصف من واحد في المائة من الجموع التي خرجت في الفاتح. كما انه قانونيا يصبح عرضة لمنعه من العمل في أي وقت فيصبح نشاطه مقتصرا على المناسبات التي ترضي الجمعيات السياسية وفاقدا الاستقلالية، وتدريجيا تنشل حركته ويدخل المارد في قمقمه في انتظار مناسبة تستدعي ظهوره.
الخيار الثاني هو ائتلاف رسمي بين الجمعيات السياسية والقوى المجتمعية الاخرى. يصطدم هذا الخيار كذلك بالصيغة القانونية له ناهيك عن استحالة قدرته على صياغة مشروع سياسي في ظل اختلاف القوى السياسية التي تمثله وايدلوجيتها المتباينة.
اما من الناحية القانونية هناك قانونين ينظمان عمل الجمعيات، الاول قانون رقم 21 لعام 1989 والذي ينظم عمل الجمعيات الاجتماعية والثقافية والاندية ، والثاني هو قانون رقم 26 لعام 2005 والذي ينظم عمل الجمعيات السياسية. المادة 18 من قانون الجمعيات الاجتماعية تحظر على هذه الجمعيات الانشغال بالامور السياسية، فتقول “لا يجوز للجمعية الاشتغال بالسياسة”. اما قانون الجمعيات السياسية، ففي مادته رقم 2 العمل السياسي يقتصر العمل السياسي على الجمعيات السياسية فقط. أي انه من الناحية القانونية لا يجوز لاي جمعية غير سياسية ان تعمل في المجال السياسي.
لذلك، ومن الناحية القانونية، فان خيار التجمع محسوم ولا يمكن ان يستمر في المطالب السياسية التي وضعها لنفسه من خلال أي صيغة قانونية مالم يشكل جمعية سياسية مسجلة في وزارة العدل تضع لنفسها نظام اساسي وتقبل في عضويتها مواطنين كافراد على قدم المساواة وليس جمعيات بنظام محاصصة تملية مصالحها. اي ان الخيار الثالث (جمعية سياسية) هو الخيار الوحيد الذي يشكل الصيغة القانونية القادرة على اداء هذه الادوار. ان الفترة القادمة تتطلب بداية جديدة غير مثقلة بارث الماضي وغير ملونة بايدلوجيات بخلاف المصلحة الوطنية ومصلحة الطبقة الكادحة والوسطى من فئات المجتمع المتضررة من الوضع القائم والتي تمثل السواد الأعظم من المجتمع.
بذلك فان خيار الجمعية السياسية هو الخيار الوحيد القادر على تمثيل تطلعات المجتمع وفتح صفحة جديدة من العمل السياسي الجامع غير المؤدلج، والخيار الوحيد الذي يمكن ان يصمد في وجه محاولات شق الصف وهو الخيار الوحيد الذي يمكن ان يكون مستقلا عن السلطة وعن الجمعيات الحالية بايدلوجياتها المنفرة للكثير من الافراد المستقلين ومؤسسات المجتمع التي لم تشترك في هذه الجمعيات. ليكون كيانا سياسيا ينظر الى المجتمع كمنظومة إنسانية لها غايات وتطلعات ومصالح تمثل نهج الجمعية الجديدة، وهذا لا ينطبق على أي من الجمعيات التي تدخل في تكوين التجمع الحالي.
ان الرسالة التي نقولها لاعضاء الجمعيات السياسية في اللجنة العليا لتجمع الوحدة الوطنية ان ينبذوا التردد وينظروا الى مصلحة الوطن وان يؤسسوا الجمعية السياسية التي تشكل الكيان القوي الأمين على مطالب المجتمع، وان يضعوا المشروع السياسي الذي يقوم على مرتكزات التنمية البشرية والمشاركة السياسية والأمن القومي مهتدين في ذلك بقيم العدالة والحرية والمساواة والله ولي التوفيق.