نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

تحديات وخيارات الحكومة المصغرة

  تاريخ النشر :16 سبتمبر ٢٠١٥ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

صدر عن جلالة الملك امر بتشكيل حكومة مصغرة لمواجهة التحديات التي يفرضها الوضع الاقتصادي الناتج عن تدني أسعار النفط واهمية وضع رؤية مستقبلية للتعامل مع الوضع الجديد. يرى البعض بان انخفاض سعر النفط ليس هو السبب الرئيسي في تدني الأداء الاقتصادي فقد بدأ مشوار الاقتراض منذ 2009 كما ان معدلات البطالة بين الشباب المرتفعة وتدني مستوى التعليم والاعتماد المتعاظم على الايرادات النفطية وعدم التقدم في تنويع مصادر الدخل كل هذه مؤشرات استمرت أكثر من عقدين. 

في مشوارنا للإصلاح والتعامل مع الوضع علينا ان ندرك ان ما نواجهه اليوم هو نتائج قرارات اتخذت في الماضي او لم تتخذ في الوقت المناسب. أي اننا نواجه مرحلة من إدارة اقتصادية غير شفافة نتج عنها عجز في تنويع مصادر الدخل. الاستمرار في نفس النهج المغلق الذي لا يقدم معلومات موثقة للمواطن عن الأسباب التي أوصلت الدولة الى هذا الحد قد يؤدي الى نفس النتائج، لذلك نتوخى من الحكومة المصغرة ان تعمد الى الشفافية في شرح أسباب الإخفاقات لكي يشاركها المواطن في التفهم للإجراءات التي قد تؤثر على معيشته وحياته. العبرة ليست في حجم الحكومة بقدر ما هو في ما ذا ستفعل وكيف؟

الى حد الان ما نجده هي تصريحات معلبة بالإشادة بالقرار والمجاملات فقط دون تحليل، ولا حتى من الجهات التي من المفترض ان تقدم آراء احترافية مثل مراكز الأبحاث والمؤسسات المالية والاقتصادية، فهذه الجهات تمتنع عن التحليل المهني وتكتفي ببيانات الإشادة. ما لم نخرج من هذه العقلية فان احتمال تكرار الأخطاء الاقتصادية والتنموية سيستمر معنا. 

في محاولة لمعرفة نوعية التحديات التي ستواجه الحكومة المصغرة؟ تم الاطلاع على تقرير صادر من مؤسسة ستارفور. يتكون التقرير من ثلاثة أجزاء تبحث فيه الوضع الاقتصادي الخليجي وتحدد التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية. اهم ما جاء في التقري هو ان قدرة أي من دول المجلس في التعامل مع الوضع منفردة محدود، ويرى انه يتوجب على دول المجلس مواجهة هذه التحديات والمعوقات المترابطة مجتمعة وبشكل شمولي. ويرى ان الدول المؤهلة للبداء بالخروج من الازمة تبدأ في الكويت والبحرين وعمان هذا بالرغم من ان الكويت هي أكثر دول مجلس التعاون استقرارا ماليا.

يقول التقرير بان القاعدة التي تقوم عليها دول مجلس التعاون هي الثروة النفطية التي استخدمتها في تنافسها في المنطقة مع كل من تركيا وإيران. لكن هذه القاعدة الاقتصادية التي تعتمد على النفط ليست مستدامة، مما دفع دول الخليج الى محاولة تنويع مصادر الدخل. واجهت هذه الجهود صعوبات ومعوقات ديموغرافية وجغرافية وسياسية. عدم النجاح في تنويع مصادر الدخل خلق مخاطر وتهديدات لاقتصادات المنطقة واستقرارها السياسي تستشعره كل من هذه الدول. اليوم تواجه دول المنطقة فترة قادمة من انخفاض سعر النفط، قد تطول، مما يستوجب وضع حلول قصيرة المدى، وكذلك، وهو الأهم ان يكون هناك تصور طويل المدى لنمو المنطقة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.

لذلك، وبموجب التقري فان هذه الحالة ينبغي ان تكون فرصة لدول الخليج للخروج من حلقة الاعتماد على النفط في الانفاق الاجتماعي والتقليل من الاعتماد على العمالة الوافدة. يطرح التقرير ثلاثة خيارات هي رفع الدعم وإعادة توجيهه وحسن ادارته على المدى القصير؛ نظام ضريبي متقدم ومتدرج كمعالجة على المدى المتوسط يشمل ضريبة على التحويلات البنكية للأجانب وعلى أرباح الشركات؛ وعلى المدى البعيد تنويع مصادر الدخل من جهة والسيطرة على الخلل الديمغرافي من تدفق العمالة الأجنبية وما تمثله من استنزاف للثروة وتغيير ثقافي وتهديد سياسي. يوصي التقرير بان تكون الثلاث توجهات متزامنة ضمن رؤية اصلاح اقتصادي وسياسي ويشمل جميع أنواع الانفاق الاجتماعي والأمني والعسكري. هذه الخيارات ينبغي المضي بها حتى لو تحسنت أسعار النفط في المستقبل.

هذا يعني ان نمط الحياة البذخي الذي ساد في العقود الماضية لا يمكن استدامته. ولا بد لدول الخليج من القيام بإصلاحات اقتصادية وسياسية للمحافظة على الاستقرار والسلم الاجتماعي. وفي ضوء ترابط خياراتها (وفرص التوظيف والعمالة الاجنبية والطاقة والضرائب وأسعار النفط والتعليم) فان تغييرات كبيرة في وقت قصير قد تؤدي الى نتائج عكسية.

خلاصة القول هو انه مهما اتخذت الدولة من الخيارات سواء كان حكومات مصغرة او غيرها فان المواطن هو في نهاية المطاف سوف يدفع ثمن الإصلاح. هذا المواطن لم يكن له رأي في الإيرادات المالية ولا في توزيع الثروة ولا في إدارة الاقتصاد، لكن في النهاية سوف تتأثر مستوى معيشته. لذلك فان مقترح فرض الضرائب الذي سوف تعمد اليه الدولة في نهاية المطاف هو الذي سوف يحدث التغيير الإيجابي ويغير من وعي المواطن عندما تبدأ الضرائب تأكل من دخله المباشر سواء كانت ضريبة دخل او ضريبة قيمة مضافة. فهل ستبدأ الحكومة بالضرائب التي تؤثر على الطبقة الأقوى في المجتمع مثل ضرائب الأملاك والايجارات وارباح الشركات الأجنبية وضرائب على السلع الكمالية، ام انها ستعمد على خطوات صغيرة مثل رفع الدعم عن اللحوم التي لا توفر اكثر من عشرين مليون دينار على اكثر تقدير. تغيير في العقلية مطلوب مع استحداث الحكومة المصغرة لمعالجة قضايانا المزمنة.

Mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *