نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٩ سبتمبر ٢٠٢١

مقال الاسبوع – تشير تصريحات الحكومة الى اهتمام “بتطلعات المواطنين”، لكن هذه التطلعات متعددة بعضها مادي خدمي وبعضها معنوي سياسي حقوقي يسعى الى المشاركة في القرار بشكل افضل مما هو حاصل. في الحاتين نحتاج الى وسيلة لتحديد وقياس وتقييم تقدمنا في الخدمات والاصلاحات السياسية والحقوقية ورفع مستوى ثقة المجتمع فيها وهذا يتطلب معرفة تطلعات المواطنين الحقيقية ونشر البيانات والاحصائيات حولها.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1268498

في تصريح سابق للحكومة رأت انه من المهم قياس جودة الخدمات للمواطنين باعتماد اسلوب “العميل المتخفي”. وفي مناسبة اخرى استعرض مجلس الوزراء اداء الجهات الحكومية لتحقيق الكفاءة والانتاجية (اخبار الخليج 6-7-2021). كذلك اهتمت الحكومة بتعزيز التنافسية والابداع والابتكار لتطوير الاداء الحكومي بكفاءة وفاعلية وتم تصنيف الجهات التي ساهمت في تحسين الكفاءة وصنفتها الى فئات ذهبية ومنها فضية. هذه توجهات واجراءات ايجابية في اتجاه تعزيز الاهتمام بالاداء وتطويره في خدمة المجتمع.

كذلك ترى الحكومة ان “تحقيق تطلعات المواطنين من اهم مرتكزات مسيرة البناء (24-9-2021)” وانها المعيار الذي يرتكز عليه العمل الحكومي في تحسين الاداء والفاعلية بشكل خاص. السؤال الى اي مدى تمت مأسسة عملية تقييم الاداء وجعله جزء من العمل الحكومي؟ عادة تبدأ الماسسة بوضع اطار لقياس الاداء على مستووى الحكومة ثم يتدرج الى مستوى الوزارات والهيئات والجهات الرسمية؟ فعلى سبيل المثال اعلنت وزارة التجارة مؤخرا انها سوف تكشف النقاب عن الخطة الوطنية للابتكار، فكيف سيتم تقييم هذه الخطة، خصوصا وانها بالضرورة سوف تعتمد على اداء مجلس التنمية الاقتصادية ووزارة العمل ووزارة التربية والخدمة المدنية والهيئة العامة للبيئة. كما انها سوف تحتاج الى دعم مجتمع الاعمال وغرفة التجارة وهيئة المعلومات والاحصاء؟ فكيف سيدار التفاعل بين هذه الجهات ومن هي الجهة التي سوف تقوم بذلك، وتضمن فعالية مساهمة كل طرف في تحقيق اهداف الاستراتيجية بانسجام وتناغم؟

بالاضافة الى ذلك يجري الحديث عن تطلعات المجتمع في تصريحات المسئولين في الحكومة وفي المجتمع وفي وسائل التواصل الاجتماعي. لا تنحصر هذه التطلعات في تحسين مستوى المعيشة وتخفيف الاعباء على المواطنين من تكاليف الخدمات، وخصوصا الكهرباء والقيمة المضافة، وتحسين مستوى الاجور والضمان الاجتماعي وخلق فرص عمل، بل انها تتجاوز ذلك؟ فكيف سيتم تحديد هذه التطلعات في جوانبها غير المادية؟ فمثلا وزير العمل يتحدث عن تحسين بيئة العمل ووزير التجارة يتحدث عن بيئة الاستثمار وهكذا كل وزارة تتحدث عن تحسين جزء من البيئة العامة المحفزة للابداع والابتكار والانتاجية لكن الحديث عن التكامل بين هذه الجهات وبناء السياق العام محدود.

تحقيق تطلعات المواطنين بنوعية المادي والانساني يتطلب اولا ربط هذه الاجزاء لتشكل منظومة مجتمعية تخلق بيئة انسانية تدعم عطاء الانسان بشموليته؛ ثانيا تحتاج الى آلية منفتحة على المناقشة والحوار ترتكز على بيانات ومعلومات موثوقة تجعل الحوار موضوعيا؛ ثالثا تحتاج الى توفير المعلومات لهذا الحوار الذي يبدأ بطرح السؤال ماهي تطلعات المواطن والمجتمع سواء في جانبها المادي الخدمي وجودته وكلفته، او جانبها الانساني الحقوقي وعدالته. وهنا تبرز اهمية الصحافة النشطة في استقصاء اراء المجتمع وابراز التطلعات بوضوح تخدم صانع القرار والقيادات المختلفة. كما تبرز اهمية حيوية المجلس النيابي والشورى في طرح القضايا وابراز مختلف وجهات النظر بحرية وشفافية وعمق.

تحقيق هذه التطلعات بنوعيها المادي والانساني فيتم على مستويات ادارية وقيادية مختلفة، منها على مستوى الدائرة الحكومية (تشغيلي) ومنها على مستوى الوزارة او تعاون عدد من الوزارات، ومنها على مستوى الحكومة (استراتيجي) وبعضها تتطلب تكاتف مجتمعي حكومي برلماني (مستوى سيادي). وكل من هذه المستويات يحتاج الى بيانات ومعلومات ونوع من التقييم الموضوعي في بيئة وسياق مواتي.

العمل على تحقيق تطلعات المواطنين والمجتمع يتطلب تكامل بين هذه المستويات والجهات وتناغم في الاداء يصعب تحقيقه دون وجود منظومة شمولية للتقييم وقياس الاداء تتدرج من المستوى السيادي الى المستوى التشغيلي مرورا بالمستوى الاستراتيجي. منظومة القياس اذا هي آلية تساعد في فهم وادارة وتحسين ما تقوم به هذه المستويات الادارية والقيادية، فهي توضح ماذا نريد ان نحقق، جودة ما نقوم به من عمل، وهل يحقق الهدف ام لا، ومدى قناعة المجتمع بالعمل وجدواه، واين يمكن تحسين العمل وتطويره. اي ان مثل هذا التشابك والاعتمادية المتبادلة بين عدد كبير من الجهات يتطلب آلية (منظومة قياس وتقييم) تدعم تنفيذ استراتيجية معقدة ومتعددة الابعاد، وتتابع مستوى التقدم فيها.

في الادبيات هناك عدد من نظم القياس والتقييم المستخدم في القطاع العام (لهذه الغاية) معظمها يبدأ بتحديد النتائج المرجو تحقيقها والعمليات والقدرات المطلوبة، والمدخلات اللازمة. وكل من هذا الحلقات تحتاج الى نوع من التقييم من حيث والكفاءة الفاعلية والانتاجية والجودة وتحتاج النظر اليها من جوانب مختلفة. لدينا في البحرين امكانات كبيرة في جمع البيانات والمعلومات لكن توفر هذه المعلومات للباحثين والمهتمين مازال دون الطموح. ونعطي مثال فقط على ذلك في الجانب الاستثماري. تنشر الحكومة حجم الاستثمار الخارجي ولكن يصعب توفر تفاصيل هذا الاستثمار وفي اي القطاعات والانشطة (البيانات الخام).

كما يقوم ديوان الخدمة المدنية بنوع من قياس الاداء المؤسسي. لكن نشر نتائج هذه التقييم في موقع الديوان محدود يقتصر على عناوين دون ذكر مؤشرات تبين مدى فاعلية الاجهزة الحكومية، لا نتوقع من الديوان اكثر من ذلك فهو ليس صاحب الصلاحية. تنشر الوزارات بعض الارقام لتُظهر نشاطها في الاسكان والصحة مثلا، لكن لا يمكن اعتبارها مؤشرات اداء كما ان بيانات التفاعل بين الوزارات على مستوى استراتيجي غير متوفر. فمثلا على مستوى الاداء الاقتصادي الذي تشترك فيه عدد من الوزارات والهيئات فان البيانات محدودة ، مجلس التنمية الاقتصادية وهيئة المعلومات تنشر بعض المؤشرات لكن تنقصها تفاصيل الاستثمار والصادرات لكل قطاع. فهل الرغبة في تحقيق تطلعات المواطنين ستيسر توفر البيانات وتدعم انشاء “منظومة قياس وتقييم الاداء” يؤسس لحوار مجتمعي موضوعي يحدد ويعرض تطلعات المواطنين بشموليتها ويساهم في تحققها؟

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *