نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

التحديات التي تواجه دول الخليج تتطلب مشاركة الشعوب وما تتطلبه من حوكمة وشفافية وتصد للفساد وحسن استخدام وتوزيع الموارد.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14166/article/56250.html

يستقبل العالم عاما جديدا نتمنى أن يكون عاما مباركا على الأمة العربية والإسلامية وعلى البحرين بشكل خاص. نتمنى، كأمة عربية، ان نتمكن خلال هذا العام والأعوام القادمة ان ننظر بنظرة تفاؤلية وإيمان بقدرتنا على تجاوز التحديات التي ألمَّت بنا في السنوات الخمس الماضية. يبدأ هذا العام ببصيص أمل في حل القضية السورية ومعالجة ما نتج عنها من مآس إنسانية كان ضحيتها الشعب السوري، كما يبدأ العام بتداعيات إصدار تنديد من مجلس الأمن وللمرة الأولى بممارسات استيطان العدو الصهيوني في الضفة الغربية وهو انتصار دبلوماسي، وان كان محدودا، نتمنى ان يستثمره العرب والفلسطينيون في صالح القضية الفلسطينية.
التحديات التي تواجهها الأمة كثيرة بعضها قديم وبعضها خلقته السنوات الخمس الماضية. هذه التحديات تبرز كثيرا من الأمراض في جسم الأمة مازلنا غير قادرين على مواجهتها. هناك التحديات القديمة التي مازال العالم العربي يصارع من اجل معالجتها واللحاق بركب الأمم الأخرى التي سبقت. أمم جديدة تمكنت من تحقيق التحول التنموي بينما يقبع عالمنا العربي في ذيل القائمة في مؤشرات التعليم والإنتاجية والتنمية والتقدم العلمي والتكنولوجي. تعقد المؤتمرات وتقام الورش والمنتديات لتحسين الوضع ولكن الاستعصاء العربي مازال مستفحلا.
يواجه الأمة كذلك تحدٍ قديم تجدد جراء افرازات الربيع العربي منذ 2011 وهو التطرف الديني وما صاحبه من إرهاب وصراع سياسي تأجج بسبب الأحداث والصراعات الإقليمية في السنوات الخمس الماضية. هذا الصراع بشقه الديني يحتاج إلى وقفة من علماء الأمة وإصرار على مواجهة أسبابه وكوامنه من التراث الإسلامي وما نتج عنه من تحويل الدين إلى آيديولوجيات متصارعة ومتنافسة تجتر خلافات سياسية تاريخية لا تمت للدين بصلة. هناك العديد من علماء الدين والمشايخ يتحدثون عن ضرورة تنقيح التراث وأزالت ما به مما يسمى آثار الصراع الأموي – الهاشمي وكل ما يثير التعصب الأعمى والجهل، لكن هذا لا يكفي، وينبغي ان تتصدى إحدى المراكز الدينية المهمة لتنقيح التراث الإسلامي وتخليصه من العبث والدس والأحاديث التي وضعت لأغراض سياسية لا تتفق مع روح الإسلام والقرآن الكريم. ومن التأويلات التي تستخدم لتبرير القتل والتكفير في سبيل إحياء دولة إسلامية لا يستطيع أي من هذه الحركات ان يحدد ملامحها ودستورها وكيفية إدارتها سوى بعبارات عامة وفضفاضة.
اما التحدي العربي الذي يعتبر أهم أسباب استعصاء باقي التحديات، والذي أدى إلى تمزيق الأمة، فهو تحدي الإصلاح السياسي السلمي. منذ يناير 2011 والعالم العربي في غليان دمر دولا عربية محورية مثل سوريا والعراق ودولا عربية أخرى كاليمن وليبيا مازلت في صراع وعدم استقرار. الصراع السياسي هذا بدأت جذوره في أعقاب الحرب العالمية الأولى وتقسيم العالم العربي كتركة عثمانية بين بريطانيا وفرنسا من دون أي مراعاة لمصالح شعوب المنطقة. تفاقم بعد حركات التحرر ومن ثم تحولها إلى دكتاتوريات استباحت الثروات وقضت على فرص التنمية بأنظمة بوليسية قمعية أخمدت الروح الابتكارية والإبداعية لدى المجتمعات.
وضعت الشعوب العربية أملها في ثورات الربيع العربي للتخلص من هذا الوضع لكن أبت القوى الغربية وبعض الأنظمة الإقليمية والعربية إلا إفشال التحول الديمقراطي وتحويله إلى صراع مسلح مدمر. نتمنى ان يكون ذلك مخاضًا يسبق التحول الديمقراطي وبدايات لصحوة عربية تجعل الشعوب والحكومات تدرك ان الصراع المسلح أهليا كان أم بين الدول لا يجدي، وان الاختلاف بين الناس طبيعة إنسانية تعاملت معها الأمم المتحضرة بتقبل هذا الاختلاف، والاعتراف بالحق في الاختلاف، وبناء المؤسسات التشاركية التي تعترف بحق الآخر المختلف والمعارض. تتحمل الحكومات والشعوب العربية مسؤولية هذا التحول ولتكن البداية إنجاح الاتفاق السوري على وقف أطلاق النار واللجوء إلى الحوار للمحافظة على ما تبقى من الأوطان وكرامة الإنسان العربي.
التحدي القديم المتجدد لجميع الدول العربية هو تنويع مصادر الدخل وتحديث الاقتصاد ليكون اقتصادا منتجا تنافسيا يعتمد على رأس المال البشري. أضيف خلال السنوات الثلاث الماضية تحدي «انخفاض سعر النفط». انخفاض السعر إلى النصف تقريبا يجعل دول مجلس التعاون بشكل خاص وبعض الدول العربية التي تستفيد من المساعدات والتحويلات في وضع اقتصادي يتطلب مواجهة ابتكارية وجريئة للتعامل مع هذا الواقع.
التحدي الآخر الذي يشغل الشعوب الخليجية هو تحقيق الوحدة الخليجية، إذ تفاءلت الشعوب الخليجية بإطلاق الوحدة الخليجية في قمة المنامة الماضية، لكن لم يتم ذلك وربما لهذا أسبابه والحاجة إلى مزيد من الدراسات بشأنه.
التحدي الأهم هو قضيتنا في البحرين وضرورة تعزيز الوحدة الوطنية. نتمنى من الجمعيات السياسية بجميع خلفياتها ان تدرك ان البحرين تواجه تحديا تنمويا مهمًا بعد انخفاض سعر النفط، وتتطلب من الجميع العمل معا على إيجاد صيغة تقوي المجتمع والدولة وتمكنهم من التعاون لوضع برنامج يركز على القضايا الاقتصادية والتنموية ومعالجة قضايا الشباب وما يواجهه في الحصول على فرص للعمل، والحاجة إلى الاستثمار في مشاريع تفتح لهم آفاق المستقبل. هذا يحتاج إلى رؤية سياسية اقتصادية اجتماعية يشترك في وضعها الجمعيات السياسية وبعض جمعيات المجتمع المدني المهنية بالتعاون مع الحكومة والسلطة التشريعية.
في جميع الحالات، فإن دول الخليج مجتمعة ومنفردة، عليها مواجهة التحديات المتعددة التي ستواجهها في السنوات القادمة، والتي تتطلب نهجا أكثر انفتاحا على الشعوب وتركيزا على التنمية وما تتطلبه من حوكمة وشفافية وتصد للفساد وحسن استخدام وتوزيع الموارد والثروة، وهذا يتطلب من الحكومات، بمشاركة شعوبها، المبادرة بإصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي يسعى إلى تطوير مؤسسات الدولة ووضع نظم مالية وتشريعية تحرر القدرات الابتكارية وترفع قدراتنا التنافسية وتجذب الاستثمار المحلي قبل الأجنبي، كما تتيح فرص انتهاج مبادرات اقتصادية متوجهة إلى التصدير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *