نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٣ مارس ٢٠٢٤ – 02:00

مقال الاسبوع: رؤية 2050 قبل موعدها لا بد ان يكون لها سبب. هل هو استشعار الحاجة الى معالجة القضايا الملحة باكثر فاعلية؟ الدعوة للمشاركة خطوة اولى موفقة. اول خطوة ينبغي توضيح الغاية بتفصيل يتفق عليه المجتمع. لتكن الغاية تنمية وتقدم المجتمع من خلال خلال تنمية اقتصادية اجتماعية بيئية (طبيعية ومؤسسية). مهم التعامل مع جذور التحديات وتمهيد البيئة لنجاح المعالجات.

تطلعات للرؤية الاقتصادية 2050

اطلقت البحرين دعوة لصياغة رؤية 2050 شملت الدعوة الجمعيات المهنية والمجتمع المدني والقطاع الخاص للمشاركة في هذه الصياغة. وهذه بادرة ايجابية كانت كذلك نهجا اتبع في صياغة الرؤية 2030 التي جاءت على اثر دراسات ومشاركات مجتمعية وحوارات استمرت من 2004 وتمخضت في 2008 عن الرؤية 2030. تلاها اصدار خطة استراتيجية تنفيذية في 2009 شملت الفترة الى 2014. ان اطلاق الدعوة لصياغة رؤية جديدة قبل انتهاء الرؤية الحالية يشير الى وجود غاية اساسية واهداف مستجدة جعلت مثل هذا القرار ضروريا.

لا شك ان هناك تحولات كبيرة في المجتمع وقضايا ملحة وكذلك تغيرات في المحيط الاقليمي والدولي يحتم اعادة النظر في الغاية والاهداف والتوجهات التنموية الشاملة. من التصريحات التي نشرت يمكن القول ان الدافع لوضع الرؤية 2050 قد يكون استشعار الحاجة لتوجه جديد لمعالجة القضايا الملحة واعادة صياغتها ووضع اهداف ومستهدفات لها تكون اكثر تاثيرا وفاعلية. من المهم في هذه المرحلة ان يعمل الشركاء في ابراز الغاية بتفصيل اكبر وتحديد النموذج التنموي الذي يخدم هذه الغاية والاهداف، وطرح التساؤلات والتطلعات من خلال المشاركة التي دعى اليها سمو ولي العهد. فمثلا من المقالات التي كتبت وما نشر من اراء برزت بعض التطلعات المجتمعية والرسمية. فمثلا هناك قضايا وتحديات شغلت المجتمع بشكل كبير مثل البطالة ومستوى المعيشة والتعليم والصحة والاسكان؛ بالاضافة الى قضايا القطاع الخاص ومنها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وسوق العمل، وتمكين والضرائب؛ وثالثا قضايا البيئة والموارد البحرية والثروة الطبيعية والسمكية والزراعة.

مثل هذه القضايا والتحديات يمكن تصنيفها في ثلاث مجالات، الاول يتعلق بمستوى المعيشة وتاثيرها على حياة المواطن و الثاني يتناول الجانب الاقتصادي وكل ما يتصل بخلق بيئة ينتعش فيها الاقتصاد بقطاعاته المختلفة؛ والثالث يتعامل مع حماية البيئة الطبيعية والثروات البحرية. هذا يعني اننا ازاء رؤية غايتها تحسين مستوى المعيشة وجودة الحياة للجميع وتقدم المجتمع من خلال تنمية اقتصادية اجتماعية بيئية. فما هي القدرات والمهارات والامكانيات المطلوب توظيفها وتنميتها والاهتمام بها لنتمكن من التعامل مع هذه التحديات خلال الفترة القادمة الى 2050؟ وماهي القيم والمبادئ التي تدعم الفرد والمجتمع والدولة لتنمية هذه القدرات والمهارات والامكانيات وتسخيرها لمواجهة التحديات؟ وماهو التوجه التنموي الذي يلبي متطلباتنا؟

نامل ان تبدأ المسيرة في مرحلتها الاولى بتحليل الوضع الراهن لمعرفة ماذا تحقق من رؤية 2030 وماذا بقي من التحديات وابراز المعوقات والاسباب التي ساهمت في هذه التحديات والمعوقات. من هذا التحليل نصل الى فهم عميق للسياق المحلي والعالمي، وننتهي بتحديد التحديات وتعريف وشرح طبيعتها وتحديد العلاقة بين الاسباب التي ادت اليها والنتائج التي وصلت اليه وتاثيرها على الحياة العامة. كما نخرج بعدد من التعريفات التي لا بد منها في بداية المسيرة. اولا تعريف ما ذا نقصد بتقدم المجتمع، وفي اي الاتجاهات يكون هذا التقدم؟ ثانيا توضيح ماذا تعني تحسين مستوى المعيشة وماهي معايير هذا المستوى؟ ثالثا تعريف وشرح جودة الحياة وماهي مقوماتها وابعادها؟ رابعا تعريف البيئة الطبيعية والمؤسسية التي نسعى لخلقها وماهي الجوانب المؤثرة التي تحتاج الى تحسين؟ خامسا ماهو المسار الاقتصادي الذي سيوفر لنا القدرات والموارد لمعالجة التحديات الاجتماعية واستغلال الفرص التي يتيحها المحيط المحلي والعربي والدولي؟ بعبارة اخرى ماهي التنمية وماذا يعني النجاح الاقتصادي والاجتماعي بالنسبة لنا؟ لذلك مهم في مرحلة التحليل فهم السياق المحلي من جميع جوانبة لتحديد القيم وتحليل التحديات واسبابها ووضع المعايير والمؤشرات لمتابعة النجاح.

في المرحلة الثانية يتم وضع السياسات للتعامل مع هذه التحديات والمعوقات وتحقيق ما يراه الشركاء من اهداف ونتائج. قد لا يكون من المناسب معالجة هذه التحديات كل على حدة في بداية الامر. ففي مرحلة التحليل التي سبقت، اتضحت الاسباب التي ادت الى وجود التحديات في المقام الاول. كذلك قد تبرز معوقات مشتركة تؤثر في معظم التحديات وبالتالي تكون المقاربة شمولية تطرح منظومة متماسكة ومتكاملة من السياسات والاهداف والاجراءات مدعوم بتوجه فكري واقتصادي/اجتماعي يتعامل مع جذور هذه التحديات ويمهد البيئة المناسبة لنجاح المعالجات، بالاضافة الى سياسات تتعامل مع التحديات والفرص مباشرة لتحقيق تقدما فيها. مثل هذه المقاربة يمكن ان تشمل وضع السياسات العامة التي تؤثر في بناء القاعدة التمكينية للتنمية مثل سياسات التعليم والبحث العلمي والصحة وتنمية رأس المال البشري والاجتماعي والبنى التحتية لها من تشريعات ومؤسسات واجهزة بما فيها السياسات الكفيلة بالمحافضة على الثروات الطبيعية. من المهم ان توضع في هذه المرحلة المؤشرات التي سوف يتم تقييم الانجاز والاداء بموجبها، واهم هذه المؤشرات ما يختص بتاثير النتائج على حياة المواطن بشكل عام، وعلى النشاط الاقتصادي والتقدم المجتمعي. اي ان تنتهي هذه المرحلة بمنظومة من السياسات والمبادرات تعزز كل منها الاخرى، حيث لا يكفي تحقيق نتائج مبهرة في جانب واحد او اكثر، بل مهم ان يكون الانجاز متناغم في جميع الجوانب لتحقيق النتائج المرجوة.

المرحلة الثالثة وهي الاهم، حيث يتم تحويل السياسات الى اجراءات تنفيذية وبرامج ومبادرات ومشاريع تحقق الاهداف وفق خطط متعاقبة خمسية او كل اربع سنوات يجري تقييم انجازها واداءها ومراجعته لضمان تحقيق اهداف التنمية التي نسعى اليها، على مستوى الفرد والمجتمع والدولة. في المحصلة النهائية علينا الاهتداء بمقولة جلالة الملك المعظم حين اصر على ان نسعى نحو تنمية انسانية مجتمعية اقتصادية هدفها الانسان. مرحلة التنفيذ ومتابعة النتائج هي المرحلة الاهم.

في هذه المراحل مهم التاكيد على ضرورة التناغم والتكامل اولا فيما بين السياسات المقررة، وثانيا فيما بين الاجراءات والمبادرات، وتجنب اي نوع من التناقض بين اي منها. كذلك نتمنى ان يتم التعامل مع النشاط الاقتصادي الناتج من الرؤية من جوانبه الثلاثة (الانتاج والدخل والتوزيع) معا، وفق القيم والمبادئ التي حددتها المراحل السابقة، ووفق التعاريف التي وضعتها مرحلة التحليل لمعنى التقدم والارتقاء بالمجتمع. كذلك التاكيد على وضع اسس المشاركة المجتمعية التي نريد ان نكرسها والتغيرات المؤسسية الداعمة لهذه المشاركة لتكون فاعلة ومكملة للجهد الحكومي والقطاع الخاص. اي لا بد من وجود مبادرات واجراءات تعنى بقضية التوزيع وليس الانتاج والدخل فقط. فمن خلال التوزيع تتحقق العدالة الاجتماعية والرفاه والضمان الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي على مستوى الفرد والمجتمع والدولة وفرصة اكبر لتحقيق الاهداف المجتمعية والاقتصادية.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *