نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

تعديلات قانون التقاعد – قرار اقتصاد سياسي وليس تنفيذي

تستمر قضية التقاعد تشغل الرأي العام لما لها من أهمية على حياة شريحة كبيرة من المواطنين. القضية تشمل حوالي 55 الف مواطن متوسط رواتبهم 775 دينار. يخفي هذا المتوسط وراءه نسبة كبيرة (31%- او 17 الف مواطن تقريبا) لا تتجاوز رواتبهم التقاعدية عن 400 دينار، معظمهم في القطاع الخاص، كما يخفي وراءه نسبة لا يستهان بها ممن لا تتجاوز رواتهم التقاعدية 250. ومع كل ما تعانيه هذه الفئة من مشاكل صحية والتزامات عائلية واقساط فان وضعهم يزداد أهمية، خصوصا وان ذلك سيكون مصير معظم مواطني البحرين. 

في ضوء ذلك، لا غرابة من انشغال الرأي العام بهذا التعديل ومطالبته لمجلس النواب برفضه واعتباره حلقة من حلقات التضييق على المواطن. وطرح أسئلة منها لماذا اختارت الحكومة طرح القانون في هذه الفترة النهائية من عمر المجلس؟ ولماذا بصفة الاستعجال؟ وماهي مبررات رفض الجمع بين راتبي تقاعد في الوقت الذي يستلم بعض المواطنين راتبين اثناء العمل؟

في جلسته بتاريخ  5 يونيو الجاري رفض مجلس النواب، وبالإجماع، التعديلات المقترحة على قانون التقاعد. اوضحنا في مقال سابق بان التعديلات تمنح مجلس إدارة هيئة التأمينات الاجتماعية غير المنتخب صلاحيات واسعة تمكنه من تخفيض المعاش التقاعدي وتوقف الزيادات السنوية وترفع نسب الاشتراك. أي ان العديل يتيح خيار تقليل الانفاق من الصندوق وزيادة نسبة الاشتراكات، بدلا من الابتكار والابداع في الاستثمار وخلق فرص عمل وتنمية مواردها. 

تم عرض مقترح التعديلات على اللجنة القانونية بمجلس الشورى، فجاء ردها انه “من الأفضل اغضاب بعض الناس اليوم ولا عجز الصندوق عن دفع معاشات المتقاعدين غدا”. هذا التعبير (الذي نأمل ان لا يمثل رأي مجلس الشورى) يضع المجلس امام خيارات محدودة وهي اما الموافقة على التعديلات اليوم ام التسبب في العجز المستقبلي. لكن هذه الخيارات غير شاملة وتعبر عن تبني موقف هيئة التقاعد ولا تنظر الى المشكلة بكامل تداعياتها ولا يطرح التساؤل حول أساس المشكلة، ولا يأخذ في الاعتبار ما قيل وكتب حول ضعف أداء الهيئة الاستثماري مقارنة بصناديق مشابهة.

والسؤال المطروح الان هو لوكان التعديل دستوريا، هل يملك مجلس النواب خيار الموافقة عليه؟ المشكلة ليست في دستوريته من عدمها، وان كنا نميل الى ان التعديل مخالف لروح الدستور ومبادئه التي تقوم على فصل السلطات. المشكلة هي انه يمس جزء مهم من العقد الاجتماعي والاقتصاد السياسي للدولة الريعية والتي تعتمد على إعادة توزيع الثروة بطرق مختلفة ومنها نظام التقاعد؟ واي مساس بهذا المبدأ سيقع ضمن نطاق القرارات السياسية التي من المفترض ان تنظر الى تداعيات القرار وتأثيره السياسي والاجتماعي، وعواقبه على الامن والاستقرار. وبالتالي فان هذا القرار لا يجب ان يصدر عن هيئة غير منتخبة لا تتحمل تبعات القرارات السياسية.

يقول كريستيان اولريتشسن (Kristian C. Ulrichsen, 2011, p78) في كتابه حول امن الخليج، “ان دول مجلس التعاون تمر بمرحلة ما بعد النفط، وهي مرحلة تَحَوُّل من دولة ريعية الى دولة جابية للضرائب (وان كان التحول بطيئا لا يشعر به المواطن). وجود النفط فرض معادلة الاقتصاد السياسي في المنطقة، وقد لعب (النفط) دورا أساسيا في الحفاظ على هذه المعادلة وعلى آلية إعادة توزيع الثروة. وحددت هذه المعادلة علاقة الشعب بالدولة”. ونظام التقاعد وما يقدمه للمواطن من حقوق هو جزء أساسي من المعادلة في توزيع الثروة وحجر زاوية في الاقتصاد السياسي النفطي”. اتخاذ قرارات غير مدروسة وغير متوافق عليها شعبيا تخل بهذه المعادلة، وتضعف الوضع الأمني وتمثل تحدٍ لدولة في طور التحول، وقد يقوض قدرتها في بسط الامن والاستقرار.    

لذلك نرى ان موافقة الشوري (ان تم) على التعديل تستند على دستورية التعديل، وبذلك فهو يغفل عن الجانب المهم من تداعيات هذا القانون مثل الانتقاص من صلاحيات التشريع للمجلس النيابي والشوري. كما يتغافل المجلس عن عبارة “إطالة عمر الصندوق” التي أوردتها الهيئة في تبريرها لتمرير التعديل. الهيئة لا تلتزم باستمرار عمل الصندوق حتى مع تمرير التعديلات، بل انها ترى ان ذلك فقط سوف يطيل عمر الصندوق؟ كم سنة هذا الاطالة يا مجلس الشورى؟ وهل ترون ان الهيئة مطالبة بتوضيح ذلك؟ 

المأخذ الاخر هو ان مجلس الشورى يتوخى من تمرير التعديل ان تستمر الهيئة في “تنفيذ كل التزاماتها”. لكن التعديل يحول هذه الالتزامات الى قرارات تصدرها الهيئة وتستطيع ان تصدر غيرها اذا وجدت انها لا تستطيع الالتزام بها. أي ان مبدأ الالتزام قد زال. والتعديل يمنح الهيئة ان تتخلى عن أي التزام، فهي قادرة على تغيير ما لا تستطيع الالتزام به.

يرى مجلس الشورى ان مجلس النواب فوت على نفسه فرصة اجراء تعديل على القانون تمكنه من التأثير في اجراء تعديلات على قرارات الهيئة. ومع ان ذلك موضع جدل، الا ان الشورى الان امامهم فرصة القيام بذلك وتقديم اقتراحات لإصلاح عمل الهيئة، ووضع قواعد لتعيين إدارة الهيئة مبنية على منافسة مفتوحة في السوق لاستقطاب افضل الكفاءات الاستثمارية لتنمية هذه الموارد، ووضع اطار تنموي تتم من خلاله قرارات الاستثمار بما يخدم التنمية وخلق فرص عمل بشكل عام، ومطالبة الهيئة بمعيار أداء متمثل في نسبة من العائد على الاستثمار تضمن استمرار المعاشات التقاعدية وليس إطالة عمر الصندوق فقط. 

ان افلاس الصندوق لا يتم بسبب زيادة الالتزامات وضعف الاشتراكات فقط، بل قد يكون السبب سوء إدارة الاستثمار وعدم تحمل المسئولية عن الأداء وكفاءة استخدام الموارد. النقاش حول هذا القانون في مجلس الشورى يجب ان يُستغل لإجراء عملية اصلاح حقيقي في هيكل الهيئة ونطاق عملها ومسئوليتها في الاستثمار، مع منحها استقلالية تمكنها من حسن استثمار الموارد المالية تحت تصرفها. اما اثقالها بمسئولية قرارات سياسية/اقتصادية تضر بأمن واستقرار البلد فلا نرى فيه حكمة.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *