نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

التعديلات المقترحة تنتزع من مجلس النواب صلاحيات وتجعل المواطن في مواجهة مع جهة تنفيذية غير منتخبة وغير مساءلة. وبالرغم من ثبوت سوء إدارة الاستثمارات في اكثر من تقرير كان الاجدر اصلاح الهيئة من الداخل وجعلها اكثر كفاءة واعتماد معيار الكفاءة في التعيينات.

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1125070

تعيش الجامعات الكبيرة والعريقة على تبرعات وأوقاف من جهات مختلفة. فمثلا جامعة هارفرد تمتلك رأس مال يقدر بثلاثين مليار دولار، يُستثمر بمردود نسبته 10% سنويا. صناديق التقاعد في العالم لا تقل كفاءة في الاستثمار عن ذلك، وتستخدم كادرا متخصصا في إدارة الثروات على مستوى عال من الكفاءة. هذا يطرح السؤال حول صندوق التقاعد لدينا في البحرين وما هي أسباب تعثره ومواجهته المستمرة لمشكلة أو أزمة العجز الاكتواري؟ وهل هي نتيجة تعثر في الاستثمار أم زيادة في الإنفاق؟

في مقال سابق طرحنا قضية التقاعد، وطرحنا سؤالا حول كفاءة استثمارات الصندوق. وبينا ان هناك مشكلتين تواجهان صندوق التقاعد، إحداهما البطالة وعدم مساهمة قطاع كبير في صندوق التقاعد، ثانيا ضعف القدرة على الاستثمار كما اتضح من تقارير ديوان الرقابة المالية. على ضوء هذه الخلفية ينبغي النظر إلى مشروع تعديل قانون الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي ضمن سياق سياسة اقتصادية وتنموية شاملة. وبعدها نطرح السؤال، أي المشكلتين يعالج هذا التعديل؟ وما هي غاية وأهداف التعديل المقترح وما هي النتائج والتداعيات المترتبة عليه، المنظورة وغير المنظورة مثل فقدان خبرات المتقاعدين وعدم الاستفادة منهم؟

تقول هيئة التشريع والافتاء ان هدف القانون هو تمكين الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي من «الاستمرار في تقديم خدماتها للمتقاعدين وتنفيذ كل التزاماتها تجاههم». ثانيا إعطاء صلاحيات أوسع لمجلس الإدارة في تنظيم الشؤون التقاعدية من مزايا وحقوق وتنفيذ توصيات الخبير الاكتواري بما يهدف إلى «إطالة عمر الصندوق» والحفاظ على أمواله وتفادي أي عجز متوقع مستقبلا.

في الواقع هناك هدف واحد فقط لا غير هو منح مجلس ادارة الصندوق صلاحيات واسعة تمكنه من زيادة إيراداته وتقليل التزاماته وإخفاء اخفاقاته. يتحقق ذلك بتقليل المزايا وزيادة الاشتراكات على الموظفين، دون ان تلتزم الهيئة بمعيار لكفاءة استثمار الأموال. وبذلك تصبح الهيئة جهة تنفيذية وجهة تشريعية تفرض ما تحتاجه من استقطاعات وتعفي نفسها من أي التزامات لا ترغب فيها، وهذا يتناقض مع صريح وروح الدستور.

تستبطن عبارة «إطالة عمر الصندوق» فرضية وسؤال. الفرضية هي وجود عمر محدد للصندوق، ومتى ما انتهى هذا العمر يتوقف بعدها عن تقديم خدماته ولن يكون هناك صندوق تقاعد. والسؤال ما هو هذا العمر الافتراضي للصندوق؟ وهل يرتبط عمر الصندوق بوضع أسواق النفط والعجوزات في الميزانية العامة والدين العام والعجز التجاري وضغوطات العملة؟ أي ان ذلك يطرح فكرة إمكانية توقف الصندوق مع تراجع النفط، والسؤال هو فقط متى؟ هذا وضع خطير ومن الصعب استيعابه وأن تعيش تحت ظله أجيال قادمة قد تفقد أهم حقوقها المدنية في حياة كريمة.

السؤال الاخر الذي يطرحه هذا القانون: ما هي الحوافز التي سوف يقدمها القانون للقائمين على إدارة الصندوق لكي يتحملوا مسؤولية حسن استثمار الموارد المالية وإدارتها؟ إذا كان بإمكان مجلس إدارة الصندوق فرض الاشتراكات التي يريد، وبإمكانه تخفيض التزاماته تجاه المتقاعدين، فإن المنطق هنا يقود إلى عبارة من التراث الخليجي وهي «الجود من الموجود». أي ان حياة المتقاعد تصبح رهينة لمجلس إدارة غير مساءل يزيد من المزايا أو يقللها ويرفع الاشتراكات أو يخفضها بحسب وضعه المالي الذي هو في النهاية مسؤول عن حسن استثماره وإدارته.

السؤال الثالث: ماهي الضوابط ومعايير الفاعلية والكفاءة التي يلتزم بها مجلس الإدارة ومن هي الجهة التي تحددها وتقيم أداءه وتجبره على الاستقالة في حال فشل في تحقيقها؟ وما هي الآلية التي يستطيع المجتمع بموجبها ان يتابع أداء مجلس الإدارة وأجهزته الاستثمارية؟ وهل الصندوق يدار بطريقة مهنية تخصصية تضمن افضل العوائد؟ هذه أسئلة لم نرَ لها إجابات تقنع ديوان الرقابة المالية، أو تقنع المواطن والمتتبع لنشاط الصندوق.

وبالتالي فإن إعطاء الهيئة الصلاحية لتحديد كل ما يتعلق بإدارة الصندوق وضبط الصرف منه وفق قواعد وأنظمة يقوم هو بإصدارها من دون تقييم لسياساته الاستثمارية أو محاسبة على النتائج التي تحققت يعتبر تفريضا مخلا في المال العام، وتقويضا لصلاحيات السلطة التشريعية المنتخبة في التشريع والرقابة والمساءلة، ومكافاة للهيئة على التقصير طوال هذه المدة.

ان هذا القدر من الصلاحيات لمجلس إدارة هيئة الصندوق سوف يضر بالصندوق، وقد يشكل مصدر توتر مستقبلي بين المواطن والدولة. إعطاء الصندوق صلاحية تقليل الراتب التقاعدي الذي يقرره، ووقف الزيادة السنوية التي تعين المتقاعد على تحمل الزيادة الطبيعية في الأسعار والتضخم. ويمنح الهيئة حق رفع سن التقاعد، ورفع نسبة الاشتراك الذي يدفعه المواطن شهريا للصندوق، وتقليل مساهمة الدولة في الصندوق، وتغير نسبة الراتب التقاعدي وفق معادلة احتساب متوسط الراتب لعدد من السنوات تحددها الهيئة نفسها. يحدث ذلك مع ما يواجهه المتقاعد من ضيق حال وزيادة الالتزامات تجاه أبناء عاطلين وأسعار في ارتفاع مستمر! ان تمرير هذا القانون سوف يضاعف من الشعور بالإحباط لدى المواطن مع كل ما يترتب عليه من تبعات بعيدة الأمد يجب أن لا نغفل عنها.

ما تطلبه الهيئة هو توقيع شيك على بياض يقدم لها لكي تتحكم في مصائر المتقاعدين. لذلك يطالب المجتمع أولا برفض هذا التعديل، ثانيا مطالبة الهيئة والجهات الرسمية الاخرى بوضع غايات مجتمعية تكاملية وأهداف تنموية وسياسات تتعامل مع البطالة ومستوى المعيشة وواقع ما بعد النقط، وتفرض مستوى معقولا من كفاءة الأداء، وأن تخضع لنظام محاسبة ومساءلة نيابية ومجتمعية وليست من وزارة المالية كما يقول التعديل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *