نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

تقرير البحرين الأول الطوعي حول التنمية الشاملة

في المنتدى السياسي الذي انعقد في نيويورك بتاريخ 16 يوليو 2018 وبتنظيم من الأمم المتحدة، استعرضت البحرين نتائج إنجازاتها في التنمية المستدامة والاهداف الإنمائية للألفية الثالثة. يقول التقرير بان البحرين شكلت لجنة وطنية للمعلومات لمتابعة اهداف التنمية المستدامة وتوطينها وتنفيذها وفق برنامج عمل حكومي. وضعت اللجنة مؤشرات خاصة بها لمتابعة تطور جهود التنمية المستدامة واعدت تقارير حولها ترسلها الى مكتب الإحصاء الوطني، وبذلك اوجدت نظاما للرصد والابلاغ عن المؤشرات وتبادل المعلومات المتعلقة بالتنمية بين الشركاء كافة. ويواصل بان البحرين حققت مكتسبات وقاعدة تنموية صلبة لنهضتها مكنتها من جني ثمارها. هذه المنظومة الالكترونية سهلت الحصول على المعلومات الدقيقة بشأن الإحصاءات والمؤشرات الرئيسية للجهات الحكومية ورفع التقارير الدورية الى مجلس الوزراء.

ويفيد التقرير بان العمل على تحقيق اهداف التنمية تم من خلال ستة محاور أتت في برنامج عمل الحكومة متسقة مع اهداف التنمية بنسبة 78%. وان اعداد التقرير تم بمشاركة واسعة من المجتمع المدني والقطاع الخاص والمؤسسات البحثية والأكاديمية والإعلامية والشبابية والنسوية. هذه جهود سوف تفيد التنمية في المرحلة المقبلة غير ان هناك أسئلة لا بد من استيضاحها لتكتمل الفائدة وتعم المصلحة على المجتمع. من هذه الأسئلة التي نرى ضرورة استيضاحها هي الأسس التي على ضوئها وضعت المؤشرات المستخدمة. اول هذه الأسئلة ما يتعلق بمؤشر مستوى الفقر. يقول التقرير بان البحرين تمكنت من القضاء على الفقر. هذا صحيح في حالة اعتمدنا مؤشر الأمم المتحدة للألفية الثالثة وهو معدل دخل دولارين يوميا للفرد. 

وفق اعلان الوطنية للمعلومات فان هذا المؤشر فعلا تم اعتماده بالرغم من ان البحرين تخلت عن هذا المؤشر قبل مدة واعتمدت مؤشر الفقر النسبي. معدل الفقر بالنسبة للبنك الدولي هو سبع مائة وخمسين فلس في اليوم تقريبا، أي راتب شهري اقل من 25 دينار. بهذا المنطق يعتبر ما جاء في التقرير صحيحا لكنه عمليا لا يعني شيء بالنسبة للبحرين. لذلك ما كان ينبغي ان يستخدم هذا المعيار ونحن نعلم انه لا ينطبق على البحرين. 

تحتاج البحرين الى معيارها الخاص وفق مستوى المعيشة ويتناسب مع الواقع ويحدد حجم الشريحة التي تعيش تحت هذا المعيار. وزارة العمل والشئون الاجتماعية تنشر فقط عدد الاسر التي تتلقى المساعدات وهذه الاسر تعتبر اسر فقيرة في معيار البحرين، فهل هذه تشمل جميع حالات الفقر؟ الملاحظ ان هذه الاسر في ازدياد وليس نقصان!! ففي تصريح للدكتور اكبر جعفري يقول فيه ان نصف البحرينيين يعيشون تحت خط الفقر. فما هو هذا الخط ومن حدده ولماذا لا تتبنى الحكومة معيار واضح معقول ومقبول يقطع أي تكهنات. 

ان وجود اللجنة الوطنية للمعلومات، والتطوير في مجال الحكومة الالكترونية وحصولها على المركز الرابع عربيا و26 عالميا، يفترض ان تكون لدينا معلومات دقيقة حول حالات الفقر وحالات البطالة بين الشباب التي مازلنا نجهلها على عكس ما ورد في التقرير، بل ان التقرير يشيد بقدرة البحرين على توفير “600 الف فرصة عمل دائمة للوافدين”!!! فلماذا يعتبر ذلك انجازأ؟

أسئلة أخرى تحاج إجابات مثل ما هي نسبة الشريحة الفقيرة من المجتمع ونسبة تكدس الثروة بين فئة صغيرة من المجتمع ومستوى الفرق بين اعلى دخل وادني دخل، وهل زيادة التفاوت في الدخل في ازدياد ام في انحسار، وما هو الضرر الاجتماعي من زيادة هذا التفاوت، وكيف تتم معالجته. ان تأثير مثل هذه القضايا وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية يفرض علينا نشر مثل هذه المعلومات لمتابعة تطور حالات الفقر في البحرين، وهل هذه الشريحة تتناقص او تتزايد. 

نشر مثل هذه المؤشرات لا يضير البحرين. فحالات الفقر موجودة في جميع دول العالم وان كانت دول النفط تختلف في طبيعة الفقر الموجود. لكن توفر المعلومات يساهم في معالجته ويقلل تأثيره الأمني الكامن. وجود الفقر دون معالجة اجتماعية واقتصادية وسياسية ستكون له اضرار كبيرة على بنية الوطن. في المقابل خطت البحرين خطوات كبيرة في مجالات أخرى أوردها التقرير من شأنها ان تساهم في تقليل حالات الفقر. لكن ذلك يعتمد على توفر المعلومات للمجتمع لمتابعة هذه الحالات والاشتراك مع الحكومة في العمل على معالجة أوضاعها، ليس من خلال المعونات والمساعدات فقط ولكن من خلال التنمية الاقتصادية التي تشمل الجميع.

التنمية المستدامة ليست مؤشرات توضع يتم تحقيقها او تحقيق بعضها. الاستدامة هي مفهوم ينبغي تطبيقه بادراك محتواه العملي وهي ان التطور والتقدم في أي مجال محكوم بحسن استخدامنا للموارد وادارتنا لها لمصلحة الجميع وبما لا يؤثر على البيئة او على جودة الحياة البشرية ومنها جودة التعليم وجودة الخدمات الصحية وجودة الخدمات الاجتماعية ورعايتنا للبيئة والحياة الزراعية والثروة السمكية وكل هذه الجوانب. من هذا المنظور الشامل نجد ان لدينا قصور في عدد من الجوانب منها التعليم الذي مازلنا نحاول ان نجعله يخدم التنمية المستدامة، مازالت مخرجاته لا تفي بمتطلبات السوق. لا يفيد التنمية ان يقاس التعليم في البحرين بأعداد الملتحقين بالتعليم الأساسي بنسبة 100%، فهذه النسبة لا تعني شيء في بلد بدأ التعليم فيه منذ مائة عام. المهم في العملية هي النتائج المُتَحقَقة من التعليم ومدى استفادة الخريجين من فرص العمل وتأثيرهم في المجتمع وفي الحياة الاقتصادية. كثير من خريجي التعليم بمختلف مراحله مازالوا دون المستوى المأمول وهذا هو المعيار الحقيقي للتعليم في بلد مثل البحرين. 

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *