نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. تقرير بسيوني وفرصة جديدة للمجتمع

تاريخ النشر :13 ديسمبر  2011 طباعة 20

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

بلغ التازيم المفتعل اوجه في المحرق ايام ذكرى استشهاد الامام الحسين (رضي الله تعالى عنه) الذي تديره فئة من المنتفعين والمحرضين والمتطرفين وهدد بالانفجار، تم تجاوزه بجهود عقلاء القوم والمسئولين في الدولة. اصبح من الضروري البحث عن مخرج للازمة بشقيها السياسي والطائفي. هذه الازمة شغلت المجتمع وعطلت من انشطته وشلت تفكير الكثير من المواطنين الباحثين عن مخارج وحلول لتخفيف الاحتقان وتجاوزه. كما انها في الوقت نفسه عقدت محاولة الدفع بالعملية الديمقراطية ، واخرت تاسيس قواعد جديدة للتنمية.

منذ فبراير مرت البحرين بثلاث محطات شكلت فرصا جوهرية لايجاد حلول لم يوفق المجتمع الى الان في انتهازها: المحطة الاولى كانت مبادرة سمو ولي العهد التي رفضتها الجمعات الست. الفرصة الثانية كانت الحوار الوطني الذي تعثر في عدد من محطاته ولم ينتج حلولا سياسية للازمة بعد، الفرصة الثالثة ممثلة الان في تقرير بسيوني بشموليته وروحه التصالحية التي تسعى الى ايجاد ارضية مشتركة نحو تاصيل مفاهيم ومبادئ حقوق الانسان. ندرك ان التقرير – كما كانت الفرص السابقة – في حد ذاته لا يمثل حلا الا اذا تعاملنا معه بطريقة تجعله اداة ايجابية ومنطلقا لتوافق وطني لمعالجة اصل المشكلة السياسية والاقتصادية.

الان ونحن نحتفل بالعيد العالمي لحقوق الانسان (في 10 ديسمبر) نرى ان نكثف الجهود وننتهز هذه الفرصة لرفع الوعي العام بهذه الحقوق وتعميم مبادئها. فالاحتفالات والخطب والكلمات المعبرة التي يلقيها المسئولون غير كافية لتكريس هذه المفاهيم، بل يجب ان يوطن ذلك ضمن المؤسسات الدستورية للدولة. واولى خطواتها هي تكريس اهمية استقلال اجهزة الدولة عن السلطة التنفيذية كما ورد في التقرير (التوصيات 1716-1718) ومن اهم المؤسسات المؤثرة في منظومة حقوق الانسان واحترامها هو استقلال الاعلام والثقافة عن اي نوع من انواع الهيمنة والحجب الا بامر قضائي ووفق القوانين المقرة من قبل المجلس النيابي. ولتكامل منظومة رعاية حقوق الانسان يتطلب الامر اصلاحات دستورية وسياسية تؤسس لهذا الحق كما في توصيات التقرير (توصية 1724).

وبعيدا عن التقرير هناك حاجة الى تغيير في انماط التفكير والمفاهيم لدى العديد من الذين يرون ان الاصلاح يمكن ان يتم من خلال منح المزيد من الحريات والمزيد من الاصلاحات والمزيد من حقوق الانسان. ان روح ونصوص العهد الدولي لحقوق الانسان وتعاليم ديننا الحنيف تؤكد ان هذه الحريات هي حق اصيل للمواطن لا يتفصل عليه احد بها في منح او منع، بل هي حقوق وهبها الله للانسان وكرمه بها على سائر الخلق. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى يتطلب الامر تغيير مفهوم الدولة وعلاقتها بالانسان. يرى البعض ان الدولة هي الاساس وهي اهم من الانسان. يتضح ذلك جليا في الفكر الذي يعتبر ان الثورات العربية (الربيع العربي) هي من صنع الغرب وان كل ما حدث هو تآمر على الدول العربية. وبالتالي يقف ضد الثورات التي رفضت الفساد وهضمت حقوق الانسان كما هو الحال في سوريا الان. يستوجب علينا ان نغير هذه العقلية ونعتبر الانسان اكرم من مؤسسات الدولة، ومن الدولة نفسها مصداقا لقول رسولنا الكرين ان حياة انسان اعز عند الله من هدم الكعبة. فاين اجهزة الدول العربية من الكعبة المشرفة؟

واخر ما سنتطرق له في مفهوم حقوق الانسان هو علاقة الحق بالواجب ونتساءل هل الحصول على الحق مرتبط بالقيام بالواجب؟ كثيرون يربطون الحصول على الحق بالقيام بالواجب بينما يفترض ان يحصل الانسان على حقوقه من دون شروط. فهناك فرق بين الحق غير المشروط والمكافأة التي يحصل عليها الانسان نظير قيامه بواجب ما. فالراتب مثلا يحصل عليه الموطف مقابل قيامه بواجبات عمله، فاذا قصر فيها يمكن ان يخصم من راتبه. لكن ماذا عن حقه في الاجازة السنوية ومكافأة نهاية الخدمة. هل يحرم منهما؟ وكذلك حقه في العدالة وحقه في المساواة وحقه في حرية التعبير هل هي مرتبطة بقيامه بواجباته او حسن سلوكه ان حتى مخالفة القوانين؟

نعلم جميعا ان المجرم القاتل الذي خالف قوانين الانسانية له حق في المحاكمة العادلة. وكذلك كل من ارتكب جرما لا يحرم من حقه في محاكمة عادلة لدى قضاء مستقل. وبالتالي لا يجوز انتقاص هذا الحق لاي سبب. وكذلك حق الانسان في الامان والاطمئنان وعدم التعرض لاي نوع من الترويع والتخويف حتى اثناء المطالبة بالديمقراطية. كما لا يجوز العبث بحق الانسان في العمل والكسب والتعليم الا وفق قوانين مجتمعية تاتي من خلال برلمان منتخب وتتفق مع المعاهدات الدولة التي وقعتها الدولة. فهي غير مرتبطة بقيام الانسان بواجباته ومستقلة عنها.

هذه المفاهيم يؤصلها التقرير وينبغي ان نؤصلها في سلوكنا وفي تعاملنا مع التقرير لتحقيق المصالحة الوطنية وحل الازمة التي تعصف بنا. ان تكامل منظومة المؤسسات الدستورية المستقلة هو الذي يرعى ويحفظ حقوق الانسان وليس الاحتفالات وانشاء الجمعيات الاهلية او الحكومية التي لا تؤثر في الواقع العملي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *