- تكريس قيم الاستدامة والتنافسية والعدالة في خطر!
تاريخ النشر : 16 يناير 2010-
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
العدالة والتنافسية والاستدامة. هذه هي القيم التي تعول عليها الحكومة ومجلس التنمية لبناء مستقبل البحرين وفق رؤية 2030. والهدف المعلن لهذه الرؤية هو مضاعفة دخل المواطن. وبطبيعة الحال فان ذلك يعني رفع مستوى المعيشة وجعل الاقتصاد البحريني مستدام يتمتع بالعدالة والتنافسية. ونتيجة لذلك ينعم المواطن بالامن والاستقرار والحياة الكريمة والمشاركة في القرارات لصنع مستقبله.
هذه القيم التي تسعى الحكومة الى تكريسها في المجتمع لا تختلف عن اي قيم اخرى من حيث كيفية تعزيزها. لتكريس القيم في اي مؤسسة ومجتمع يخضغ لاسس لا يمكن التلاعب فيها او القفز عليها. اولا يجب ان تكون القيم متسقة مع الرؤية والمهمة التي اختارتها المؤسسة. ثانيا يجب ان تتحلى قيادات المؤسسة بهذه القيم وتطبيقها من خلال الممارسات اليومية وفي احلك الظروف التي قد تدفع هذه القيادة الى التخلي عن قيمها.
مناسبة هذه المقدمة هي النتائج المؤلمة التي توصلت لها اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في التجريف والدفان وتاثيرهما اولا على البيئة وثانيا على حياة المواطن ومستوى معيشته. وما تمثله هذه النتائج من تحطيم لهذه القيم التي نتغنى بها وجعلناها مرتكزا لتقدمنا ورخائنا ومستقبل اجيالنا. والتي من المفترض ان يكون سلوكنا متسقا ومتناغما معها.
عقد مجلس النواب جلسة لمناقشة تقرير اللجنة التي ورد فيها الكثير من التجاوزات على الاراضي والبحر والبر وما مثله ذلك من تدمير للحياة الفطرية وقلص الاسماك من 400 نوع الى 50 نوعا فقط مما يمثل تهديدا لمصدر هام من مصادر الغذاء. كما تمثل هذه التجاوزات خسارة قدرتها اللجنة بحوالي 9 مليارات دولار ذهبت الى جيوب افراد متنفذين. اما كيف تم ذلك فانه وببساطة تامة تحويل ممتلكات عامة الى املاك خاصة يتم دفنها من المال العام وتسليمها للمتنفذين ليبيعوها على مؤسسات استثمارية تقوم هي بدورها بتطويرها وبيعها باسعار باهظة بلغت ايراداتها 9 مليارات دولار. من بين الذين دفعوا مدخرات عمرهم لشراء اراضي من المتنفذين هم مواطنون كادحون. اي ان الدولة تعمل بشكل ممنهج الى اثراء الاثرياء وافقار المواطن. كذلك من النتائج المباشرة من هذا السلوك هو تقليص الاراضي المتوفرة للمشاريع الاسكانية التي تراكمت لتصل الى 45 الف طلب.
شدة هول ما يحدث جعل النواب، حتى الموالين منهم، يصفونه بالمصيبة والكارثة والفساد وفوضى عارمة تخترق القوانين والدستور والعرف والمبادئ والقيم التي نسعى لتكريسها في المجتمع. والادهى من ذلك ان هذه الممارسات مستمرة ولا يبدو انها ستتوقف قبل الاتيان على جميع الاراضي الممكن دفنها وتوزيعها قبل ان تَنْبُتْ للبرلمان اسنان لإيقافها.
اما تبرير الحكومة لما يحدث فهو ان تعمير المناطق يتم بموجب مرسوم بقانون رقم 2 لسنة 1994 وان البلديات تشارك في اعداد المخططات العمرانية وفق المرسوم بقانون رقم 35 لسنة 2001. وتواصل تبريرها بان الاراضي والفشوت هي ثروة طبيعية ملك للدولة تقوم على خفظها وفقا للمادة 11 من الدستور. وتضيف بان الاراضي هي من الثروات الطبيعية التي تنطبق عليها احكام المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 2002 وان التصرف في الاراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة لا يجوز لاي شخص طبيعي او اعتباري ان يضع اليد عليها باي صفة كانت بغير سند قانوني. وتَعِدْ الحكومة بانه مستقبلا لن يتم التصرف الا بامر ملكي وبتحديد الغرض من التصرف. اي ان ما يحدث من تجاوزات هو وفق القانون. اما فيما يتعلق بالرمال فان التبرير اتى على لسان وزير شئون مجلس الشورى والنواب بان الرمال ليس لها قيمة. اي الا مانع من اخذها.
ان المحافظة على القيم وتعزيزها في المجتمع يحتاج الى ان نكون صادقين مع انفسنا وان نبدأ بتطبيقها على انفسنا وفي احلك الاوقات والظروف. لا ان نكون اول من يخالفها تحت اي مسمى وحتى لو كان القانون والدستور يسمح بمثل هذه الممارسال فان العدل العام وقيم الاستدامة والعدالة والتنافسية ترفض مثل هذه السلوكيات. عندما نتحدث عن 9 مليارات دولار قيمة الاراضي المسلوبة علينا ان نتصور كم مركز ابحاث يمكن ان ننشئ بهذا المبلغ، وعلينا ان نتصور تاثير ذلك على التنافسية العلمية والانتاجية التي سنوجدها في المجتمع وتاثير ذلك على حياة المواطنين ، كل المواطنين وليس اثراء فئة على حساب المجتمع. اين العدالة في ذلك وكيف تكون التنمية عندما نبدد مواردنا الطبيعية؟ وكيف سنقنع الشباب بعدالة القانون والتفاني في العمل والانتاج؟
نتيجة لهذه المقدمات فان الاستنتاج الوحيد الذي يمكن للمنصف الخروج به هو انه لا بد من تقديم المتسببين الى النيابة واسترجاع المبالغ التي تم الاستيلاء عليها ولنبدأ بعدها صفحة جديدة في تكريس القيم التي نعول عليها في خلق التنمية الحقيقية القائمة على العدالة والتنافسية والاستدامة.