نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. توصيات لجنة الدفان.. وفي القصاص حياة!

تاريخ النشر : 22 يناير  2010

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب لعلكم تتقون، (البقرة 179). استفسرت عن تفسير هذه الاية من احد مشايخنا الافاضل فافاد بان القصاص هو قص الاثر وتتبع الاسباب في المخالفة ومساءلة القائم بها ومحاسبته بالقصاص اي القعاب على الجرم او المخالفة، وفي ذلك حياة واستمرار للمجتمع الاسلامي. بهذه الاية يخاطب المولى عز وجل العقلاء من الناس ليدركوا ان بدون المحاسبة تفسد الحياة، اي ان حياة المجتمعات تقوم على القصاص والمساءلة والمحاسبة والعاقبة. كذلك هناك احاديث وممارسات في التاريخ الاسلامي تعزز هذا المفهوم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم “انما اهلك من كان قبلكم هو اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الفقير اقاموا عليه الحد” او كما قال رسول الله (ص).

اما في علم الادارة فان هناك قانون عام للمنظومات يقول ان كل منظومة ” نظام” يؤول الى الانحلال والهلاك مالم يجدد نفسه”، جكلند 1972. وتجديد الذات بالنسبة للنظام هو التغير والتكيف مع بيئته ومحيطه ومواصلة استشعار المتغيرات من حولة واتخاذ الاجراءات الكفيلة بخلق حالة التوازن المستمر بين البيئة والنظام. واذا فقد النظام قدرة الاستشعار والمساءلة ومحاسبة النفس او فقد ادوات احداث التغيير بدأ الانحدار نحو الهلاك. ومن هنا ياتي المثل القائل صديقك من صدقك وليس من صدقَّك.

وكما في القيم الاسلامية السابق ذكرها، فان الديموقراطية تقوم على مبدأ المحاسبة لحفظ المجتمعات من الانحدار والانحلال والهلاك. فهي تهيئ القدرة على محاسبة متخذي القرار من خلال المساءلة البرلمانية وحرية الصحافة والنقد، وتضع آليات وادوات ومبادئ تحد من الافلات من الحساب لكي يبقى المجتمع حيا وفاعلا ومتطورا. أي أن المحاسبة والعقاب ليست اداة هدم بل هي أساس الحياة كما في الاية الكريمة وقوانين الطبيعة. وما انشاء هيئة ضمان الجودة في التعليم الا اقرار بأهمية التقييم والمساءلة، ووجودها خارج وزارة التربية والتعليم هو ادراك لاهمية ان تكون المساءلة خارج الجهاز التنفيذي. لذلك فان تطبيق مبدأ التقييم والمساءلة والمحاسبة لا يمكن ان يكون انتقائيا وفق رغبات السلطة تقره متى ما كان مناسبا.

ان الثروة الوطنية ومستقبل الاجيال لا تقل أهمية عن جودة التعليم لضمان مستقبل وبقاء هذا الوطن العزيز علينا جميعا. واي تصرف يضر بمصلحة الوطن والمواطن فهو مرفوض مبدئيا ولا يجوز لاحد الاقرار به او تشريعه حتى ولو كان امرا واقعا. فعدم القدرة على التغيير ليس مبررا للقبول بالخطأ والتجاوزات والاستحواذات التي اضرت كثيرا بحياة المواطن وهي مدعاة للانحدار والانحلال.

ان مادار من مداولات في مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي حين مناقشة توصيات اللجنة المختصة بالتحقيق في الدفان والتجريف يوحي بان هناك من يبرر تجاوز القانون فقط لانه اصبح امرا واقعا. هناك الكثير يمكن للمجتمع عمله اذا امتلك نوابه ارادة التمسك بالحق والمطالبة باسترجاعه. وكما انه ليس من شيم العرب استرجاع الهبات كذلك ليس من شيم العرب ولا من سلوك المسلمين التفريط في املاك المجتمع واملاك الدولة والتعدي على ثروات الوطن لمصلحة فئة. ان المحافظة على المصلحة الوطنية واجب كل انسان والتفريط فيها يستوجب المساءلة السياسية والمحاسبة لتستقيم الحياة. والا لا يمكن للمجتمع ان يعاقب من يخالف القانون من صغار القوم دون ان ينطبق عليهم حتمية الانحلال حسب الحديث الشريف. ان ماحدث لا يترك مجالا للشك بانه ضد مصلحة الوطن ومخالف للمادة 9 من  الدستور التي تقول بان “للاموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن”، والمادة 11 التي تقول “الثروات الوطنية جميعها ومواردها كافة ملك للدولة تقوم على حفظها وحسن استثمارها..”. وبما ان ماحدث لا يدخل ضمن المصلحة الوطنية ومنافي للامن والسلم الاجتماعي لذا فهو باطل دستوريا، وعدم وجود قانون يجرمه لا يجعله مباحا. نحن لا نتحدث عن قضية صغيرة يمكن تداركها في وقت لاحق، نحن نتحدث عن تدمير حياة آلاف من المواطنين الذين ينتظرون بيوت اسكان وعلاج وتعليم، وتدمير البحر والثروة السمكية ووصل الامر الى تحويل ارض استكشاف نفط الى ملك خاص.   

حاولت التوصيات التي وردت في تقرير لجنة التحقيق وضع حلول للمشكلة تتلخص في ايقاف الممارسات الخاطئة والمنافية للمصلحة الوطنية ولكنها ولم تتطرق الى استرجاع ما امكن من املاك او فرض ضرائب على المنتفعين منها او حتى رفض الممارسات، اواقرار المساءلة القانونية، بل سمحت للمخالفين بالافلات بغنائمهم دون حتى انكار هذا الفعل بالادانة والرفض، وهذا اضعف الايمان.

نحن امام حالة واضحة من تضارب مصالح فئة مع مصالح المجتمع. ان توزيع الاراضي بهذه المساحات على افراد لزيادة ثرائهم لا يمكن ان يكون في مصلحة الوطن، وبقدر ما نرفض الاعمال التي تخالف القانون وتتعدى على الممتلكات العامة وتعطيل حركة السير في الشوارع كذلك نرفض وبنفس الشدة ما حدث ويحدث للثروة الوطنية على مرأى ومسمع المسئولين. ونعجب لصمت بعض النواب الذين عادة ما يطلقون التصريحات ازاء مخالفات اقل ضررا. هذا يضع المجتمع امام تحد كبير، هل يقر التجاوزات لمجرد انها اصبحت امرا واقعا ام يرفضها حتى ولو لم يستطع تغييرها في الوقت الحاضر؟ للاسف ممثلي الشعب اختاروا قبول التعدي على مصالح من نَصَّبهم والتهاون في تطبيق روح الدستور والقانون فكيف نقيم الحد على الفقراء؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *