بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ١٤ يونيو ٢٠٢٣
مقال الاسبوع – الحوار هو الوسيلة الحضارية لمعالجة القضايا لكن يبدو ان ثقافة الحوار غير متجذرة في وطننا العربي، تقتضي شروط الحوار احترام حقوق الاخرين وحقهم في الدفاع عنه بالوسائل السلمية. شيوع الحروب الاهلية في كثير من الدول العربية دليل على الحاجة للتفكير في سبب ذلك فهل هي الخلافات السياسية ام الاختلافات الدينية؟ ام الجشع الانساني البحت؟
https://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1333572
ثقافة الحوار في المجتمعات العربية
في الوضع العربي الراهن وما يواجه من قضايا بعضها وصل الى الاقتتال في القطر الواحد واخرها السودان التي تشهد اليوم ازمة طاحنة اضرت بالانسان والمجتمع ككل راح ضحيتها ابرياء من اطفال ونساء، واودت بمقدرات الدولة وفرصها في الامن والاستقرار. في نفس الوقت هناك بصيص امل لمعالجة قضايا ملحة اخرى في العلاقات الاقليمية نتيجة حوار بين الاقطاب في المنطقة. في هذه الاجواء اقام مجلس د. محمد الكويتي ندوة تناقش ثقافة الحوار في المجتمعات العربية قدمها الدكتور حسن مدن واضافت المداخلات العديدة جوانب مهمة ومؤثرة في ثقافة الحوار.
بدا الدكتور حسن حديثه عن اهمية الحوار في معالجة القضايا وشروط نجاحه. الحوار مهم وضروري لكل مجتمع ولا توجد قضية تستغني عن الحوار وطرح مختلف وجهات النظر والتعبير عن المصالح. لذلك فان بداية الحوار يجب ان تكون الاقرار بالتعددية التي تعبر عن مصالح متعددة وقناعات فكرية مختلفة ومتنوعة والقبول المبدئي بتعدد الاراء وكذلك وهو الاهم احترام هذا التعدد والاختلاف. وبالتالي تقتضي شروط الحوار بروز توجهات واجتهادات مختلفة للتعامل مع القضايا. وظيفة الحوار هنا الوصول الى فهم وارضية مشتركة يمكن ان ينطلق منه المتحاورون لطرح الخيارات والمعالجات والحلول. كذلك من شروط الحوار الايمان بنسبية الافكار، الفكرة يمكن ان تحتوي على نسبة عالية من الصحة لكنها ليست حقيقة مطلقة وانه دائما هناك مجال للتحسين والتطوير والتقدم بالفكرة في صالح المتحاورين. كما ان الفكرة التي نراها خاطئة قد تحتوي على قدر من الصحة، ولا يوجد من يمتلك الحقيقة المطلقة. ومن شروط الحوارايضا ان يكون الدخول في الحوار طواعية نابع عن ايمان بجدوى الحوار واهميته لعلاج الخلافات ومنع التوترات وتطورها الى مالا يحمد عقباه. اي ان الحوار يفترض اعترافا قبليا بوجود الآخر وبأهليته لأن يكون متحاورا وشريكا بشأن حل موضوع الإشكال المشترك بينهما.
هناك محاولات في المدارس على طرح الحوار كمسألة تربوية تتعلق باداب الحوار مثل عدم رفع الصوت على من هو اكبر او خفض نبرة الصوت والهدوء في الحوار. هذا توجه جيد لتاسيس الناشئة على مفاهيم اداب الحوار، لكنها تختلف عن مفهوم الحوار الذي نحن بصدده. المطلوب تكريس اسس الحوار ليكون آلية لحل الخلافات والتاكيد على الحاجة للاستماع وتقبل تعدد الاراء والمصالح واحترامها والاستفادة من الجوانب الايجابية فيها وما يدعو لقبول التنازلات التي توصل الى الارضية المشتركة. لا احد يقول بانه ضد الحوار، الكل يتغنى بجدوى واهمية الحوار لكن العبرة في القبول به وبنتائجه كمبدأ لمعالجة القضايا ورفض العنف النافي للاخر.
لتيسير التوصل الى مشتركات لا بد ان يكون للحوار هدف لمعالجة معضلة محددة ورغبة في الوصول الى حل، وان يشترك اصحاب الشأن فيه طواعية بمختلف رؤاهم ومصالحهم. وان لا يتحول الحوار الى محاولة التغلب وفرض رؤية معينة من قبل الطرف الاقوى واغفال مصلحة الطرف الاضعف، فهذا سيكون بداية لمشكلة اخرى تبرز في المستقبل. فمثلا حدث حوار بين اطراف الصراع في السودان احتضنته السعودية، لكن هل الطرفان جادين في الحوار ام انها فرصة لكسب الوقت. للاسف هذا النوع من الحروب والصراعات لا تفضي عن طرف منتصر وان كان، فهو مؤقت ينفجر في وقت لاحق.
الحوار الجاد هو الذي ينطلق من الشعور المشترك لدى كافة الاطراف بالرغبة في الوصول الى نتيجة وحل قائم على تنازلات متبادلة بما يراعي المصلحة العامة المشتركة. ما يفسد الحوار هو الشعور بالقدرة على تمرير قناعة وموقف معين بسبب اختلال في موازين القوى. مثل هذا الاتفاق عادة ما يكون بداية الانطلاق لجولة اخرى من الخلاف والعنف. فمثلا ما حدث في نهاية الحرب العالمية الاولى من اتفاق سلام زرع بذور الحرب العالمية الثانية، كذلك كثير من الامثلة في الدول العربية مازالت صراعاتها مشتعلة بالرغم من الدخول في عدد من الحوارات.
الحوار المفضي الى نتائج لا بد ان ياخذ في الاعتبار وجود التعدد والتنوع في المجتمع وفهم تاثيره على الحل. هناك فرق بين التعدد والتنوع، فالتنوع يوجد ضمن التعدد. فمثلا كثير من المجتمعات العربية مكونة من اديان او مذاهب مختلفة، وداخل كل مذهب هناك تنوع فقهي وعقائدي. كذلك يوجد في كل مجتمع تنوع اجتماعي، هناك محدودي الدخل وهناك الاغنياء والطبقة المتوسطة، وهذه الفئات تشترك في المصالح والمواقف من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالرغم من اختلاف انتمائها الديني او الفكري. ونرى في كل مجتمع كيف ان القضايا الاقتصادية والمعيشية تجمع الناس من مختلف الانتماءات الفرعية. فالمصالح الطبقية والمصالح المعيشية تجمع وتوحد بين فئات المجتمع. لا ينحصر هذا في الاديان بل ينسحب على الايديولوجيات السياسية والنظريات الاقتصادية والاجتماعية. بالاضافة الى الحوار في القضايا المصلحية هناك كذلك الحوار الفكري او المحاججة الفكرية والبحث عن البراهين لترجيح عمل او فكرة معينة، وهذا كان رائجا في المجتمعات القديمة اليونانية.
هذا يقودنا الى ما يجري الحديث عنه الان من حوار بين الثقافات والاديان. الحوار بين الاديان مهم وخصوصا في المجتمعات التي شهدت حروب اهلية مثل لبنان والعراق والسودان. لم تكن الحرب طائفية بين اديان وانما صراعات على مصالح ومحاور اقليمية مختلفة، ومع ذلك هذا لا يقلل من الحاجة الى الحوار بين الاديان. احترام الديانات المختلفة يجب ان يكون وفق مبدأ لكم دينكم ولي دين. ووفق هذه القاعدة يكون التعايش بين الاديان حتى وان كانت هناك غالبية لديانة معينة. اي ان نقبل اختلاف الاديان وحق كل دين بممارسة طقوسه وعبادته. فمثلا سيدة فلسطينية مسيحية من ضمن الذين هاجروا الى سوريا في 1948، عاشت في مخيم غالبيته مسلمين، تقول هذه السيدة ان امها كانت تمنعهم من اخذ اكل الى المدرسة في رمضان احتراما لمشاعر الغالبية من الطلبة المسلمين. هذا النوع من الاحترام هو الذي يولد التقارب والتعايش الحقيقي بين الناس على قاعدة انسانية ومواطنة متساوية. وكذلك ينبغي ان يكون الحوار بين القوميات المختلفة ضمن البلد الواحد. فانقسام السودان كان على خلفية دينية، مسيحية في الجنوب ومسلمين في الشمال. فالاحترام والمساواة في الحقوق والواجبات مهم لتحقييق التعايش والتقارب. السؤال هل غياب الحوار خاص بالمجتمعات العربية ولماذا ان كان كذلك؟