- جمعية الوسط … اولويات الجمعيات السياسية
تاريخ النشر : 28 مارس 2008
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
في جمعية الوسط العربي الاسلامي قدمت الكاتبة فوزية رشيد ندوة تحدثت فيها عن دور النخب والجمعيات السياسية في معركة الوعي العربي وصراعه مع القوى الخارجية التي تحاول اقناعه بصداقتها والعمل على مصلحته, والقوى الداخلية التي مازالت غير مدركة لمدى مساعدتها للقوى الخارجية في تاجيج الصراعات الداخلية. تطرقت الكاتبة للعديد من القضايا والمؤثرات على الوضع العربي والخليجي والبحريني. ولخصت المشاكل التي تعاني منها الامة العربية والاسلامية في خمس قضايا رئيسية هي القضية الفلسطينية والهيمنة الامريكية والثورة الايرانية وغزو الكويت واحتلال العراق.
بدأت بالقضية الفلسطينية وكيف انها تراجعت في الوعي العربي واصبح الفلسطينيون هم الخاسر الاكبر في هذا الوضع وانقسامهم في الصراع على لا شيئ اصبحت قضيتهم مهددة بالتصفية متاثرة بالخلافات العربية. وقضية الهيمنة الامريكية ودورها في توجيه السياسة الخارجية العربية والخليجية. والثورة الايرانية وتاثيرها في الدول الخليجية من الهاب الحس الطائفي وتاثير ذلك على السياسات التي تتنتهجها الانظمة الخليحية في التعامل مع اوضاعها الداخلية. واحتلال الكويت وكيف انه وجه ضربة قاصمة للوعي القومي في اجتياح دولة عربية لدولة عربية اخرى وعجز الدول العربية عن معالجة الموقف بل وانقسامها في مواقفها تجاهه. واخيرا قضية احتلال العراق الذي جعل العالم العربي مستباح من قوى خارجية واكد الهيمنة الامريكية على المنطقة والسيطرة على قراراتها وثرواتها ويسر محاولة تمرير المشروع الصهيوني للشرق الاوسط تديره اسرائيل لصالحها وصالح امريكا لولا المقاومة والممانعة العربية.
هذا الوضع قسم الامة العربية الى قسمين، قسم انساق خلف الطرح الامريكي- المدعوم من شركات النفط والسلاح الكبرى – الذي يستبدل العدو الاسرائيلي بعدو اخر من صنعه وهي ايران، وكيف ان الكثير منهم (الدول المعتدلة) اقتنع بانها فعلا المحور الذي يرعى المصالح العربية بمسايرته هذه لامريكا واقتناعه بان امريكا تهمها المصلحة العربية. والمحور الاخر الذي تمثله سوريا وحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد والتي اصبحت توصم بانهم دعاة موت وتساندهم في موقفهم هذا ايران. وطرحت الكاتبة عدد من التساؤلات حول دور الجمعيات السياسية (واضيف لذلك القوى السياسية والدينية والبرلمانية والمجتمعية) وكيف ترى الجمعيات الوضع وماهي مواقفها من هذه القضايا العربية والوطنية وماهي اولوياتها.
لقد تساءلنا (اخبار الخليج 16 اكتوبر2007 – الجمعيات السياسية والحد الادنى من العمل المشترك) وتساءل غيرنا حول دور الجمعيات السياسية من مختلف التيارات القومية واللبرالية والاسلامية كما لخصنا الوضع في مقال سابق (اخبار الخليج- 26 اكتوبر 2007 ) في ثلاث محاور رئيسية مترابطة تؤثر كل منها في الاخر. واول هذه المحاور هو الامن القومي بمفهومه الشامل ويندرج تحته العديد من القضايا مثل الامن الغذائي والمائي والامن الداخلي والطائفية، بما في ذلك علاقتنا مع دول الجوار وكيفية تطوير مجلس التعاون ليكون قوة موازية للقوى الاقليمية الاخرى تربطه بهم علاقة تعاون لتحقيق مصالح مشتركة والاستفادة من الموارد وكيفية استغلالها في مصلحة المواطن الخليجي والمواطن العربي والاسلامي. والمحور الثاني هو التنمية المستدامة التي ان نجحنا فيها سوف تحقق لنا مستوى مقبول من استقلالية القرار السياسي وتعزز الامن القومي وتحرر قرارنا من الهيمنة الهيمنة الامريكية والوصاية الدولية. والمحور الثالث يتعلق بالديموقراطية وكيفية تعزيزها في مجتمعاتنا من مفهوم قطري يراعي خصوصيات كل دولة من حيث السرعة والاسلوب والمضمون. نرى ان هذه المحاور الثلاثة تشكل اطار لتصنيف مواقف الجمعيات من القضايا الخمس التي طرحتها الكاتبة.
لتكون هذه المحاور فاعلة وعملية، ولتكون الجمعيات واقعية في طرحها وتناولها عليها ان تدرك ان العالم خاضع لقوى محركة لا يمكن تجاوزها وتعتبر عوامل نجاح هامة علينا ان نعرف كيف تتعامل معها وتستفيد منها، واول هذه العوام هو المصلحة، اي ان جميع تصرفات وقرارات الفرد، وكذلك الجمعيات والدول، ترتكز على مفهوم معين من المصلحة الذاتية. فاذا ادركنا ذلك استطعنا ان ندير حوارا موضوعيا وصريحا ياخذ هذه المصالح في الحسبان بعيدا عن الشخصنة. والمصلحة هنا ليست بالضرورة مادية او آنية فقد تتمثل في الدفاع عن معتقد سياسي اوديني او اقتصادي او علمي. والعامل الثاني الذي علينا ان نعيه جيدا ونعرف كيف نتعامل معه هو العولمة. العالم اصبح قرية وتسير في هذا الاتجاه شئنا ام ابينا، وقريبا سوف نكون في خبر كان ما لم نتمكن من اتقان ادوات العولمة مثل العلم والتاثير في الثقافات والمجتمعات الاخرى. والقول بان العولمة من صنع امريكا قول خاطئ، فالواقع ان امريكا (والغرب) تستفيد من العولمة لانها امتلكت ادواتها واتقنت استخدامها وتطويعها لمصلحتها.
ادراكا لهذين العاملين وفهما للقواعد التي تحكم العمل بمقتضاهما يمكن لكل جمعية ان تضع رؤى للمحاور الثلاثة وتتوصل الى المحددات والعقبات في كل منها. فمثلا فيما يتعلق بقضية الامن القومي قد تتوصل الجمعيات الى مفهوم يعتمد على قدرة دول الخليج على تشكيل وحدة عسكرية واقتصادية وعلمية تتعاون مع جيرانها في تعميق المصالح المشتركة لمختلف الدول في المنطقة، وتعتمد على امتدادها القومي العربي والاسلامي، ولا تقوم على المواجهة مع الجيران او قائمة على نظرة مذهبية ضيقة مدعومة من قبل الامريكي والصهيوني. هذا المفهوم للامن القومي له استحقاقات يتوجب على الجمعيات تبنيها والعمل بمقتضاها وترويجها في المجتمع. وكذلك الحال بالنسبة للتنمية المستدامة والديموقراطية.
عندما تحدد كل جمعية موقفها من هذه المحاور في معزل عن الاخرى، ناتي بعد ذلك للمقارنة، فسنجد ان هناك الكثير من التشابه في المواقف التي يمكن ان تشكل القاعدة الصلبة للعمل المشترك وتحديد الاولويات. واقترح ان يتم ذلك في ندوة الحوار الوطني القادمة.