نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. جهاز تخطيط.. أم وزارة تخطيط؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٢٠ أبريل ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع: النواب يقترحون وزارة تخطيط. زيادة تكلفة بدون نتائج. جهاز صغير مرتبط بمجلس الوزراء ويكون المساءل مجلس الوزراء وليس وزير. 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13907/article/17078.html

في جلسته المنعقدة بتاريخ 12 ابريل الجاري وافق مجلس النواب على اقتراح برغبة لإنشاء وزارة للتخطيط وبرر ذلك بالرغبة في الوصول إلى ما وصلت إليه دولة الإمارات. النموذج الإماراتي ذو طابع خاص واتضحت اشكالياته بعد الأزمة المالية 2008. هناك تجارب كثيرة توضح أن وجود وزارة تخطيط لا يعني بالضرورة النجاح في عملية التقدم والتنمية. الأهم هو وجود نظام ينظر إلى عملية التخطيط على أنها جزء أساسي من عمل الحكومة، وأنه منظومة متكاملة تشمل التنفيذ والتقييم والمراجعة والمساءلة والمحاسبة على النتائج، كما يحتاج إلى مجلس نواب قادر على المساءلة والمحاسبة ومجتمع مدني تتوافر له المعلومات للمتابعة وصحافة حرة تحلل بتجرد من دون محاباة صارخة. اكتمال هذه الحلقة أهم بكثير من وجود وزارة للتخطيط تفتقد الصلاحيات.

فمثلا تجربة البحرين في التخطيط بدأت بوضع الرؤية الاقتصادية عام 2008 بطريقة تشاركية أسهم فيها عدد كبير من المسؤولين والاختصاصيين ونتج عن ذلك رؤية وطنية طويلة المدى. ماذا حدث لهذه الرؤية ولماذا لم تنفذ كما نتمنى حتى الآن؟ أحد أهم الأسباب هو عدم قيام الدولة بوضع خطة مرحلية للتنفيذ وإنما أوكلت لكل وزارة وضع خطتها لفترة أربع سنوات، وصدرت في 2009-2014، وانتهت المدة من دون ان يتضح إلى أي حد اقتربنا من الرؤية. احد الاسباب عدم وجود خطة على مستوى الدولة لوضع أولويات تنبثق من الرؤية ووضع أهداف تتسق معها وتمكن الوزارات من ربط أهدافها بالرؤية. بالإضافة إلى عدم وجود المنظومة المساندة للتخطيط من الشفافية والمشاركة المجتمعية والمساءلة والمحاسبة. 


ومع ذلك نقول إن التخطيط على مستوى الدولة يمكن ان يتبع أحد الخيارين، أما من خلال وزارة للتخطيط وإما من خلال جهاز صغير تابع لمجلس الوزراء. صغر حجم البلد وطبيعة عمل الوزارات التنافسية وشدة التحفظ على المعلومات في الوزارات تجعل خيار جهاز تخطيط صغير يقوم بهذه العملية هو الأنسب. على ان يكون تحت مسؤولية احد نواب رئيس مجلس الوزراء وأن يخضع للمساءلة البرلمانية والمجتمعية على هذا المستوى.
رد السلطة على اقتراح النواب الأخير هو ان الدستور يمنع النواب من إنشاء مثل هذه الوزارة وهو حق لجلالة الملك. هذا الرد غير كاف لإقناع المجتمع بعدم الحاجة إلى التخطيط. في مناسبات سابقة اتضح موقف السلطة الرافض لفكرة التخطيط. ففي عام 2009 تطرق مجلس النواب إلى مقترح بإنشاء هيئة عليا للتخطيط ولم يُتخذ فيه أي قرار، وفي ذلك الوقت كان رأي مجلس الشورى رافضا لفكرة مجلس أعلى أو وزارة ويكتفي بجهاز صغير يتبع مجلس الوزراء. أما السلطة فلم تر حينها حاجة إلى التخطيط المركزي وتكتفي بالتخطيط على مستوى الوزارات. ونرى أن هذا التوجه هو الذي عطل تنفيذ رؤية 2030. فالتخطيط على مستوى الدولة ضرورة تفرضها الحاجة للنظرة الشمولية لإدارة الدولة والمجتمع والتعامل مع التغيير المتسارع في البيئة الداخلية والمحلية والإقليمية والدولية وما ينتجه من تعقيد متزايد ومتداخل. 


فمثلا عملية إيجاد فرص عمل لا تعتمد على وزارة العمل، وإنما هي مرتبطة بقضايا كثيرة منها تنويع مصادر الدخل وحجم الاستثمار وتوجهاته ومخرجات التعليم وقوانين وأنظمة العلاقات العمالية ورخص التجارة وتوافر الأراضي للمشاريع الصناعية وتوزيعها على المناطق والقطاعات وسياسة الدولة التنموية والصناعية والعلمية، كما يتأثر بسعر الفائدة وتوافر رأس المال للاستثمارات المحلية وسياسة البنوك في الاقراض. كما ان معالجة قضية الإسكان لا تعتمد على وزارة الإسكان فقط بل تتجاوزها إلى التخطيط العمراني وتوافر الأراضي والبنى التحتية ورؤوس الأموال وجميع ذلك خارج عن تأثير وزارة الإسكان المباشر. أما مستوى التعليم والخدمات الصحية فهو مرتبط بالزيادة السكانية وبمتوسط الدخل وغيرها. هذه القضايا وغيرها يتم التعامل معها على مستوى الحكومة وليس بمقدور أي وزارة منفصلة التصدي لها. 


لذلك فإن هذا التداخل والتشعب والتعقيد في السياسات التنموية في الدولة الحديثة يفرض قدرا من التخطيط على مستوى الحكومة. بالإضافة إلى هذه العوامل الداخلية فإن الحاجة إلى جهاز للتخطيط ضرورة تفرضها المتغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية، مثل تذبذب أسعار النفط وأهمية تنويع مصادر الدخل وما يترتب على ذلك من متطلبات وتسارع وتيرة التنافسية الإقليمية والدولية. 


لذلك فوجود جهاز تخطيط يرتبط بمجلس الوزراء تحت رئاسة أحد نواب رئيس المجلس يمنحه سلطة أكبر على الوزارات ويساعده في متابعة التنفيذ ويوفر معلومات أشمل تستخدمها في التخطيط. مثال على ذلك سلطنة عُمان، حيث ترتبط الهيئة العليا للتخطيط بمكتب تابع لجلالة السلطان مهمتها وضع الخطط الاستراتيجية والسياسات وكذلك وضع الآليات الكفيلة بتنفيذ هذه الاستراتيجيات والسياسات ويرتبط بها مركز المعلومات الوطني الذي يمدها بالمعلومات والبيانات المطلوبة للتخطيط. أو الهيئة العليا للتخطيط والتنمية في الكويت.


جهاز التخطيط هذا يحتاج إلى دعم ومساندة من أجهزة أخرى تمده بالمعلومات والدراسات، فهل سيعمل مجلس النواب على إيجاد مثل هذه الأجهزة. فهناك حاجة إلى مركز دراسات اقتصادية طويلة المدى تربط الرؤى بالاستراتيجيات المرحلية في قضايا محددة. في وضعنا الحالي نحتاج إلى دراسة لنظام ضريبي يستجيب لعنصر العدالة في توزيع الثروة والدخل. يمكن لمجلس التنمية الاقتصادية القيام بمثل هذا الدور لو أضيف ذلك إلى مهامه. كما تحتاج عملية التخطيط إلى انفتاح في توفير المعلومات من خلال تشريع حق الحصول على المعلومات لإشراك المجتمع في التخطيط والمتابعة والرقابة.


لذلك أرى أن مقترح النواب يفتقر إلى التكامل في معالجة العديد من القضايا المرتبطة بعملية التخطيط لكي يكون دافعا لعجلة التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي. أما استحداث وزارة للتخطيط فستكون كأي وزارة مقيدة بالروتين ومحدودة من حيث الصلاحيات والقدرة على متابعة التنفيذ.


mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *