نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

حال الأمة – إلى إصلاح بعد مخاض

تاريخ النشر :٢٢ أغسطس ٢٠١٣ 

بقلم: د.محمد عيسى الكويتي  

مقال الاسبوع – ما يحدث في العالم العربي ليس مؤامرة وانما هو مخاض ونتيجة مباشرة لعقود من الاستبداد الذي شوه المجتمعات وتدفع ثمنه الان من دماء ابنائها، ومازال هناك من يروج للاستبداد ويتساءل عن حال الامة. 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12935/article/43378.html

ما يدور في عالمنا العربي يجعل الانسان يتحسر الما على الارواحالتي تزهق وعلى الطاقة المهدرة والوقت الضائع ويتساءل لماذا يحدثذلك؟ ولمصلحة من يحدث ذلك؟ 

يأتي الجواب من البعض انها المؤامرة الغربية، وتقرير البنتاجونلـ«تحقيق خطة برنارد لويس» والوثائق السرية التي تعبث بأوطانناوتبدد ثرواتنا وتصادر حرياتنا وتفتت دولنا وتضعف عزيمتنا. يقولمروجو فكرة المؤامرة ان الدول العربية قبل الثورات كانت افضل منالان، متجاهلين العديد من التقارير والدراسات التي تقول ان «سوءالوضع العربي هو الذي يستدعي الثورات».  

يصف مروجو فكرة المؤامرة حال الامة من التسعينات إلى ما قبلثورات الربيع العربي بانه كان أكثر ازدهارا وقوة! في حين ان التقاريرالعربية والدولية للفترة ما بين 2000 إلى 2010 تشير إلى ان مستوىالبطالة مثلا في مصر يفوق 10% لسن 15 سنة فأكثر، وبين الشبابقد تصل إلى 30%؛ مستوى الفقر في مصر وصل 50% واليمن40%؛ اما النمو الاقتصادي الحقيقي فمتدنٍ ويتراوح بين 1,5 الى2,5%، دخل الفرد اقل من 3 آلاف دولار في الدول غير النفطية؟(المصدر: النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية). مستوى التعليم العربي هو الادنى في العالم، القدرة على انتاج الغذاءتتراجع في اكبر الدول الزراعية مثل السودان؟ مؤشرات حقوقالانسان والانتاجية والابتكار والانتاج الصناعي متدنية؛ ومازالت معظمالدول العربية تعتمد على الاقتصاد الريعي. فهل هذا ازدهار؟ هذاالازدهار تشعر به نخبة من المتملقين والمنافقين المستفيدين ، اما بقيةالشعب فلا نصيب له.  

يقول مروجو فكرة المؤامرة ان اول خطوة في الخطة قد تم تنفيذها فيالعراق، وينسون او يتناسون الدور العربي في التعاون مع امريكا فيتدمير العراق. اما واضع خطة تقسيم الدول العربية (siweLdranreB) والذي يستشهد به مروجو فكرة المؤامرة، يقول في كتابة«ما الذي حدث؟ – الصدام بين الاسلام والحداثة-2002» ان العربيعلقون فشلهم على كل الناس الا أنفسهم وقادتهم المستبدين، وينصحبان يُصلح العرب بيتهم من الداخل والاصلاح الذي يتحدث عنه هونفسه ما تطالب به الشعوب العربية، وهو نفسه الاصلاح الذي تقاعستعنه قياداتها وآثرت الاستبداد والاثراء على حساب الشعوب وخداعالرأي العام بالكلام المعسول . 

يؤكد مالك بن نبي في كتابه «ميلاد مجتمع» على أهمية التضامن فيالمجتمع لخلق التماسك القائم على شبكة من العلاقات الاجتماعية،وعلى ارضية من العدل والتوزيع العادل للثروة، والا تظهر النزعاتالفردية والفئوية لتهدد المجتمع بالموت. ويرى ان المؤشر على ضعفالتضامن هو التهميش وعدم الاحساس بمعاناة المستضعفين، وبروزالصوت العالي لانتزاع بعض الحقوق. في الربيع العربي أصبحالصوت العالي هو معظم الشعوب التي شعرت بالتهميشوالاستضعاف. 

لا أحد ينكر ان للغرب مصالح، ولا يريد دولا عربية قوية، وبطبيعةالحال هو يضع السيناريوهات والخطط التي تمكنه من تنفيذ مبتغاه،لكن من الذي مكنه من تحقيق ذلك؟ فاذا كان هناك مؤامرة فهي تآمرالعرب على بعضهم. فكيف بعد كل هذ التناحر ان نلوم المواطن ونتهمهبعدم مراعات مصلحة بلده عندما يثور ويطالب بحقوقه المهدورة وكرامتهالممتهنة ويدافع عن مستقبل ابنائه التي ضيعها من استأثروا بخيراتاوطانهم واستباحوا مقدراته واهملوا تعليمه وتنميته. 

لا يمكن بناء دولة قوية تكون غايتها «اقامة الدولة» باعتبارها غاية فيحد ذاته، فجميع الدول التي قامت على هذه الفكرة انهارت. بناء الدولةيجب ان يقوم على مفهوم بناء الانسان (الانسان هو الغاية والوسيلة) وبناء المجتمع المتضامن ومؤسساته ومنظماته القوية القادرة على خلقثقافات مجتمعية منتجة وناقدة ومستقلة عن الدولة. الدولة قويةبمواطنيها وبمجتمعها وبفصل الدولة عن السلطة الحاكمة. اما بناءالدولة على حساب حرية وكرامة الانسان لمصلحة طبقة ونخب متسلقةفهذه الدولة تقوم فقط على القوة العسكرية التي قد تنهار في اولمواجهة مع المجتمع الذي اخضعته. هكذا بدأت معظم الدول العربية،تقوم على طليعة من الاحرار ومتى ما استتب الامر لأحدهم قامبتصفية الاخرين وابقى على الاتباع الخانعين فيبدأ الانحدار،ويستولي على الدولة واجهزتها، وتصبح الدولة متماهية في السلطةونظام الحكم، يتعامل معها وكأنها ملك خاص يرفض جميع انواع النقدوالمطالبة بالحرية والمشاركة في السلطة والثروة. الديمقراطية هيالنظام القادر على اظهار جوانب القصور ومناقشتها في العلن واخذالدروس والعبر منها دون خشية من بطش السلطة، وهذا ما تطالب بهالشعوب. 

واخيرا نتفق بان بناء الاوطان يحتاج إلى بناء العقيدة وتخليص الثقافةمن آفات الطائفية والتطرف والعصبية والانانية. وان العلاج يبدأ منالداخل، لكن الداخل هو تصالح السلطات مع شعوبها والقبول بشراكةالسلطة مع الشعب والايمان بان بناء الاوطان يبدأ ببناء الانسان. اماالحنين والرجوع لمشاريع التسعينيات الشمولية وما قبلها فهو مرفوضولا امل في بناء اوطان على أنقاض الانسان ومن خلال الاستبدادتحت اي شعار. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *