15 يوليو 2024
حال الأمة.. وذكرى مقتل الامام الحسين عليه السلام
في كل عام تتذكر الامة الاسلامية بالم، فاجعة كربلاء وما حدث لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا موسم يبنغي ان يكون للتأمل في حال الامة وكيف تطور ووصل الى ما نشهد آثاره اليوم في حرب غزة والابادة التي يتعرض لها اخوة في العروبة وفي الاسلام و في الانسانية، دون ان تتمكن الامة من وقف هذا العدوان وحفض حقوق الشعب الفلسطيني.
كامة اسلامية علينا ان ندرك ان ما يجمعنا اكثر بكثير مما يفرقنا. فالاسلام دين داعي للرحمة والمحبة والمآخاة. في واقعنا العربي والاسلامي نجد اليوم ممارسات على عكس ما تتطلبه هذه الدعوة والقيم التي تنادي بها. فكيف وصل بنا الحال الى هذا الوضع المؤسف؟ السؤال واجب، ويتكرر سنوات وعقود بل قرون والى الان لا نستطيع ان نبحث فيه خوفا من عواقب قول ما يغضب هذا الطرف او ذك.
الخلافات العربية والاسلامية ليست على مستوى الافراد وليست بسبب اختلاف المذاهب والمدارس والتيارات السياسية الدينية الليبرالية. فمثل هذه الاختلافات امرا طبيعيا يحدث في جميع الثقافات والامم. وهي طبيعة بشرية ناتجة عن اختلاف الافهام واختلاف المقاصد والمصالح والتوجهات. لكنها كانت مدعاة للحروب والصراعات (في الماضي والحاضر) الا ان كثيرا من مناطق العالم تجاوزها واعترف بحق الاختلاف واهمية فتح باب الحوار والنقاش حولها، ليس لاقناع الطرف الاخر وانما لفهم كل طرف موقف ورؤية الآخر.
كذلك فان الحالة التي نحن فيها ومنذ قرون ليست بسبب الاختلاف في الاديان او المذاهب او التيارات السياسية ولكنها راجعة الى كيف نتعامل مع هذه الاختلافات ولماذا تتحول من توجهات مختلفة تعبر عن اختلاف في فهم النصوص الاساسية وتفسير تدوين الاحداث التاريخية والمعايير التي نوظفها لهذا التدوين والفهم والتفسير الذي نتوصل اليه وفق هذه المعايير. وكل هذه الافهام والتفاسير قابلة للنقاش وتبادل الاراء حولها، وهي ناتجة عن بشريتنا وعن اختلاف مصالح من دَوَّنها. المشكلة تبدأ عندما يتحول ذلك من مذاهب الى “مذهبية” (ايديولوجية) دينية كانت او فكرية او سياسية او اقتصادية. لعبت الاحداث السياسية والصراعات في صدر الاسلام دورا كبير في خلق مثل هذه العقلية المذهبية المتعصبة لتفسير وفهم دون اخر، واعتباره الحق المطلق وما عداه باطل خدمة لمصالح دنيوية للسلطة السائدة حينها ايا كان مصدر سلطتها.
النتيجة التي وصلت لها الامة هي مزيج من المعاناة وتحديات التخلف وصراعات ومنازعات تُعيق تقدمها وتقوّض أمن واستقرار العديد من دولها. لكي لا تكون هذه النتيجة مصيرا محتوما علينا تعزيز الحرية الفكرية وتقبل الاختلاف والايمان بنسبية القناعات وعدم امتلاك الحقيقة المطلقة، فهذه أسس لتكوين دولة مدنية ديمقراطية، ومجتمعات حيوية قادرة على مواكبة العلم والمعرفة وانتاجهما، والدخول في سباق العصر وامتلاك اسباب القوة والمنعة والكرامة، وهذا يحدث في المدارس وكل من يتعامل مع الناشئة.
مهمة الامة اليوم وفي ذكرى الامام الحسين عليه السلام، وهي ذكرى مستمرة وليست موسمية، ان تدرك ضرورة تغيير هذا الواقع وان تحاول جاهدة فتح باب الحوار والنقاش العقلاني المنطقي الذي يحلل ما حدث تاريخيا بموضوعية دون تعصب واصطفاف، وان تتقبل الاختلاف وتعدد القراءات الناتجة طالما انها تستند الى منطق وادلة خاضعة للمساءلة العلمية والعقلية المتجردة، وليس فقط وثائق تاريخية قد تتناقض مع وثائق اخرى، او مواقف سياسية ناتجة عن التجاذبات والصراعات على السلطة حينها. اما القراءات التي لا تخضع للمعايير ولا تقبل المساءلة فسوف تضعف من تلقاء نفسها في المجتمعات العقلانية، دون اعلان حرب على اصحابها.
هناك محاولات منذ القرن الثامن عشر، ومستمرة، من افراد (مشايخ دين، وقادة سياسيين ومفكرين ومثقفين) للتصدي لهذه الظاهرة المقيتة. وهي في صراع مع التيارات التقليدية التي تعتبرها خارجة عن السياق وبالتالي منبوذة وضالة. مستقبل الامة في نجاح هذه الجماعات الطليعية المستنيرة في رأب الصدع بين هذه المذهبيات والايديوجيات المتصارعة، في تغليب لغة الحوار وقبول الاختلاف والتنوع والتعدد واستقاء مصادر القوة منه. غير اننا نعيب على بعضهم التشنج في الطرح والحوار متاثرين بنفس الثقافة الرافضة للاخر. على هذه الجماعات ان تضع لنفسها اهدافا وبرامج تشمل اهمية تعزيز الحرية الفكرية والتفكير النقدي في المناهج الدراسية، وابراز العلاقة العضوية بين حق الاختلاف وما ينتج عنه من تنوع وتعدد وبين القدرة على الابداع والابتكار وانتاج المعرفة.
المهمة صعبة وتتطلب تضحيات وصبر ومثابرة ونفس طويل، مع التمسك بروح الحوار العقلانية. فمثلا يقول الدكتور محمد جابر الانصاري في صدمة 1967 (كما ورد في مقال الاستاذ كمال الديب- البلاد-17-6-2024) “ان مساءلة الهزيمة العربية ضرورة وتبدأ بتحليل الاوضاع العربية، ويعزو ذلك الى غياب ثقافة المراجعة، وارتطام الامة بحقائق العصر الحديث، وصولا الى الحصار الاصولي المعادي للعقل. وهذا مصدر المذهبيات والايديولوجيات المتصارعة (او ما سماه ثقافة الريف)”. لذلك فان مهمة من يتصدى لهذه الحالة العربية الاسلامية ستكون عسيرة ومعركة على أكثر من جبهة.