نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. حتى لا نضيع في التفاصيل

تاريخ النشر : 11 يوليو  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في لقاء جمعنا مع بعض المتحاورين دار الحديث حول كثرة وتشعب المحاور والنقاط المطروحة للحوار الوطني ومدى امكانية الخروج بحلول من خلال الالية المعمول بها. كذلك عكست الصحافة هذا التخوف على لسان الدكتور يوسف المشعل وغيره. خلص الحديث الى ان هناك توجس من امكانية الخروج بحلول بسبب العدد الكبير من القضايا التي قد يكمن علاجها في قضايا اخرى واحتياج المتحاورين الى معلومات وبيانات لمعالجتها. فمثلا في المحور الاقتصادي مايزيد على 24 قضية كل منها يتطلب الكثير من الجهد والمعلومات والبيانات والدراسات اذا اردنا الدخول في تفاصيل علاجها. فمثلا اصلاح التعليم، وهو من القضايا المطروحة على الحوار، مر بعدد من المراحل وتقدمت الوزارات المتعاقبة بالكثير من المبادرات والمقترحات، وجربت الكثير منها، ومع ذلك مازال المستوى لم يصل الى طموح الناس او الى متطلبات التنمية وحاجة السوق. فكيف سيتمكن المتحاورون من وضع حلول لمثل هذه المشكلة بتفاصيلها في الوقت المتاح للحوار؟ 

ان مارأينا من حوار الى حد الان حاول ان يبتعد عن الخوض في تفاصيل القضايا والتركيز على السياسات. هذا سوف يسهل العمل كثيرا ويجنب المتحاورين الغرق في تفاصيل القضايا. غير ان هناك امر آخر ليس من السهل تجاوزه وهو الترابط بين القضايا مع بعضها البعض. فمثلا قضية التنافسية الاقتصادية اقليميا ودوليا والمطروحة على الحوار هي قضية متشعبة ومتداخلة مع محاور اخرى. ان القدرة على التنافسية هي عملية بناء طويلة المدى تعتمد على اربع أسس هي 1) الابداع والخيال في معالجة المشاكل. 2) الابتكار في خلق المعرفة والتكنولوجيا وكيفية استخدام النتائج لتطوير منتجات جديدة. 3) الريادة في تأسيس مشاريع انتاجية توصل نتاج الابداع والابتكار الى السوق. 4) الانتاجية في تقديم هذه السلع والخدمات باسعار تنافسية. اضافة الى ذلك يتطلب الامر جذب الاستثمارات الاجنبية والمحلية التي عادة ما تبحث عن ملاذ آمن. اي ان التنافسية تحتاج الى الامن والاستقرار لجلب الاستثمارات المحلية والاجنبية، وتحتاج الى مناخ سياسي واجتماعي مناسب، ومبادرات حكومية تشجع وترعى وتنمي القدرات الابداعية والابتكارية والريادية والانتاجية. 

وبحسب المنظمات الدولية، وبالنظر الى مؤشرات التنافسية العالمية، نجد ان الدول المتقدمة في مجال التنافسية هي تلك التي تتمتع بقدر كبير من الديمقراطية والحرية والانفتاح وقادرة على محاربة الفساد ووضع الاليات السليمة لمساءلة ومحاسبة السلطة التنفيذية. فمثلا صدر قبل ايام تقرير الامم المتحدة في التنافسية لعام 2011 واتضح، كما في السابق، ان دول ديمقراطية مثل سويسرى والدنمارك وسنغافورا تتصدر القائمة. بينما دول مثل سوريا والجزائر وكوريا الشمالية تجدها دائما في المؤخرة بسبب الاستبداد والفساد. هذا يوضح بشكل جلي بان هناك علاقة كبيرة بين البيئة السياسية المنفتحة والحرة وبين القدرة التنافسية للدولة والاداء الاقتصادي بشكل عام. لذلك فان مهمة المتحاورون، وفي جميع المحاور، يجب ان تنحصر في خلق البيئة المناسبة لمسيرة الاصلاح في جميع المحاور.

ان وضع الحلول التفصيلية من قبل المتحاورين سوف يفرض عليهم الاجابة على السؤال الملح ماذا لو لم يتم تنفيذ مقترحاتهم؟ ماهي الاداء التي وضعوها في يد المجتمع لتمكنه من المساءلة والمحاسبة في ظل برلمان منقوص الصلاحيات ومجتمع مدني محدود الامكانيات ومحجوبة عنه المعلومات؟ يقودنا ذلك الى القول باهمية اولا: تركيز جهد المتحاورين على ايجاد الارضية المناسبة والبيئة التي تساهم في طرح الحلول والبدائل لمشاكل المجتمع التي اوصلته الى هذا الوضع. ثانا: ان تسمح هذه البيئة بوضع التشريعات والقوانين والتطمينات التي تضمن مناقشة البدائل بكل حرية وشفافية للخروج بالحلول العملية. ثالثا: التاكيد على ضرورة وجود الضمان القانوني لتوفير المعلومات للمجتمع ليتمكن من المتابعة والتقييم والمشاركة الفاعلة. ورابعا: ان يتوفر للمجتمع القدرة على مساءلة ومحاسبة الجهة المكلفة بالتنفيذ سواء كانت الحكومة ككل ام وزارة معينة او هيئة مستقلة ومقاضاتها ان لزم الامر. خامسا: ان يكون لدى المجتمع الاستقلال القضائي القادر على محاسبة السلطات التنفيذية بشكل خاص والتصدي للفساد وكل التجاوزات والتقصير بشكل عام.

لذلك نرى انه على المتحاورين ضرورة الاهتمام بالرؤية الاستراتيجية الشاملة التي تركز على المشاكل الرئيسية بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية. هذا يعني ان يتمتع المتحاور بالذهنية المنفتحة التي لا تخشى وضع الحلول الامثل والشاملة لمعالجة المشاكل الرئيسية اولا، ومن ثم تعديل هذه الحلول للتعامل مع المخاوف المشروعة لاطراف الحوار مع قدرة على تفهم مواقف الطرف الآخر، دون ان نمكن هذه المخاوف من شل تفكيرنا، كما حذرنا منه جلالة الملك. 

ندرك ان هناك توجسات لدى المجتمع من بعض المقترحات المطروحة مثل الحكومة المنتخبة والبرلمان كامل الصلاحية، وهنا تكمن القدرة الابداعية لدى المتحاورين في ايجاد نظام سياسي يستطيع ان يخلق البيئة المناسبة لتنفيذ الحلول المتفق عليها والتي تحقق الامن والاستقرا، وتضمن المساءلة والمحاسبة على النتائج ومحاربة الفساد وتؤدي في نهاية المطاف الى حياة حرة كريمة للمواطن. وبذلك نضع البلاد على سكة التطور الديمقراطي ونحو الدولة المدنية التي تضمن حقوق الجميع، وتؤدي الى تطمين المجتمع وعدم وضع قاطرته على منحدر المنرلق الطائفي المتشنج، وفي نفس الوقت يضمن عدم المساس بثوابت الميثاق الوطني ونظام الحكم. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *