حديث جلالة الملك وفرص نجاح الحوار
تاريخ النشر :٢٣ أبريل ٢٠١٤
بقلم: د.محمد عيسى الكويتي
جلالة الملك يدعو القيادات الوطنية للمساعدة في تقريب وجهات النظر والقيادات مرعوبة من الشارع ومن جهات أخرى في السلطة. اين المصلحة الوطنية التي يتغنون بها ويتهمون اخرين بعدم مراعاتها؟
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13179/article/18769.html
في حديث جلالة الملك إلى رؤساء التحرير أطلق جلالته دعوة إلى قوى المجتمع«للتقريب بين الناس» وابدى طموحه في دور فاعل للقيادات الوطنية في«تقريب وجهات النظر ولم الشمل» والمساهمة بذلك في إنجاح الحوار. قد لاترتقي قيادات الجمعيات السياسية للاستفادة من دعوة جلالته هذه، وتبقىمستمرة في المراوحة على مواقف جمدت عليها طوال ثلاث سنوات.
لا توجد مهمة للجمعيات السياسية اكبر من مهمة مواجهة الازمة الحالية التيعصفت بالبلاد لمدة تزيد على الثلاث سنوات وماتزال. منذ البداية انقسمتالمشكلة إلى شقين. الشق الأول سياسي لم تبدأ حلقاته في 14 فبراير بل كانتمستمرة منذ السبعينيات تغذيها الأحوال الاجتماعية وصعوبة ايجاد فرصالعمل وتراكم طلبات الإسكان ومسائل الواسطة والمحسوبية. وبرزت مسألةالفساد في العشر السنوات الماضية (تقارير ديوان الرقابة المالية) وطال المالالعام والأراضي (تحقيق البرلمان) واستمر إلى اليوم واضيفت مشكلة التجنيسلم تستجب الدولة لما كتبه كثيرون ومازالت أقلام تكتبه بشأن هذه القضايا.
فمثلا تشكلت لجان تحقيق برلمانية توصلت إلى ادانة الأفعال من دون ان تتمكنمن ادانة أي فاعل ولا حتى تقارير ديوان الرقابة المالية مكنت المجلس من أياستجواب او اصلاح الوضع.
المتضرر الأول من كل ذلك هو المواطن العادي والمجتمع بجميع فئاته. المواطنمتضرر في حياته وفي تعليمه وفي سكنه وفي حريته وفي حقوقه. كما ان طولامد الازمة يضر بالوضع الاقتصادي فتأثرت العديد من القطاعات الاقتصاديةوتضررت فرص الاستثمار وفرص العمل. بصورة عامة الاقتصاد الوطنيوالمصلحة الوطنية هي المتضرر الأخر من استمرار الازمة. لذلك فان معالجتهايعد واجبا وطنيا لا ينبغي للجمعيات السياسية التخلي عنه، وهذا في تقديريهو معنى دعوة جلالة الملك للقوى الوطنية لكسر الجمود.
الشق الثاني من الأزمة هو تحول المظاهرات التي بدأت بمطالب مشروعة إلىرفع سقف المطالب مصحوبة بسلوك طائفي وانسياق خلف شعارات خارجة عنالبيئة البحرينية والواقع لخليجي. أَدْخل ذلك الخوف في فئة من المجتمع وأحدثانشقاقا عميقا أنتج احتقانا طائفيا خطيرا يحتاج علاجه إلى سياسات واعيةومدركة لخطورة ذلك اجتماعيا.
السؤال هل الأزمة الطائفية التي حدثت منفصلة تماما عن الحركة المطلبيةالأولى؟ هناك من يرى ان المشكلتين منفصلتان ولا توجد علاقة بين المطالبةبالحقوق في الشق الأول وبين الحركة الاحتجاجية وما نتج عنها من تصعيد. أيان المطالبين بالتغيير لهم اهداف أخرى لا تتصل بالحقوق من قريب او منبعيد. واذا سلمنا بعدم وجود علاقة يصبح لدينا قضيتين الأولى قضية حقوقتحتاج إلى علاج وتخص المجتمع بأسره والأخرى قضية طائفية مذهبية لا علاقةلها بالحقوق. وإذا اقتنعنا بان معالجة القضية الطائفية عملية طويلة الأمد منالصعب اختراقها في المستقبل المنظور مع التعقيد في المشهد الاقليمي. يبقىالسؤال: الا يستحق المواطن الذي يعاني فعلا بشأن حقوقه وفرص عمله وتأثيرالفساد في أمواله واراضيه وفرص عمله، كما تطرحه الصحافة، الا يستحق انيحصل على حقوقه التي عبر عنها في خروجه في تجمع الفاتح ورفع شعار لنامطالب؟
كيف كان التصور حينها لتحقيق هذه المطالب؟ ومن سيتصدى لها؟ وهل يمكنتبرير جمود الجمعيات السياسية على مواقف متصلبة أصبحت السبب فيتأخير الحل السياسي وزيادة معاناة الناس. وهل يجوز التعذر بتجاربشخصية او مصالح حزبية او انتظار تحقق عنصر الثقة بالآخر؟
حديث جلالته يوحي بأنه لم يعد ممكنا الاعتماد على الجهات الرسمية فقط فيتقديم الحلول من دون مساهمة فاعلة من المجتمع. هذا الإسهام المجتمعيللإصلاح هو واجب وطني يحقق حماية السلطة ويؤمن استمرارها من ناحية،وفي الوقت نفسه يعبر عن مواقف إيجابية من الجمعيات السياسية للمشاركةفي إدارة إيقاع الحوار اما الانتظار فهو استقالة طوعية من الحياة السياسيةنتج عنها فقدان ثقة الجماهير بهذه القوى. ولو استعرضنا أداء الجمعيات خلالالسنوات الثلاث الماضية نجد انه في معظمه لا يخرج عن ردات فعل على مايقوم به الطرف الأخر وإصدار بيانات تبرم منها المجتمع. هذا السلوك والجمودأفقد الجمعيات استقلاليتها والكثير من شعبيتها وثقة الناس بها.
في الأسبوع الماضي دعا جلالة الملك القيادات الوطنية إلى «تقريب وجهاتالنظر». لذلك نرى ان الاستجابة لدعوة جلالة الملك وترجمتها العملية تكمن فيقيام الجمعيات بوضع خطة تفصيلية تقوم بموجبها بتحرك مجتمعي يتفق علىمطالب تتقدم بها إلى السلطة. بدون هذا التعاون مع السلطة في الخروج منالأزمة لا نرى إمكانية التقدم واحداث تغيير مؤثر في حياة الناس يمنح البحرينفرصة الخروج من الازمة ويشعر الجميع بالانتصار، يتحقق للسلطة الامنوالاستقرار وللمجتمع حقه في الاستفادة من الثروة المجتمعية والسلطة وفيالتنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص ليستعيد الاقتصادعافيته لمصلحة الجميع. اما اتخاذ الإرهاب ذريعة لعدم التحرك من جانبالجمعيات السياسية فهذا مناف للعمل السياسي كما انه يتعارض مع ما قالهجلالة الملك من أن ذلك عمل «جماعة صغيرة لا تمثل اهل البحرين».